الوطن.. والسلطة.. والمستقبل «الحقيقة الضائعة فى زحام الأهواء» - عبد المنعم أبو الفتوح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 1:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوطن.. والسلطة.. والمستقبل «الحقيقة الضائعة فى زحام الأهواء»

نشر فى : الثلاثاء 18 يونيو 2013 - 1:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 يونيو 2013 - 1:00 م

عام مضى على أول انتخابات رئاسية بعد الثورة ويأتى فى ختامه للأسف بتطورات تهدد الوطن والمستقبل الذى ائتمنتنا الأجيال على تعهده حتى تتسلم زمامه.

 

ومن شهد فرحة المصريين بطول مصر وعرضها يوم 11 فبراير لا يمكنه تصديق أن هؤلاء هم بعينهم من يتحفزون ويتصارعون ضد بعضهم بعضا الآن على نحو لم تشهده مصر من قبل اللهم إلا فى مواجهة احتلال أجنبى.. وأنا بالفعل لا أصدق أن المشهد السياسى الحالى يتشكل من مشاعر ووجدان ووعى المصريين البسطاء السمحاء الذين يملأون القرى والنجوع وطرقات المدن وحواريها وشوارعها.. هؤلاء المصريون الذين تكتب عنهم كتب الدراسات الاجتماعية من مشاعرهم الفياضة أنهم (شعب يتميز بالحفاوة بالغرباء).. فيما تتناقل الأخبار والحكايات هذه الأيام الحديث عن (مصريين) تمتلئ احاديثهم بمفردات مثل الحصار والتهديد والقتل وبحيرات الدماء.. وأنا أعلم أن ما تصنعه الآلة الإعلامية يتجاوز الحقيقة التى تظهر الواقع كما هو.. فيما تختفى وتضيع هذه الحقيقة بتفاصيلها الصحيحة فى زحام أهواء وصراعات صغيرة على سلطة زائلة ستنحسر عن صاحبها يوما ما.. طال مجيئه أم قصر.. بالموت أم بغيره.

 

المشهد الذى نراه ونعيشه الآن هو محض صراع على السلطة لا أكثر ولا أقل.. ويبدو أنها حالة تتشكل بهذه الحدة والشراسة فى ظل ظروف سياسية واجتماعية تتشابه فى بعض المجتمعات وقد سمعنا المهاتما غاندى رائد الأمة الهندية المعاصرة يتلفت حول النخبة التى يراها كلها تنادى بحبها للوطن وتصرخ زاعقة خوفا على الوطن.. وكلهم لا يعملون لمصلحة الوطن بل من أجل السلطة.. السعى للسلطة ليس عيبا لتحقيق الأهداف وتطبيق البرامج لكن أن يتحول هذا السعى إلى سعار فتلك هى الكارثة وهذا هو الباب الكبير للمهالك كلها.. وعلى ذلك أود أن أذكر عدة نقاط:

 

 • لم يستطع الحكم القائم أن يحقق درجة الوفاق الوطنى التى تبشر بالجماعة الوطنية فى مجتمع الحق والواجب ودولة القانون التى يظللها دستور التراضى والتوافق.. بل لقد تعثرت الخطوات فى إدراك هذه المطالب دون عذر مقبول ودون تفسير واضح.. فيما بدا للجميع أن إحكام القبضة على السلطة ودوائرها هو المطلب الذى يتحتم الحصول عليه الآن.. وحالا. مع عدم اكتراث بالقوى السياسية والمجتمعية صغيرة الحجم كانت أم كبيرة.. مع قدر غريب من الإصرار على التحدى والمعاندة.. فى رسالة واضحة تقول إن ما بيننا وبينكم هو السلطة وامتلاكها والشرعية وحيازتها.. فيما يزداد التأكيد بالممارسة اليومية على أن فكرة (الجماعة الوطنية) لا مكان لها فى فلسفة الإدارة السياسية للشأن العام مصحوبة بتعللات باهتة بالصندوق والانتخابات.

 

 • حين دعوت إلى انتخابات رئاسية مبكرة كمخرج سياسى لحالة الاحتدام التى تصاعدت إلى حدود الخطر فى تهديد تماسك البناء الاجتماعى من قواعده.. وعلى الرغم من حالة التحول الديمقراطى التى يمر بها الوطن والتى تحتاج بالفعل إلى تثبيت وتأسيس.. كان ذلك بالأساس لتحويل الأنظار والأفكار إلى مدارات من الممارسة الديمقراطية فى الإطار الدستورى الضامن والضرورى لشرعية انتقال السلطة حال تعقد الأمور وارتباكها إلى حدود العنف والعنف المتبادل.. الأمر الذى يفتح أبواب (الجحيم السياسى) على الجميع.. وأنا وإن كنت أؤمن بهذا الخيار فليس بالضرورى هو الخيار الأوحد والأصح.. ولو رأيت من الحلول والمعالجات ما نتجاوز به تلك الدعوة عبورا للأزمة كلها لأقررت بها وساندتها وعملت على أن أكون جزءا منها.

 

 •  لقد تعرضت التنظيمات والحركات الإسلامية والإصلاحية على مدى حضورها التاريخى فى القرنين الماضيين إلى صعوبات ومصادمات وسجون واعتقالات أنتجت شعورا بالظلم والقهر كان له دوره المباشر فى صنع وتوليد أفكار وسلوكيات التطرف والتى عانت منها مجتمعاتنا على امتداد العالم الاسلامى كله معاناة أليمة.. وصنعت مواقف وحالات سياسية وفكرية أضرت إضرارا بالغا بمشروع الإصلاح الوطنى فى كل جوانبه ومكوناته.. وهو ما يجعلنى أنتبه وأنبه إلى أن انغماس التنظيمات الإسلامية فى مزيد من الإحساس بالظلم والتجنى والقهر يعنى ببساطة مزيدا من الانغماس فى الأفكار المتطرفة التى ستجعل تلك الدائرة الجهنمية لا تكف عن الدوران ولا تكف عن إنتاج التطرف وهو ما يجعلنا نتطلع بحرص وقلق إلى المستقبل البعيد والأبعد..حرصا على الأجيال القادمة. أقول ذلك وأنا أدعو إلى فتح باب السياسة على مصراعيه فى اتجاه كل الحلول والمعالجات الممكنة.

 

 • يتوقع كثير من المتابعين حدوث حالات عنف كبيرة متبادلة سيمنح كل طرف فيها نفسه الحق والمشروعية التى تصل إلى حدود (الاستشهاد) من جانب.. و(حقوق العنف الثورى) من جانب آخر.. على أن أخطر ما فى تلك المواقف كلها هو تنظيم (البلطجية) الذى أحكم رجال النظام السابق مفاصله وباتت مصادر تمويله وتسليحه لا سقف لها.. ويهدفون بالأساس إلى إغراق الشارع بالدم والقتل والترويع.. وعليه فستكون (النكسة الثورية) تبعا لذلك أشد مرارا وحسرة وخسارة من كل النكسات.

 

 • يحدونى التوقع والأمل للوصول فى الأيام القادمة إلى تحقيق قدر جيد من التوازن السياسى ينزع فتيل الأزمة كلها.. والمواءمة السياسية فى تحقيق المصالح العليا للوطن والأمة ليست مما ينقص السيادة أو يهين الكرامة. بل مما يسجله التاريخ دائما للطرف الأقوى هو مقدار ما يقدمه بين يدى الوطن من (تضحيات سياسية).. رعاية وصونا للوطن وحفاظا وكمالا للجماعة الوطنية.

التعليقات