سلوكيات القول 28 ــ محاسن القول - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 12:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات القول 28 ــ محاسن القول

نشر فى : الأحد 27 يوليه 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 27 يوليه 2014 - 9:10 ص

-1-

نواصل اليوم تتبع ضوابط محاسن القول وسادس الضوابط: أن يكون الكلام «قولا بليغا» حيث يقول القرآن: (..وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا). وكلمة «بليغ» هى صيغة تفضيل من الفعل «بلغ» أى أن كلامك إلى الناس يجب أن يصل إليهم واضحا مبينا، فمن ناحية اللفظ يبلغ الكلام لصاحبه بلاغا واضحا، أما جمال هذا اللفظ وما فيه من بلاغة يذكرنا بتعريف البلاغة فهى «مطابقة الكلام لمقتضى الحال»، وعلى ذلك فمعنى اللفظ القرآنى «قولا بليغا» أى قولا يصل إليهم واضحا مختصرا على قدر الحقيقة دون زيادة أو نقصان.

وسابع الضوابط أن يكون القول «قولا لينا» فمن الواجب تحرى وتعمد لين الكلام حتى مع من نيأس منه، فالقرآن يعلمنا لين القول حيث أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يخاطبا فرعون، ورغم علم الله بخبث فرعون وعدم جدوى الحديث معه إلا أنه شرط أن يكون اللين فى حوارات الدعوة فقال (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى). ولا تنسى أن الله قد خاطب محمدا فقال له (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)

-2-

وفى خصوص الكلام مع الوالدين والأقربين، ذكر القرآن ضابطين آخرين، فـالثامن هو قوله تعالى(فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)، وواضح أن المقصود بـ«القول الكريم» هو انتظام الفرع مع الأصل، ونظرة الراجى إلى السبب الذى يدخله الجنة. فلابد من «كريم القول» معهما ليشعرهما بشكر نعمة رعايتهما لنا ونحن صغار(..وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا )، فليزدحم كلامك معهم بقدر من الطاعة والرقة والدبلوماسية حتى لا تسمع لكلامك ردا إلا دعاءهم لك بالتوفيق.

والضابط التاسع هو «القول الميسور» حيث يقول الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا).

هكذا فمع عموم القربى (قرابة العصبة) و«ذوى الأرحام» و«المصاهرة» و«قرابة السكن»(الجيران). كل هؤلاء لابد أن يكون الكلام معهم «قولا ميسورا» أى يسيرا يفهمونه ويرحبون به ويتفاعلون معه ويتفاءلون به، حتى نحافظ على وحدة المجتمع وتماسكه.

والضابط العاشر هو «القول الحسن» أى البحث عن أحسن ما يعجب السامع من الألفاظ وأحبها إليه.. والقول الحسن قد رتب القرآن له مراتب جميلة نحاول الإحاطة بها، فبداية مخاطبة عباده الصالحين (.. وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ..). أى أن المسلم إذا نطق فلابد أن يكون كلامه حسنا يقع موقعا حسنا فى نفوس السامعين. وكذلك جاء الأمر الإلهى (وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ..) أى أحسن مما يسمعون، ونكتشف فى القرآن أن الله قد اشترط فى كلامه هو أن يكون حسنا، حيث يقول(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ..) و(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ..).

وحينما سمح بالجدل مع المخالفين قال (..وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ..). كما يؤكد حسن الكلام مع المخالفين (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا). ويشترط جل شأنه حسن الكلام مع أهل الكتاب خاصة فيقول (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ..).

وهكذا فالمناخ كله حسن والحوار كله حسن. فماذا يفعل من يسمع كل هذا الكلام الحسن من الناس؟! مادمت قد سمعت الحسن فلابد أن تنتقى وتختار أحسن ما سمعت لتقوله وتتبعه (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..). هكذا تكون السلسلة الحسنى، إشاعة الكلام الحسن وانتشاره ثم يختار المتكلم أحسن ما سمع ثم يتبع الأحسن على الإطلاق.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات