لا أنام - محمود قاسم - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا أنام

نشر فى : الجمعة 27 نوفمبر 2020 - 7:55 م | آخر تحديث : الجمعة 27 نوفمبر 2020 - 7:55 م

كتبت مقالات عن أفلام بعينها على استحياء شديد، واليوم وقع بين يدى مجددا كتاب «صلاح أبو سيف والنقاد»، ولفت انتباهى المقال الجرىء الذى كتبه أنور عبدالملك فى مجلة «الإذاعة» بتاريخ 9 نوفمبر 1957، حول فيلم «لا أنام»، كتب فيه كلاما مهمًا عن: «فيلم قصته من باريس يدور فى شوارع شبرا»، تحدث أن العديد من الكتابات أشارت إلى التقارب بين الفيلم المصرى، ورواية فرانسواز ساجان وأن الكاتب رمى بكل الآراء التى نبهت إلى ذلك فى صندوق المهملات»، وأنا أضيف أن كاتبنا كرر الأمر فى أعمال أخرى منها: «فى بيتنا رجل، والبنات والصيف، وبئر الحرمان» وأيضا «دعنى لولد»، والعذاب فوق شفاه تبتسم».
ما دفعنى لإعادة مشاهدة الفيلم الأمريكى، الذى عرض فى العالم بعد صدور الرواية، أى أن الفيلم الأمريكى عرض فى مصر بعد العرض التجارى لفيلم «لا أنام»، ما يؤكد أن المصريين سبقوا الأمريكان. أولا هذه المرة الأمر ليس تشابها، ومن الواضح أن أنور عبدالملك قرأ الرواية لكنه لم يشاهد فيلم «أوتو برمنجر»، وأن التقارب بين النصوص يلزم المقارنة بين الرواية والفيلم المصرى المأخوذ عن رواية سرعان ما تلقفتها السينما.

أعترف أننى لم أقع أبدا فى غواية الحكى عند فرانسواز ساجان، ولم تجذبنى الأفلام السينمائية المأخوذة عن أعمالها مثل: «هل تحبين برامز»، و«ابتسامة ما»، و«خفقات قلب»، وقد تهافت المنتجون على تحويل بعض الروايات بإقبال ملحوظ فى السينما الأمريكية والفرنسية، وكم رأيت أنها حالة من الإبهار أحدثتها كاتبة صغيرة السن تم النطر إليها على أنها كوليت الجديدة، ولم لا و«مذكرات آن فرانك»، كتبتها صبية صغيرة، وقد قمت بمشاهدة الفيلم، وإعادة قراءة الرواية، واستفزنى مقال الدكتور أنور عبدالملك، وأزال عنى حرجا، فالنص المصرى الأدبى ثم السينمائى متشابهان مع الرواية الفرنسية، والعلاقة الأساسية هنا بين البنت وأبيها، تشعر بامتلاكه، ومن حقها الاحتفاظ به، وقد انتهت علاقة الأب بحبيبته التى كانت تعيش معه، وجاءت إلى البيت امرأة فى سن الابنة، وفى حياتها رجل آخر وهى أيضا زميلتها فى الصف، لكنها تخونه، وفى النص المصرى إضافات كثيرة وتحولات إلى الجانب الشرير من طرف الفتاة، وأيضا مسألة أن هناك رجلا فى حياة البنت نادية لطفى، هذا الرجل تزوج فيما بعد من الزوجة صفية التى كانت الابنة سببا فى طلاقها، وأضاف الفيلم والرواية أيضا شخصية العم الذى كان أداة لإثارة غيرة الأب على طريقة عطيل.
هناك نقاط تشابه واختلاف تجمع بين النصوص الأربعة، أبرزها أنها جميعا تدور على لسان فتاة فى سن الثامنة عشرة تعيش مع أبيها الأعزب الذى تفرغ لها طيلة حياته، حتى إذا بلغت المراهقة بدأت فى التواصل مع النساء، أغلبهن بنات صغيرات صديقات الدراسة للفتاة سيسيل أو نادية، عدا الصديقة أو الزوجة التى تأتى إلى البيت لبعض الوقت، وتظهر الزميلة من جديد، نحن نعيش فى عالم المقتدرين، يتمتع ريمون ولطفى بثراء، يعيشان فى أماكن فخمة وبيوت على الشواطئ لكننا لا نعرف كيف يكسبان المال، وهناك دائما علاقة مشبوبة بين البنت وأبيها تتضح أكثر فى فيلم أوتو برمنجر، فالأب ريمون لا يكف عن تقبيل ابنته فى فمها حتى وإن لم تحمل معنى التلذذ الحسي، وفى النصوص المصرية فإن هناك إضافات لأحداث تشد انتباه من يبحثون عن تفاصيل الحكايات مثل علاقة نادية برجل ناضج تتردد على شقته، هذا الرجل سوف يتزوج صفية بعد طلاقها، كما أن الأحداث تبدو ساخنة، والغيرة تستبد بقلب الأب وهو يتصور أن هناك علاقة بين زوجته وأخيه بإيحاء خفى من الابنة، فيطرد كلاهما من البيت، وتأتى له الابنة بزميلتها اللعوب ليتزوجها فتخونه بقوة، وتدفعها المرأة للزواج من عشيقها كى تتاح للزوجة الانفراد بعشيقها للأبد، وعليه فالقصة المصرية أضافت ما يسمى بهارات الحكي، بينما النص الأجنبى وصف لنا حالة بنت تروى عن نفسها وعالمها المحدد بعلاقات ما، حيث إنها تخرج وتراقص وتتلامس بجسدها مع شباب، لكن الأب هو ركيزة حياتها، وقد آل الأب فى النهاية إلى ابنته، بعد أن ماتت الزوجة الشابة فى حادث سيارة، فإن الأب وسيسل يعيشان معا، وتستكمل الفتاة الحكى وهى تبكي، أما نادية فبعد حفل الزفاف الذى لم يكتمل وطرد العريس والزوجة الخائنة، فإن نادية ستبقى مع أبيها لاشك، وكما أشرنا فإن هناك شخصيات إضافية، كما تحدثنا.
لم تشدنى روايات ساجان، ولا الأفلام المأخوذة عنها، وكنت أخشى أن يعكس هذا تدنى ذوقى لكن أغلب المتابعات النقدية اتفقت مع رأي، والأمر نفسه حدث بالنسبة لفيلم أوتو برمنجر، وهو مخرج مهم لكن يبدو أنه كان فى نزهة إلى الريفيرا مع فريق العمل أكثر منه مخرجا، تلك المنطقة الساحرة السياحية كانت الأنسب لتصوير أفلام خفيفة فى تلك الفترة أبرزها «امسك حرامى» لهيتشكوك، و«الحب شىء رائع» وغيرهما. وبالنسبة للرواية المصرية فلم تشدنى مثل اعمال كثيرة للكاتب منها «لا شىء يهم»، و«شىء فى صدرى»، وبلا شك فإن مرحلة علاقة صلاح أبوسيف بقصص الكاتب قد تنوعت من فيلم إلى آخر، وهناك محطات قوية مثل «أنا حرة»، و«الطريق المسدود»، و«لا تطفئ الشمس»، وأعمال أخرى.

التعليقات