نرجس - محمود قاسم - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نرجس

نشر فى : الجمعة 27 ديسمبر 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الجمعة 27 ديسمبر 2019 - 10:15 م

عبدالفتاح حسن، واحد من أغزر المخرجين أهمية فى سينما الأربعينيات فى مصر، ورغم ذلك فهو المخرج الأكثر تعرضا للظلم على ايدى الباحثين، وأكاد أجزم أن النقاد لا يعرفون اسمه، ولم تصادفنى أى كتابات عنه، وذلك يعنى أن خريطة السينما لم تكتمل بعد. والغريب أن المخرج كان واحدا من المهتمين كثيرا بما يمكن تسميته بالقضايا الاجتماعية، وهناك سمات عديدة فى أفلامه المتنوعة، أن الحوار مكتوب باعتناء شديد، وكان هو كاتبا لأغلب افلامه، وفيها جميعا ترى الجانب المشرق من المصريين، تلك الصورة التى انقلبت تماما فى زماننا، بما يعنى اننا فى أمس الحاجة لمشاهدة أفلامه للمقارنة، حتى وان تفلسفنا وقلنا إن السينما ليست للتعليم بشكل مباشر، ولعلنا نتعلم ذلك مثل أثر الحوار الذى نسمعه فى فيلم اليوم، وهو مكتوب باعتناء بقلم بديع خيرى، بالاضافة إلى المواقف الإنسانية بين اناس يعيشون فى منطقة شعبية، وذلك منذ المشهد الأول، فبدون مناسبة تقريبا يدور حوار بين بائع طعام شعبى، وجاره كأنهما يتعازمان على وليمة يقيمها كل منهما للآخر، حيث نسمع كلمات مشرقة مليئة بالاقاويل التى تعبر عن المحبة والتواصل، مثل هذه العبارات يرددها أيضا بطلا الفيلم محمد فوزى (محمود)، ونور الهدى التى تجسد شخصية نرجس وهما الجاران اللذان يتبادلان الحب منذ الطفولة.

وكى نعرف قيمة جمال الحوار بين الأطراف، فإن زوجة الأب، أو الأم البديلة التى تجسدها فردوس محمد تبدو ذات نبرات خاصة لا تتعدى عبارة مثل: «يامقروصة» ومواقفها العديدة، وهى تردد «جن لما يلخبطك» وهكذا.

فى حديثنا عن فيلم «ليلة غرام» اخراج احمد بدرخان أشرنا إلى أنه فى تلك الفترة من بداية الخمسينيات شاهدنا أفلاما كثيرة حول الفتيات اللقيطات، ومنها «ياسمين» و«دهب»، من هذه الأفلام التى لم نذكرها فيلم «نرجس»، تمثيل على الكسار، وعزيزة حلمى وزوزو ماضى وفردوس محمد، وهو كم الافلام القليلة الموجودة على اليوتيوب لعبدالفتاح حسن 1949، والفيلم يبدأ برجل فقير يسمى أبوالفرج يخرج من المسجد ويعثر على طفلة لقيطة ويشاهده الشرطى يجبره أن يأخذ الوليدة لتربيتها، وسوف يطلق الرجل على اللقيطة اسم «نرجس» لأن امها تركت حول عنقها زهرة نرجس لتكون دليلا على هويتها فيما بعد مثلما كانت هناك ايقونة حول رقبة ليلى فى فيلم «ليلة غرام». وسوف نرى تشابها آخر أن الأم الحقيقية بعد سنوات سوف تعثر على ابنتها وقد صارت شابة. وتكون المشكلة أن الفتاة تمت تربيتها فى بيت الأم الشرسة التى تفضح نرجس ذات يوم. حين تخير ام جارها محمود بالحقيقة، وهنا يبدو النبل بين الاختين، فتطلب نرجس من محمود أن يتزوج أختها اعتدال، وإمعانا فى اضافة النبل على الجميع، فإن الأم تشعر بالندم لما قالت بعد أن يأتى الأب الحقيقى ليأخذ ابنته.

هل تذكرون قصة فيلم «بياعة الجرايد» الذى أخرجه حسن الامام فى الستينيات، هو بمثابة اعادة لفيلم «المظاهر» الذى أخرجه كمال سليم عام 1945, والغريب أن فيلم «نرجس» به تماس ملحوظ مع الفيلمين المذكورين بل إن محمد فوزى سيكون فى فيلم رابع مشابه لهم هو «دايما معاك» لماضى لا يمكن نسيانه لبركات 1954، أى أنه فى زمن قصير جدا تم غزل موضوع واحد عدة مرات من خلال عدة مخرجين يمثلون اتجاهات متباينة جدا، والموضوع كما أشرنا هو الفتاة الفقيرة التى تعثر على اهلها الأثرياء وهى التى تحب شابا فقيرا من الحى الذى تعيش فيه وانخرطت فى طبقتها الجديدة لكنها اكتشفت أن الماضى لم يكن سيئا. وكان عليها أن تترك الثروات من أجل الحب.

من المهم الاشارة إلى العالم النبيل الذى رسمه عبدالفتاح حسن، فالشخصية المعروفة بسلاطة اللسان وهى الأم سرعان ما تتطهر من ألفاظها الغليظة بعد أن تنفصل نرجس عن الاسرة وتعود للزيارة إلى منزل والدها فان الأم الأولى تنقى الألفاظ تماما وإن ظلت كما هى مع ابنتها اعتدال وزوجها أبو الفرج، لاحظ جمال أسماء الابطال ولذا سرعان ما يدخلنا الفيلم إلى منافسة من أجل النبل حين تعرف نرجس أن اعتدال وقعت فى غرام حبيبها محمود وعليه فإن المشاكل هنا من النمط الراقى، فالأبوان الحقيقيان يتعاملان مع الابنة بمنتهى الحنان، يدبران لها العريس الأمثل.

بسبب الزواج الفنى والحياتى فإن الثنائى الذى صنعه محمد فوزى مع مديحة يسرى أكثر شهرة من الثنائى الذى كونه مع نور الهدى، والحقيقة أن للزواج ايضا نكهة انسانية فى كل الأفلام التى عملها فوزى مع زوجته، رغم أن نور الهدى مطربة، واكثر قبولا فى خفة الظل فان افلامها بشكل عام عدا الثنائى الذى شكلته مع فريد الأطرش لم يصمد مع الزمن، ولا شك أن مقومات نجاح افلامها مع فوزى اقل جادبية ويرجع إلى عدة عوامل منها الروح التى يضفيها نيازى مصطفى وحلمى رفلة ورغم أن كل عناصر نجاح الأفلام موجودة فى «نرجس» مثل اسماعيل يس وعلى الكسار، فان قليلا من البهارات تنقص الوجبة هنا.

التعليقات