العالم الحق - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العالم الحق

نشر فى : الأحد 28 فبراير 2016 - 10:10 ص | آخر تحديث : الأحد 28 فبراير 2016 - 10:10 ص

عالم عاش ما يقرب من القرن وأثر في الدنيا لقرون، والغريب في عالمِنا الفذ أنه لم يؤثر في الدنيا بعلمه فقط، وإن فعل لكفاه، ولكنه أثر فيها بأخلاقه وبموهبته الإدارية.

قد تكون كلمة أو حركة أو مساعدة صغيرة لشخص ولكنها تقلب حياة هذا الشخص رأسًا على عقب إلى الأفضل وهذا مما لا شك فيه فعله الدكتور محمود حافظ كثيرًا، ولذلك لا يجب أن ننظر إلى أبحاث العالم فقط بل يجب أن ننظر كيف أثر بإنسانيته في الكثيرين.

الدكتور محمود حافظ هو أول مصري يحصل على شهادة الدكتوراه في علم الحشرات، وثاني مصري يجمع بين رئاسة مجمع اللغة العربية والمجمع العلمي (الأول كان د.طه حسين).

ولد الدكتور محمود حافظ في يناير من عام ١٩١٢ في فارسكور، بدأ تعليمه كأغلب أبناء جيله في الكتاب حيث حفظ القرآن ثم انتقل للقاهرة لاستكمال تعليمه بالمدرسة السعيدية الثانوية، ثم تخرج في كلية العلوم جامعة فؤاد الأول آنذاك (جامعة القاهرة الآن) عام ١٩٣٥ وعين معيدا فيها، حصل على درجة الماجستير بعد ثلاث سنوات ثم درجة دكتوراه في علوم الحشرات بعد عامين! إلى هنا يبدو كل شيء عاديًا أو لنقل قصة عادية لشاب متفوق مجتهد، لننتظر ونرى..

واصل الدكتور محفوظ حافظ بحوثه الرائدة في جامعة لندن وجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة، وبات الدكتور ضيفا كبيرًا في المؤتمرات العلمية بجميع أنحاء العالم، وأنجز أبحاثا اشتهرت باسمه في الحشرات والمقاومة البيولوجية للآفات الزراعية.

هذا عن العلم، فماذا عن ترأسه لمجمع اللغة العربية بعد الدكتور شوقى ضيف؟

كانت اللغة العربية عشق الدكتور حافظ منذ نعومة أظفاره بجانب عشقه للحشرات، حفظه للقرآن الكريم في الكتّاب علمه سلامة النطق، وكما جمع الفراشات من الحقول والمزارع فقد جمع أيضًا فراشات اللغة كما قال بنفسه!

إذا تأملنا في حياة الدكتور حافظ سنلاحظ ثلاثة أشياء مهمة: الأسرة والبيئة الجامعية وطلب العلم حتى اللحد!

والده هو حافظ إبراهيم دنيا الذي قاد ثورة عارمة ضد الاحتلال الإنجليزى منتصرًا للزعيم سعد زغلول، وكوّن خلية مقاومة امتد صداها من فارسكور وحتى مشارف المنصورة، تم القبض عليه وحكم بإعدامه، إلا أن ضغط الشعب أثار مخاوف الاحتلال فعفى عنه.

كانت نتيجة ذلك أن فقد الوالد كل ممتلكاته على العمل الوطنى، مما اضطر سعد زغلول إلى دفع خمسين جنيهًا لمساعدة الدكتور محمود حافظ على إكمال تعليمه.

هذا الشعور الوطنى الجارف انتقل من الأب إلى الابن الذي سخر علمه لبلده وطلابه ومحبيه.

أما البيئة الجامعية، فماذا تظن بجامعة رئيسها أحمد لطفى السيد، وكلية علوم فيها الدكاترة على مصطفى مشرفة وأحمد زكى، وكلية آداب بها الدكتور طه حسين الذي كان طلاب الجامعة من خارج كلية الآداب، ومنهم الدكتور محمود حافظ، يحضرون محاضراته؟

أما طلب العلم، فما قولك بعالم ظل يقرأ ويبحث وينشر أبحاثًا علمية (تعدت المائة وستين بحثًا غير الكتب!) وقد تجاوز التسعين من العمر؟ عالم اعتبر درجة الدكتوراه بداية وليست نهاية، مسؤلية وليست لوحة تعلق على جدار، عالم لم يكتف بالمعامل ولكن نزل إلى معترك الحياة وترأس المجمع العلمي ومجمع اللغة العربية، وأصبح وكيلًا لكلية العلوم وعضوا في مؤسسات وجمعيات كثيرة محلية ودولية.. لن نذكر الجوائز التي حصل عليها، وهي كثيرة ومرموقة، فالعالم بتأثيره وليس بجوائزه.

رحم الله الدكتور محمود حافظ الذي وافته المنية عام ٢٠١١.. فى نفس توقيت حريق المجمع العلمى!

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات