رسالة من صديق أوكرانى - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة من صديق أوكرانى

نشر فى : الإثنين 28 فبراير 2022 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 28 فبراير 2022 - 10:00 م

ستمضى ماكينة الضخ الإعلامية فى بث المزيد من المشاهد ورصد العديد من المواقف لما يدور على ساحة الحرب الروسية الدائرة فوق الأرض الأوكرانية حاليا، وسيتخذ الغرب المزيد من القرارات لخنق روسيا وحصارها، لعل القيصر يوقف الحرب التى تهدد باشتعال العالم ووصول كرة اللهب إلى أطراف الدنيا، وربما إلى أكواخ فى الفضاءات البعيدة عن مسرح الأحداث.
نعم قد ترى روسيا أن أمنها القومى مهدد، وقد تعتبر اقتراب حلف شمال الأطلسى «الناتو» من حدودها خطا أحمر لا يمكن السماح به، لكن الواقع أننا أمام حرب، ربما تكون فخا ومصيدة للدب الروسى.. حرب تريدها الولايات المتحدة ودول أوروبية ميدانا لإنهاك روسيا وإضعاف شوكتها، تماما كما حدث من قبل فى أفغانستان التى كانت بوابة النهاية للاتحاد السوفيتى، الذى جرى تفكيك جمهورياته التى لم يكن فى الحسبان تفتيتها على نحو ما جرى.
وفى المقابل، قد يجد الأوروبيون أنفسهم وقودا لصراع يهدد بزوال الأمن والاستقرار لمواطنيهم، وتخريب لدولة الرفاه التى يعيش سكانها فى عوالم افتراضية تحلق فى أفق التقدم التكنولوجى، الذى جعل من الحروب على أرض الواقع كابوسا لم يروا مثله من قبل، وستمتد آثاره لأجيال، تماما كما كانت الحرب العالمية الثانية جسرا للخراب والدمار، وقتل الملايين من البشر، قبل أن يستعيد العالم رشده.
ستنشط أدوات الحروب النفسية، وسيصور الإعلام الغربى روسيا كوحش ومصاص دماء لا يرحم، وستدافع موسكو عن صورة اهتزت، مع تدفق النازحين الأوكرانيين، وتكدسهم بالآلاف على بوابات الحدود مع الدول الأخرى، كرومانيا وبولندا، وسنتابع قصصا وحكايات عن مآسٍ إنسانية تمشى على الأرض، وسنذرف الدموع على معاناة الأمهات والأطفال، وحتى الحيوانات الأليفة التى يتمسك بها أصحابها فى رحلة الهجرة لبلاد بعيدة عن الوطن.
قد يتلاعب الساسة بالمواقف، وقد تختار بلدان الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، وربما يقف بعضها على الحياد، لكن هذا الحياد يصعب أن يكون مع المأساة الإنسانية التى يتحملها البشر، الأوكران سيشردون، والروس سيحاصرون، وسيدفع كلا الطرفين ثمن حرب ضروس، هى مجرد تجسيد حى لصراع أشد وأقوى على النفوذ.. صراع يوزع الحقد والكراهية، بدلا من السلام والوئام.
عدم الحياد الإنسانى يجعلنى أعرض مقتطفات من رسالة تلقيتها من صديق يعمل صحفيا فى مجلة «The Ukrainian Week» أو الأسبوع الأوكرانى، هو أندرى جولوب (Andriy Golub)، الذى زار مصر الصيف الماضى، بدعوة من وزارة السياحة المصرية، وغادر على أمل العودة إليها.. يقول أندرى:
«أنا آسف لم تتح لى الفرصة للكتابة لك فى الأيام الأخيرة، ولا أعرف ما إذا كانت ستتاح لى فرصة الكتابة إليك فى المرة القادمة.. الشىء الوحيد الآن، هو أن روسيا هاجمت أوكرانيا.. بصراحة، لم أكن أصدق ذلك حتى الساعة الأخيرة، لكننى كنت مخطئا.
أعلم أن مصر وكل شمال إفريقيا يشاهدون هذا الصراع بحساب، إنكم تشترون الحبوب من أوكرانيا وروسيا، والآن تفكرون فى أن الأسعار سترتفع، وأن السياحة ستتأثر، وبصراحة نظرنا إلى الحرب فى سوريا والعديد من الحروب الأخرى بنفس الطريقة، لأنها بعيدة عنا، لكنى سأحاول أن أشرح لكم رمزية هذه الحرب بالنسبة للأوكرانيين».
ويشرح:«أكبر حرب خضناها من قبل كانت الحرب العالمية الثانية. كل طفل فى كييف يعرف حكاية بسيطة عن تلك الحرب، ففى 22 يونيو(1941)، وفى الرابعة صباحا بالضبط، قصفت كييف.. هكذا بدأت الحرب، لأن هتلر هاجم الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت، والشىء نفسه حدث هذه المرة فقد قصفت روسيا كييف.. فى الساعة الرابعة صباحا، أيضا».
ويتابع: «هذه الليلة ننتظر أكبر قصف للمدينة. أنا أكتب، مستلقيا فى دهليز شقتى، لأنه أكثر أمانا من السرير، بينما يقضى الكثير من الأوكرانيين لياليهم فى الملاجئ، ولا أعلم ماذا سيحدث هذه الليلة». انتهت رسالة أندرى، لكن معاناة البشر سواء فى أوكرانيا أو روسيا ستستمر على ما يبدو لوقت أطول.
فها هو فائض العنف الكامن فى النفوس البشرية ينفث سمومه بحرب جديدة، بعد تراجع لغة الحوار والتفاهم.. وعلى صوت السلاح وهدير الدبابات، وقصف المدافع، تحتدم المعارك، ويسقط الضحايا لا فرق بين مدنى وعسكرى، فنزيف الدماء واحد فى كلتا الحالتين، أرواح تزهق، وعائلات تشرد، وأخرى تنتظرها معاناة العقوبات القاسية، وخسائر مادية يصعب تعويضها ولو بعد حين من الدهر.

التعليقات