هل كانوا فى كامل وعيهم؟ - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل كانوا فى كامل وعيهم؟

نشر فى : الأحد 28 مارس 2010 - 9:32 ص | آخر تحديث : الأحد 28 مارس 2010 - 9:32 ص

 صرنا نقرأ هذه الأيام عن تسويات أجرتها الحكومة مع رجال الأعمال الذين هربوا من مصر بعدما عجزوا عن سداد مديونياتهم لسبب أو آخر.

وكانت تلك التسويات مقدمة لعودتهم واستئنافهم لحياتهم الطبيعية، وهو ما رحبت به وسائل الإعلام وتحفظت عليه فى حينه.

حيث دعوت إلى التحقق من استعادتهم لاعتبارهم أولا، لأنه من غير المستساغ أو المفهوم أن يهرب الواحد منهم بفلوس البلد أو يهدر الحقوق المعلقة فى عنقه، ثم يعود إلينا بعد عدة سنوات وقد أجرى تسوية لا نعرف مضمونها، ويطالبنا بأن ننسى الذى فات، واعتباره كأن لم يكن.

وأعترف أننى حين قلت هذا الكلام كنت أحسن الظن بالتسويات التى عقدت ولم يخطر على بالى أن يتم استغفال الحكومة فيها، وهى التى باتت تعصر المواطنين لكى تسترد حقوقها، وتبتدع كل حين حيلة جديدة لكى تفتش فى جيوبهم لتنتزع منها ما تريد، لكننى اكتشفت لاحقا أن إحسان الظن كان تعبيرا عن جهل بحقيقة ما يدور وراء الكواليس وفى ثنايا الأوراق. وأن الحكومة التى تتفنن فى الاحتيال علينا واستعراض شطارتها فى التعامل معنا، تخرج من تلك التسويات مضحوكا عليها ممن هم أشطر وأخبر منها بفنون الاحتيال.

هذا الانطباع خرجت به حين أتيح لى أن أطلع على نص عقدين للتسوية أبرما مع أحد رجال الأعمال الذين عادوا إلى مصر مؤخرا، ولم أصدق عينىّ حين وقعت على بنود التسوية، حتى إننى لم أستوعب ذلك المضمون إلا بعد القراءة الثانية، ومع ذلك فمازلت غير مصدق أن ممثلى الحكومة المصرية يمكن أن يوقعوا على تلك التسوية فى ظروف عادية، ولا أخفى أننى من فرط الدهشة لم أعد مشغولا بما فى التسوية من استهبال واستغفال، بقدر انشغالى بطبيعة الظروف التى وقع فيها ممثلو الحكومة على العقدين.

خلاصة القصة أن رجل الأعمال العائد كان مدينا لأربعة بنوك فى مصر بمبلغ 2 مليار و860 مليون جنيه. إلا أنه فى بداية المساومة تم إسقاط 600 مليون جنيه عنه مرة واحدة، ومن ثم بدأ الكلام فى التسوية عن مبلغ مليارين و٢٦٠ مليون جنيه. وبعد الأخذ والعطاء أعفى صاحبنا من مبلغ مليار و285 مليون جنيه. أما المبلغ الذى تبقى بعد ذلك «950 مليون جنيه»، فقد اتفق فى العقدين على سداده على مدد تراوحت بين ست وعشر سنوات. وتم احتساب الفائدة على أساس 7٪، فى حين أن أقل سعر للاقتراض هو 12٪، أى أن البنوك بمقتضى الاتفاق خسرت 5٪ من استحقاقها سنويا.

بعملية حسابية بسيطة نجد أن ممثلى الحكومة المصرية وافقوا على إسقاط وأعفاء رجل الأعمال المذكور من مبلغ مليار و885 مليون جنيه، وإذا أضفت فرق سعر الفائدة للسداد المؤجل الذى يعادل 300 مليون جنيه، فسنجد أن رجل الأعمال المحظوظ أعفته حكومتنا السنية من مبلغ مليارين ومائة وخمسة وثمانين مليون جنيه. ولكى تدرك المدى الذى ذهبت إليه فى «التسامح» مع رجل الأعمال الهارب، فربما يفيدك أن تعلم أن المذكور لن يؤدی المبلغ المتبقى عليه نقدا، ولكنه سيسدده من خلال عقارات مغالى فى قيمتها، وموجودة تحت يد البنوك فعلا، وبيعها لم يتم!

«المسخرة» تبدو أكثر وضوحا فى اتفاق التسوية الذى تم مع أحد البنوك فى إطار الصفقة التى نحن بصددها. إذ اتفق على اعتبار الرصيد المدين مليارا و540 مليون جنيه، وهذا المبلغ أسقطت منه فوائد عن أكثر من خمس سنوات تقدر بمبلغ 700 مليون جنيه.على الأقل، إضافة إلى ذلك نص الاتفاق على أنه فى حالة التزام صاحبنا بالتسوية فإنه يعفى من مبلغ إضافى قدره 800 مليون جنيه، أى أن الرجل أعفى عمليا من مليار ونصف مليار جنيه. أما ما تبقى من المديونية «733 مليون جنيه» فتسدد كالتالى: 138 مليونا تسدد خلال ثلاثة أشهر من حصيلة عقارات مرهونة للبنك ــ الباقى «595 مليون جنيه» تسدد على أقساط خلال فترة تتراوح بين 8 و10 سنوات.

ألا يحق لنا أن نتساءل بعد ذلك، عما إذا كان ممثلو الحكومة المصرية فى كامل وعيهم حين وقعوا على هذه التسوية، وعن نوع «المياه الصفراء» التى قدمت إليهم قبل التوقيع؟! وإذا صح أن ممثلى الحكومة كانوا فى وعيهم حين «وقعوا»، فإن ذلك يستدعى سؤالين هما: هل تتعامل الحكومة بنفس الكرم والأريحية مع جميع المتعثرين؟ ثم، لماذا تتسامح إلى حد التفريط فى الحقوق مع الذين نهبوا أموال الشعب، فى حين تستقوى ولا تستخدم إلا لغة السحق والقمع مع معارضى النظام وخصوم السلطة؟

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.