جداتنا اللواتى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 9:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جداتنا اللواتى

نشر فى : الثلاثاء 28 مارس 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 مارس 2017 - 9:35 م

لم يكتب لى الله أن أنعم برؤية جدتى لأمى ولا لأبى ــ رحمهما الله، لكننى عرفت معنى الجدة من خلال ما أراه فى العائلة، سواءً فى بيت أمى أو فى بيت والدة زوجى ــ رحمه الله.

اللهفة التى تعترى أطفالنا حين تغيب جداتهم فى أى بيت. نظرة التبجيل التى يرمقونها بهن كلما قاموا من أماكنهن، ولابد من ذكر أنهن لا يقمن غالبا إلا لكى يحضرن لهم شيئا مما يحبون: حلويات، «جبس»، فاكهة محببة لشهيتهم، هدايا، شوكوليت وغيرها. السعادة التى ينعموا بها كلما ارتموا فى أحضانهن. الدلال الذى يسقنه عليهم حين يوبخهم أحد. فرحتهم بحنانهن حين يلعبون بشعورهم أو يمررن أكفهن على رءوسهم حين يمرضون ويرتمون فى أحضانهن. والقائمة تطول لتلك المشاعر التى ربما لا تتضح إلا فى حضورهن. هذه المشاعر التى تبعث على الامتنان؛ امتناننا نحن أمهاتهم وآباؤهم لهذه الأم العظيمة التى لولاها لما كان أيٌّ منا على هذه الأرض.

مشاعر تجعلنا نحمد الله على وجود هذه الخبرة فى الحياة معنا، وهذا القلب الذى لا «ينحنى إلا ليحنو» إن جاز لى استخدام تعبير الشاعر قاسم حداد البليغ. وحتّى ونحن نبدى تململنا أحيانا من طريقة تدليلهن لكل طفل فى العائلة، حتى باتوا جميعهم يعرفون أن ما هو ممنوع فى المنزل سيكون مسموحا وأكثر فى بيت الجدة التى تطالب دائما بأن نكون رحماء بهم، وألا نقسو عليهم لأنها تعتقد بأن التربية لابد أن تكون حانية، حتى وإن كانت توبخنا حين نخطئ عندما كنا صغارا، لكنها اليوم لا تريد لأى من أحفادها أن يُوبّخ أو يُصاب بأذى نفسى أو يُمنع من شيء يحبه.

الجدة التى ما إن ننظر إلى تجاعيد كفيها أو تلك الخطوط المرسومة حول عينيها، حتى نتذكر الحكمة والتفانى والنضال والتعب الذى عاشه جيل كامل؛ ليؤمّن لقمة العيش أو يرسم طريقا لتغيير بلادنا نحو الأفضل. فكم من معلمة، وطبيبة وممرضة وعاملة، وربة بيت وإدارية ومناضلة سياسية وحقوقية... والقائمة تطول بين كل تلك الجدات؟ بعضهن توقفن عن العطاء فى مواقع أعمالهن ووظائفهن، لكنهن يكملن مسيرتهن كأمهات وجدات لا يتكررن، وبعضهن مازلن يقدّمن خبراتهن فى مجالاتهن المختلفة.

سألتُ طفلى مع اقتراب عيد الأم: ماذا تعنى لك جدتك؟ فأجاب: كل شيء! هى الأم الثانية، الصديقة، التى تمتلك طيبة خيالية، وأنا لا أعرف كيف يمكن لى أن أرد لها جمائلها وكيف لى أن أشكرها على كل ما تفعله من أجلنا، ليت جدتَيَّ توافقان على العيش معنا فى منزلنا!

وبالفعل، أكثر ما يميّز الجدات هو الطيبة. تلك الصفة التى تشترك بها جميع الجدّات تقريبا، حتى نظن أنها عُجِنَت بطينتهن. وذلك الحنان الاستثنائى، والرغبة فى تفادى كل خطأ وقعن فيه حين كن أمهات، كى لا تقع فيه بناتهن أو يقترفه أبناؤهن فى طريقة تعاملهم مع أبنائهم.

الجدة، ذاك النهر المتدفق من الخبرات الحياتية، والموسوعات اللامتناهية من القصص والحكايات التى تسردها وقت الملل، أو الضيق أو الرغبة فى تغيير وقت الصمت حين يكون الجميع مشغولا بهاتفه المتنقل، أو تلك التى تُقال حين تريد توجيه رسالة ما من غير أن تصدم متلقيها أو تحرجه.

لكل جدّة على هذه الأرض: أنت نعمة عظيمة فشكرًا لك!

الوسط ــ البحرين
سوسن دهنيم

التعليقات