ما زال اليابانيون ينتحرون - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما زال اليابانيون ينتحرون

نشر فى : الأربعاء 28 مارس 2018 - 9:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 مارس 2018 - 9:45 م

حتى وإن كان الفساد قد أصبح فى بعض المجتمعات «إرادة شعب» و«أسلوب حياة»، حتى وإن كانت التقارير الدولية تؤكد تزايد معدلات الفساد فى العالم وارتفاع قيمة فاتورته التى تدفعها شعوبه، يظل «كوكب اليابان» وحده الذى يعتبر الفساد عارا لا يمحوه إلا دم الفاسد الذى لا يجد أمامه مفرا من الانتحار إذا ما تم اكتشاف فساده.

فقبل أيام قليلة تفجرت فى اليابان فضيحة قد لا تستوجب فى البلدان التى تتعايش مع الفساد مجرد اعتذار من الفاسد، حيث تم الكشف عن بيع قطعة أرض مملوكة للدولة بأقل من قيمتها إلى مدرسة قومية متطرفة تتولى السيدة «آكى آبى» زوجة رئيس الوزراء «شينزو آبى» رئاستها الفخرية.

وفور الكشف عن هذه الفضيحة قال آبى إنه سيترك منصبه كرئيس للوزراء وكعضو فى البرلمان إذا ثبت أن لزوجته أى دخل بالصفقة، فى حين تركت «آكى آبى» الرئاسة الفخرية للمدرسة فى أعقاب تفجر القضية.

ولما كان سكان كوكب اليابان يؤمنون بالحكمة القائلة «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم»، فإن المسئول المباشر عن هذه «المخالفة البسيطة» التى تمثلت فى بيع قطعة أرض لصالح بناء مدرسة بأقل من قيمتها السوقية قد انتحر، واستقال نوبوهيسا ساجاوا رئيس هيئة الضرائب الوطنية اليابانية والذى كان مسئولا عن صفقة بيع الأرض، مع ضغوط على وزير المالية من أجل الاستقالة حتى قبل أن تكتمل التحقيقات.

ومما زاد تعقيد هذه الأزمة ما قيل عن التلاعب فى مستندات الصفقة لإخفاء اسم زوجة رئيس الوزراء، بعد الكشف عن الفضيحة، وهو ما يسعى رئيس الوزراء وكبار معاونيه إلى نفيه تماما.

وفى تعليق لموقع «ذا أتلانتك» الأمريكى على انتحار وزير مالية اليابان الراحل تاداهيرو ماتسوشيتا بسبب تورطه فى فضيحة جنسية عام 2012 قال الموقع إن «الوزير ليس أول مسئول يابانى ينتحر ولن يكون الأخير» فى ظل الضغوط الأخلاقية والاجتماعية التى يواجهها أى مسئول يابانى ينكشف تورطه فى فضائح فساد.

دلالة انتحار اليابانى إذا ما انكشف تورطه فى جريمة فساد هى أن العقاب المجتمعى والأخلاقى لليابانى الفاسد يفوق كثيرا العقاب القانونى وهو ما يجعل الانتحار هو الخيار الوحيد للهرب من عقاب المجتمع ولإنقاذ عائلة الفاسد من عبء فساده.

معنى هذا أن الحرب الحقيقية على الفساد تستوجب ضمن إجراءات عديدة محاولة غرس قيمة رفض الفساد والمفسدين بين أفراد المجتمع وإعلاء قيم النزاهة والشفافية، فى مواجهة قيم الوساطة والمحسوبية وتقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة.

وإذا كان الشعب اليابانى لا يقبل بأقل من انتحار الفاسد، فهناك شعوب أخرى أقصى أمانيها إقالة المسئول المشتبه فى فساده وليس عقابه. وهذه الحقيقة هى التى تؤدى إلى انتشار الفساد فى هذه المجتمعات وتجذره، لأنه يتحول إلى سلوك مقبول، بل وربما مرغوب، بعد أن اعتبرت هذه المجتمعات الفساد شكلا من أشكال الذكاء والمهارة والقدرة على «تمشية الحال».

التعليقات