فستان «حبيبة» - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فستان «حبيبة»

نشر فى : الإثنين 28 يونيو 2021 - 7:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 يونيو 2021 - 3:44 م
منتصف ثمانينيات القرن العشرين، كنا ندخل، كطلاب فى جامعة القاهرة، فى مناقشات حامية تخص ما يدور على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف بلورة وجهة نظر فيما يجرى حولنا من أحداث، بدعم من أساتذة كبار كانوا لنا قدوة فى العمل العام، وإن اختلفت الآراء والتوجهات، أمثال (مع حفظ الألقاب) على الدين هلال، وأحمد يوسف أحمد، وخيرى عيسى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وعواطف عبدالرحمن، وسامى عزيز فى كلية الإعلام، التى كنت أنتمى إليها، حيث كانت المدرجات ساحة للجدل فى العديد من القضايا التى تهم المصريين.
وأتذكر أننى، وعدد من الزملاء، دخلنا فى نقاش حامى الوطيس مع عدد ممن كانوا يحسبون أنفسهم على ما أطلقوا عليه وقتها «الصحوة الإسلامية»، كان ذلك النقاش يتمحور حول ظاهرة كانت آخذة فى الانتشار وهى تحجب عدد كبير من الزميلات، بتشجيع من قلة محدودة عملن على استقطابهن من السنة الأولى فى الكلية، فإذا بنا فى سنة التخرج وقد امتلأت المدرجات وقاعات البحث برءوس محجبة بعد أن كان غالبية صاحباتها حاسرات.
يومها لم نكن ضد الحرية الشخصية فى أن تتحجب هذه، أو أن تظل تلك سافرة، لكن جل ما كان يشغلنا أن يتحول حجاب الرأس إلى حجاب للعقل، وعندما كنا نبدى تخوفنا من أن الظاهرة ستقودنا إلى تحجر وجمود المجتمع، وسلب حقوق النساء فى اختيار أزيائهن بالترغيب تارة والترهيب فى غالبية الأوقات، كان بعض أصحاب اللحى والذقون المصبوغة بالحناء، يجادلون بأن الحجاب والجلباب رمزان فقط للعودة إلى عصور الإسلام الزاهرة(!!)، وأن الحجاب أبدا لن يمس العقول التى «ستربى الأبناء وتعد أجيالا صالحة لخدمة الإسلام».
اليوم وبعد مرور أكثر من 35 عاما على تلك المناقشات التى كانت تدور داخل واحدة من أعرق الجامعات فى الوطن العربى، ها نحن نحصد نتاج تحجيب العقول التى لم تعد تتقبل فكرة أن هناك بشرا آخرين على هذا الكوكب مختلفين فى تفكيرهم ورؤيتهم للحياة عما يدور فى جماجم اختارت الانغلاق والهروب من مواجهة الواقع بالركون إلى ماض تليد لم يعد موجودا، ولن يعود أبدا بتحدى التطور الحضارى والتخلف عن الركب الإنسانى.
التباين بين رؤيتين هو ما يظهر من وقت إلى آخر فى شكل معركة على ماذا ترتدى الفتيات أو السيدات، فستانا كان أم حجابا؟ كما هى المعركة التى احتدمت قبل أيام داخل كلية الآدب جامعة طنطا على «فستان» الطالبة حبيبة طارق، فقد هال بعض ممن تحجبت عقولهن أن تأتى الفتاة الصغيرة إلى لجنة الامتحان بفستان، ولو كان محتشما، لتتعرض من المراقبات لحفلة من التنمر، كانت الشابة من الشجاعة لفضح مرتكبيها، قبل أن يحيل رئيس الجامعة الواقعة إلى النيابة العامة للتحقيق فيها.
الخلاف قد يبدو على شكل قطعة قماش، لكنه فى الحقيقة صراع بين تيار يريد أن يجر مصر إلى عصور البداوة والانغلاق، وآخر يطمح فى دفعها إلى الأمام للالتحاق بثورات علمية وتكنولوجية لا مكان فيها لمعتلى ظهور النوق وحُداة الإبل فى الصحراء.
المعركة الآن بين تيار يود أن تترك قيادته لمحمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحوينى، وأمثالهم من شيوخ التغييب، وآخر يجب أن يقوده علماء ومفكرون يجيدون لغة العصر، ويمتلكون مفاتيح الولوج إلى عالم الفضاء والنقر على أزرار العالم السحرى للإلكترونيات.
الصراع فى جوهره صراع على هوية بلد يريد له البعض أن يترك تحت رحمة سموم الصحراء، فى مقابل مجتمع يتشبث بجذوره فى واد ساهم فى صنع الحضارة الإنسانية... المعركة باختصار ليست على فستان حبيبة.
التعليقات