صراع مستمر على الساحة العراقية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صراع مستمر على الساحة العراقية

نشر فى : الثلاثاء 28 يونيو 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 يونيو 2022 - 8:00 م

لم تحقق نتائج الانتخابات العراقية التى أجريت فى 10 أكتوبر 2021 ما كان مأمولا وهو إحداث انفراجة فى الأفق السياسى العراقى الذى يعانى من حالة انسداد سياسى شبه مزمنة. ولم يتمكن التيار الصدرى بزعامة مقتدى الصدر من تحقيق مطلبه بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، استنادا إلى أن التيار الصدرى لديه أكبر كتلة برلمانية (73 مقعدا) بائتلاف مع «كتلة إنقاذ وطن» السنية والكردية.
ومن أهم المعوقات التى واجهها التيار الصدرى فى مسعاه لتشكيل حكومة أغلبية وطنية تمسك خصومه من الشيعة الممثلين فى الإطار التنسيقى بزعامة منافسه اللدود نورى المالكى، الذى يصر على تشكيل حكومة ائتلافية من كل الكتل والأحزاب السياسية كما حدث فى الحكومات السابقة، ومن ثم فقد مثلوا الثلث المعطل أمام مساعى الصدر. كما أن تكتل إنقاذ وطن السنى والكردى المتحالف مع التيار الصدرى لم يكن متحمسا لاستبعاد الإطار التنسيقى من الحكومة الجديدة، كما يرى أن رفع الصدر شعار أن الحكومة ستكون لا شرقية ولا غربية فيه استفزاز لكل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن علاقة الصدر بإيران متوترة، وسيئة مع واشنطن، وكلاهما له دور مؤثر فى الشأن العراقى.
وإزاء حالة الانسداد السياسى وعدم القدرة على تشكيل الحكومة الجديدة بعد نحو ثمانية أشهر من إجراء الانتخابات، فاجأ مقتدى الصدر حلفاءه وخصومه معا بسحب مرشحه لرئاسة الحكومة وهو ابن عمه جعفر الصدر، وتقديم جميع نواب الكتلة الصدرية استقالتهم من البرلمان وعددهم 73 نائبا. وقد قبل رئيس البرلمان محمد الحلبوسى، وهو حليف الصدر، هذه الاستقالات الجماعية وقال إنه وقع عليها على مضض بناء على رغبة الصدر وإصراره، وهو ما يعبر عن عدم رضا الحلبوسى عن هذه الخطوة التى تخل بكل التوازنات داخل البرلمان.
•••
يرى عدد من الخبراء السياسيين العراقيين أن انسحاب التيار الصدرى من البرلمان يرجع إلى تفضيله عدم البقاء معارضا برلمانيا حتى لا يكون، من وجهة نظره، جزءا من الانسداد السياسى، وإعطاء فرصة للآخرين لتشكيل حكومة جديدة وعدم اتهامه بأنه العامل المعطل أمام تشكيلها وأنه يعطل القرارات التى تخدم مصالح المواطنين. ويرون أن انسحاب التيار الصدرى يفتح المجال أمام الإطار التنسيقى المكون من دولة القانون بزعامة نورى المالكى، وتكتل الفتح بزعامة هادى العامرى، وتكتل عصائب الحق بزعامة قيس الخزعلى، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وحزب النصر بزعامة حيدر العبادى، وحزب عطاء، بزعامة فالح الفياض، لتشكيل الحكومة الجديدة بالائتلاف مع كتلة السيادة السنية بزعامة محمد الحلبوسى، والحزب الديمقراطى الكردستانى بزعامة مسعود بارزانى.
ووفقا لنظام الانتخابات العراقى، فإنه يتم تصعيد بدلاء للنواب الصدريين المستقيلين من المرشحين فى دوائرهم الحاصلين على أعلى الأصوات. وقد انتهز الإطار التنسيقى هذه الفرصة وطلب استدعاء البرلمان من إجازته التى تنتهى فى 10 يوليو 2022 بدعوى مناقشة تكرار الاعتداءات التركية على العراق، حيث إنه لو طلب عقد جلسة طارئة لأداء بدلاء أعضاء التيار الصدرى اليمين القانونية لووجه بأنه يمكن الانتظار إلى أن تنتهى إجازة البرلمان. ولكن الإطار التنسيقى أراد الإسراع بذلك قبل أن يتراجع الصدر عن قرار سحب كتلته. وقد عقدت جلسة طارئة للبرلمان يوم 23 يونيو 2022 وأدى البدلاء اليمين القانونية وكان من نصيب الإطار التنسيقى 64 عضوا مما زاد كتلته البرلمانية إلى 120 عضوا لتصبح أكبر كتلة برلمانية ومن حقها تشكيل الحكومة الجديدة. والملفت للنظر أن البرلمان لم يناقش الاعتداءات التركية على العراق واكتفى بأداء البدلاء اليمين وتعديل فى لائحة البرلمان بتغيير اسم الهيئة الرئاسية للبرلمان إلى رئيس ونائبى رئيس للبرلمان.
ويوجد فى الإطار التنسيقى عدة اتجاهات، إحداها يدفع بقوة نحو سرعة تشكيل الحكومة الجديدة طالما أن مقتدى الصدر قد رفض كل المبادرات التى عرضت عليه. واتجاه يرى ضرورة التأنى فى حساب الخطوات القادمة حرصا على عدم استفزاز الصدر الذى يحظى بشعبية وقوة سياسية فى الشارع لا بد أن تؤخذ فى الاعتبار، والاستمرار فى التفاوض مع جناحى تكتل إنقاذ وطن ــ السنى والكردى، وأخذهما فى الحسبان حيث إنه لم ينته بفك التيار الصدرى تحالفه معه. كما يطالب تيار من الإطار التنسيقى بترشيح شخصية لمنصب رئيس الوزراء (من الشيعة حسب نظام المحاصصة) لا يعترض عليها مقتدى الصدر حتى لا تبدأ الحكومة الجديدة بصدامات مع التيار الصدرى، قد تؤدى إلى إفشالها بإثارة الشارع السياسى ضدها. وأهم الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة من الإطار التنسيقى نورى المالكى وهو من ألد أعداء مقتدى الصدر، وحيدر العبادى، وكلاهما سبق أن رأس الحكومة، وهادى العامرى، إلى جانب مرشحين آخرين أقل وزنا.
وقد تسربت أنباء بأن من بين أسباب انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان تعرض زعيمها مقتدى الصدر لضغوط إيرانية قوية، ولكنه نفى ذلك وقال إن إيران لم تتدخل هذه المرة، وإن كان لها أذناب فى العراق يقومون بالتحريض والإفساد. وإزاء ما يتردد عن أنه سيكون ضمن الحكومة الجديدة وزراء من التيار الصدرى أو من مؤيديه من الشيعة، فقد حذر الصدر خصومه من الشيعة (الإطار التنسيقى) من أن يضم إلى الحكومة الجديدة وزراء محسوبين على التيار الصدرى أو منه، ويدعون أن ذلك قد تم بالاتفاق معه، لأن هذا غير صحيح، وأن التيار الصدرى لم ولن يشترك معهم لا فى البرلمان ولا فى الحكومة ولا غيرهما مطلقا، لأنه تيار «أهل إصلاح لا أهل شقاق ونفاق» على حد قوله، ونوه إلى أن هدفهم من هذه الادعاءات محاولة إسكات التيار الصدرى والتأثير على مؤيديه فى الشارع السياسى.
• • •
من جانب آخر، فإن الأكراد ليسوا فى وضع أفضل من الشيعة، فلم يتفقوا بعد على اختيار مرشح واحد للحزبين الرئيسيين حزب الاتحاد الكردستانى، والحزب الديمقراطى الكردستانى بزعامة مسعود بارزانى وله 31 مقعدا فى البرلمان بينما حزب الاتحاد له 16 مقعدا وينتمى إليه رئيس الجمهورية الحالى برهم صالح ويعمل على التجديد له، بينما يسعى الحزب الديمقراطى لأن يكون المنصب من نصيبه هذه المرة رغم أن المحكمة الاتحادية العليا رفضت مرشحه هوشيار زيبارى وزير الخارجية الأسبق بتهم فساد. وقد ينتهى الأمر بأن يقدم كل حزب مرشحه كما حدث عام 2018 ويختار البرلمان واحدا منهما.
كما أن العلاقات بين حكومة كردستان العراق الإقليمية والحكومة المركزية فى بغداد متوترة للغاية، وظهر هذا التوتر فى تصريحات مسعود بارزانى فى 18 يونيو 2022 والتى قال فيها إن الأزمة السياسية بين أربيل وبغداد عميقة، ودعا إلى أن يكون الدستور هو الحكم بين الطرفين، وعدم التعدى على صلاحيات الإقليم.
هذا وقد سبق هذه التصريحات قرار من المحكمة الاتحادية العليا بعدم أحقية حكومة الإقليم فى بيع البترول خارج نطاق الحكومة الاتحادية. وقد تحدت حكومة الإقليم هذا الحكم فى 16/6/2022 بإنشاء شركتين للبترول للاستخراج والتسويق وهو ما يمثل استفزازا للحكومة الاتحادية التى بعثت وفدا منها إلى أربيل فى محاولة لاحتواء الموقف. وقد أعلن وزير المالية العراقى أنه لن يتم إجراء تحويلات مالية لحكومة الإقليم ما لم تسلم عائدات البترول إلى الحكومة الاتحادية، لأن الإقليم قام بتصدير البترول بالمخالفة للقانون وحكم المحكمة الاتحادية العليا.
• • •
هكذا تبدو الصورة بالغة التعقيد على الساحة العراقية ما بين انقسامات داخل البيت الشيعى خاصة بين التيار الصدرى والإطار التنسيقى رغم أنهما المخولان بتشكيل الحكومة الجديدة، وإن تحول التيار الصدرى من المشاركة فى تشكيل الحكومة إلى الانسحاب من البرلمان، وأن يكون قوة معارضة شعبية معتمدا على قدراته التنظيمية، يعد مؤشرا على مرحلة أخرى من عدم الاستقرار. وانقسام آخر بين الأكراد بعضهم البعض من ناحية وبينهم والحكومة الاتحادية من ناحية أخرى. وانقسام مستتر داخل تكتل السيادة السنى. فهل ستؤدى كل هذه الانقسامات إلى إطالة أمد مفاوضات تشكيل حكومة جديدة، وبقاء حكومة تصريف الأعمال فترة أطول مع عدم تفويضها فى البت فى العديد من الموضوعات الرئيسية وتأثير ذلك على عملية إعادة الإعمار ومواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والعمل على جذب الاستثمارات. وهل يتوقع أن تكون القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكى بايدن فى السعودية فى 16 يوليو 2022 مع دول مجلس التعاون الخليجى ومصر والأردن والعراق، دافعا للإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة فى هذا الوقت القصير حتى لا يمثل العراق فى هذه القمة رئيس حكومة تصريف أعمال أو رئيس جمهورية منتهية ولايته.
الحقيقة أن الأوضاع فى العراق ازدادت تعقيدا وتفتح أبوابا كثيرة للعديد من الاحتمالات بما فيها احتمال اللجوء إلى انتخابات جديدة تلوح على استحياء فى الأفق، لأنها قد لا تغير كثيرا من الأوضاع الحالية طالما بقيت الانقسامات والصراعات سيدة الموقف.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات