أحمد بهاء الدين.. «كاتب له تاريخ» - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحمد بهاء الدين.. «كاتب له تاريخ»

نشر فى : الأحد 28 أغسطس 2022 - 7:30 م | آخر تحديث : الأحد 28 أغسطس 2022 - 7:30 م

عندما سُئل الكاتب الصحفى الكبير أحمد بهاء الدين «من أنت؟.. أين تضع نفسك؟.. هل أنت ناصرى.. أم يسارى أم ليبرالى؟»، فأجاب: «أنا اشتراكى ديمقراطى ليبرالى، لم أكن يوما ماركسيا، وطوال حياتى لم أنضم إلى أى تنظيم، ربما هذا عيب.. لكننى أعترف أننى تعودت أن أكون فرديا فى تفكيرى وتكوين قناعاتى».
طوال سنوات عمره التى ناهزت الـ69، سعى بهاء الدين الذى مرت ذكرى رحيله
الـ26 يوم الأربعاء الماضى أن يكون مستقلا، دافع دائما عما يعتقد أنه صحيح، ناضل وهو فى زهرة شبابه ضد استبداد الاحتلال والسرايا، وكان أحد مصابى انتفاضة الطلبة التى اندلعت عام 1946 للمطالبة بوقف المفاوضات مع المحتل البريطانى.
وعندما أنهى «الضباط الأحرار» حكم أسرة محمد على، دعم بهاء الدين «الجمهورية» التى طالما بشر بها، لكن هذا الدعم لم يدفعه إلى التماهى مع قادتها كما فعل غيره، فحرص على أن يكون بينه وبين ضباط الجيش الشباب مسافة، ونأى بنفسه عن المشاركة فى الحملات التى تؤيد «السلطة الفردية المطلقة وتبنى أسطورة عبادة الفرد»، وكتب سلسلة من المقالات بعد الثورة تدافع عن حزب الوفد باعتباره وعاءً للحركة الشعبية بمختلف تنوعاتها.
وفى الوقت الذى دعا فيه البعض إلى «إعدام الماضى» نفاقا للعصر الجديد، أصدر بهاء الدين كتابه الشهير «أيام لها تاريخ»، ليذكّر الناس بأن «مصر لم تولد فى يوليو 1952، لكن لها تاريخ عريق فى طلب شيئين أساسيين العدل والحرية»، وسرد فى فصول كتابه مسيرة قادة التحرر الذين ناضلوا من أجل استقلال البلاد مثل عبدالله النديم وسعد زغلول وعلى عبدالرازق وغيرهم.
يقول بهاء الدين: «جيلى كان مؤمنًا بقضايا حرية مصر وحق شعبها فى العدالة الاجتماعية وكان خصما للاستعمار ولسلطة القصر غير الدستورية، نادى هذا الجيل بالكثير مما جاءت به ثورة يوليو بعد ذلك».
وبحسب ما نقله عنه زميلنا الكاتب الصحفى رشاد كامل فى كتاب «مقالات لها تاريخ»، فقد كان بهاء الدين مؤيدا منذ البداية لثورة يوليو من باب كسر القديم، «أيدتها تأييدا أعمق حين تغلبت على شكوكها فعلا ربما منذ 55ــ1956.. بوجه عام أيدتها عن اقتناع لا عن مجاراة».
عندما اشتدت الرقابة على حرية الرأى وحاصرت السلطة الجديدة الصحافة، ذهب بهاء الدين إلى الكتابة فى التاريخ والسياسة الدولية وفى بعض الأوقات الفن، «لكننى فى كل ظروف الثورة أعتز بأننى لم أكتب غير ما أعتقد، مخطئا كنت أم مصيبا».
وعن كيفية حفاظ الكاتب على استقلاله فى ظل الرقابة على الصحف قال «فى بلادنا يستطيع الكاتب أن يكتب فى أى موضوع آخر، مثلا كتاب (أيام لها تاريخ) كتبته فى مرحلة كانت الرقابة فيها بالغة الشدة، كان ذلك فى عام 1954 أثناء أزمة مارس، وكنت أريد أن أقول إنه لابد للبلد من دستور ومن حد أدنى من الديمقراطية رغم موافقتنا على الاتجاهات الاجتماعية الأساسية للثورة، فلجأت للتاريخ، وكانت فصوله تتحدث عن حرية الرأى وضرورة الدستور من خلال قصص ومواقف من تاريخ مصر الحديث».
لم يمنعه تأييده للثورة وزعيمها من الدخول فى مواجهة مع الرئيس جمال عبدالناصر نفسه، ففى مطلع عام 1968 عقد مجلس نقابة الصحفيين اجتماعا طارئا لمناقشة مظاهرات الطلبة التى خرجت للاحتجاج على أحكام قادة سلاح الطيران، عقب هزيمة يونيو 1976.
ووفقا لما نقله صديقنا الصحفى محمد توفيق فى كتابه «الملك والكتابة.. قصة الصحافة والسلطة»، اتفق مجلس النقابة فى الاجتماع على إصدار بيان ورفعه إلى المسئولين، يساند مظاهرات الطلبة والعمال باعتبارها «تعبيرًا عن إرادة شعبية عامة تطالب بالتغيير على ضوء الحقائق التى كشفت عنها النكسة»، ويطالب بـ«حساب كل المسئولين، وتوسيع قاعدة الديمقراطية، والإسراع فى إصدار القوانين المنظِّمة للحريات العامة».
وعلى الرغم من الضغوط التى تعرض لها نقيب الصحفيين آنذاك أحمد بهاء الدين ومجلسه فإن البيان وصل صباح اليوم التالى إلى عبدالناصر، وهو ما اعتبره الرئيس «طعنة موجَّهة إليه من نقابة الصحفيين»، وعندما حاول البعض تحريضه على اعتقال النقيب قال عبدالناصر: «لأ.. ده أحمد بهاء الدين وأنا عارفه مخه كده».
على الرغم من علاقته الجيدة بالرئيس الراحل أنور السادات فإن الأخير شمله بقرارات الفصل التى أصدرها ضد عدد من الصحفيين على خلفية توقيعهم على بيان ينتقد التلكؤ فى قرار الحرب.
صدر قرار بنقل بهاء الدين الذى كان حينها رئيسا لاتحاد الصحفيين العرب إلى الهيئة العامة للاستعلامات، ثم تراجع السادات عن قراره قبل اندلاع حرب أكتوبر بأيام وأعلن عودة الصحفيين المفصولين إلى مؤسساتهم خلال كلمة بمناسبة ذكرى وفاة عبدالناصر.
رحم الله كاتبنا الكبير الذى عاش حياته داعيا للحرية ساعيا للاستقلال لم يبتغ سوى وجه الوطن.

التعليقات