على مدار الشهور الثلاثة الماضية استخدم عدد من نواب البرلمان أدواتهم الرقابية فى مواجهة الحكومة التى عجزت عن «حل أزمة نقص بعض أصناف الدواء وارتفاع أسعار معظم الأصناف بشكل يفوق قدرة المرضى»، وحتى تاريخه لم ترد الحكومة على طلبات وأسئلة السادة النواب، وكأنها غير معنية بالأمر أو كأن الأزمة تخص بلدا آخر وتسببت فيها حكومة غير حكومتنا الرشيدة.
قبل يومين، توجهت إلى صيدلية لشراء بعض الأصناف التى أستخدمها بشكل دورى لأكتشف أن أسعارها ارتفعت بنحو 50 % من السعر المعتاد، وعندما سألت الصيدلى؛ فأكد لى أنه خلال الشهور الثلاثة الماضية زادت الأسعار مرتين بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 50% فى كل مرة.
عدت إلى صديق يعمل فى إحدى شركات الأدوية الكبرى، فأكد أن الزيادة التى طرأت على أسعار معظم الأصناف تعود إلى أننا نستورد معظم المادة الخام من الخارج، وعليه فشركات إنتاج الدواء معذورة لأنها تستورد الخام بسعر يزيد عن سعر الدولار الرسمى نحو 30%، وهذا إن تمكنت من توفير الدولار.
من المفترض أن هناك تسعيرة جبرية للدواء تحددها هيئة الدواء المصرية التى كانت حتى وقت قريب تعلن عن الزيادات قبل تطبيقها، الآن الأسعار تتحرك كل يوم دون إعلان مسبق من تلك الهيئة التى يفترض ألا تعبر عن مصالح أصحاب شركات الأدوية الذين يحققون أرباحًا بالمليارات على حساب المواطنين.
منذ أن عرفت مصر التسعير الجبرى للدواء لم تشهد الأسعار تحريكا بتلك المعدلات لجميع الأصناف التى تضاعفت أسعار بعضها 4 و 5 مرات منذ أول تحرير لسعر العملة فى مطلع عام 2017، ما زاد الطين بلة اختفاء العديد من الأصناف المستوردة وهو ما فتح بابا أمام السوق السوداء التى يتحدد فيها السعر حسب الندرة وهو ما أدى إلى قفز أسعار بعض الأصناف إلى 10 أضعاف.
لا أعلم كيف للمواطن المصرى الذى يعانى من مرض مزمن ومجبر على شراء أدوية بشكل دورى أن يوفر قيمة علاجه فى ظل هذا الارتفاع الجنونى فى الأسعار. يعانى هذا المواطن من الأساس من زيادة أسعار معظم الخدمات والسلع الأساسية ما يفوق قدرته على التحمل والتكيف مع الأوضاع الجديدة.
الاستغناء عن بعض الضرورات صار هو الحديث المسيطر داخل كل منزل مصرى، فالمواطنون بعدما استغنوا عن كل ما يدخل تحت بند «الترفيه» بدأوا فى استبعاد بعض البنود الأساسية من ميزانية بيوتهم الشهرية، وهو أمر مؤلم على كل رب أسرة يواجه طلبات أبنائه بكلمة «ربنا يسهل».
وفق آخر بيان للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء سجلت معدلات التضخم مستويات قياسية، إذ ارتفع المعدل إلى 38.2% على أساس سنوى فى يونيو الماضى، وسط توقعات بارتفاعه مجددا خلال الأشهر المقبلة من العام الحالى ومطلع العام المقبل.
وبحسب البيان الصادر مطلع الشهر الجارى ارتفعت مجموعة الطعام والمشروبات بنسبة 68.2، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار الحبوب والخبز بنسبة 55.7%، واللحوم والدواجن بنسبة 93.4%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 83.4%، والألبان والجبن والبيض بنسبة 64.7%، والزيوت والدهون بنسبة 30.6%، والفاكهة بنسبة 42.8%، وارتفاع أسعار الخضراوات بنسبة 82.3%، والسكر والأغذية السكرية بنسبة 38.4%، والبن والشاى بنسبة 76.3%، فيما ارتفعت أسعار الدخان بنسبة 51%.
القراءة الدقيقة للنسب السابقة تشير إلى أن تكلفة المعيشة زادت على المواطنين بمعدل يزيد عن 60% خلال العام الأخير فى حين تراوحت الزيادة التى تم إقرارها على مرتبات العاملين بالدولة والمعاشات ما بين 15ــ20%، وهو فرق هائل بين الزيادة فى أسعار الخدمات والسلع الأساسية والأجور.
قبل عامين احتفت منصاتنا الإعلامية بتراجع معدلات الفقر إلى 29.7% خلال العام المالى 2019ــ2020 مقارنة بـ32.5% فى عام 2017 ــ 2018، بنسبة انخفاض قدرها 2.8%، «ما يعكس نجاح جهود الدولة، لتحقيق العدالة الاجتماعية بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية التى نفذتها الدولة وركزت فيها على البعد الاجتماعى للتنمية»، بحسب ما جاء فى إعلان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى أكتوبر 2021.
دون الدخول فى حسابات معقدة لحساب نسبة الفقر مقارنة بمعدلات التضخم فى ذلك الوقت ومعدلات التضخم الأخيرة نستطيع أن نقول بضمير مستريح إن ما يقرب من نصف المصريين قد اقتربوا من خط الفقر إن لم يكن قد هبطوا تحته.
الأحوال المعيشية للناس تتراجع بشكل مطرد، والفقر والحاجة والعوز تحاصرهم من كل جانب، وللأسف كل ما يطرح من حلول لا يمكن إقناع الناس به، إذ سمعوا خلال السنوات الماضية ما يكفيهم من أحاديث وتصريحات تُبشر بوضع حد للأزمة الاقتصادية وهو ما أفقدهم الثقة فى معظم ما يقال.