اللاجئون والعالم ومصر - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللاجئون والعالم ومصر

نشر فى : السبت 28 ديسمبر 2019 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 28 ديسمبر 2019 - 8:55 م

انعقد يومى 17 و18 ديسمبر الجارى بمدينة جنيف بسويسرا المنتدى العالمى للاجئين، فى دورته الأولى. هذا الانعقاد فرصة لاستعراض بعض الخطوط العريضة لمسألة اللاجئين فى العالم، وهى مسألة لصيقة بالنظام الدولى وبطريقة عمله، قبل أن نتناول موقف مصر منها وسياستها تجاه اللاجئين إليها.
اللاجئ هو «كل شخص يوجد، ...، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد». هذا هو تعريف اللاجئ الوارد فى الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951. التعريف كان يشترط أن يكون الشخص المذكور خارج بلده نتيجة أحداث وقعت فى أوروبا قبل الأول من يناير1951، أو بعبارة أخرى نتيجة أحداث مرتبطة بالحرب العالمية الثانية، غير أن هذين الشرطين الزمنى والمكانى سقطا باعتماد بروتوكول إضافى للاتفاقية فى سنة 1967. يذكر أن مصر كانت البلد غير «الغربى» الوحيد الذى شارك فى المفاوضات المؤدية إلى اعتماد اتفاقية سنة 1951، وهى وقعت فى سنة 1954 مذكرة تفاهم مع مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين بشأن تطبيق الاتفاقية فى مصر، وإن لم تصدق عليها إلا بعد ذلك بثلاثين عاما فى سنة 1981.
***
المبدأ المركزى والجوهرى فى القانون الدولى للاجئين هو عدم إبعاد أى شخص يصل إلى إقليم أى دولة طلبا للحماية فيها أيا كان الوضع القانونى لدخوله إلى الإقليم، وهو مبدأ لا يحتاج إلى اتفاقية باعتبار أنه من القانون الدولى العرفى، أى إنه متعارف عليه فى العلاقات بين الدول واكتسب طابعه القانونى الملزم من هذا التعارف. ولأن الحماية ليست فقط قبول دولة ما لوجود شخص لا يحمل جنسيتها فى إقليمها، فإن متخصصين كثيرين وجهوا انتقادات عديدة لاتفاقية سنة 1951 على أساس أنها لا توفر حماية كافية للاجئين، وأنها لا تحدد مسئوليات الدول الأطراف فيها من غير دول اللجوء عن تحقيق أهدافها. الاشتراك فى تحمل الأعباء والمسئوليات المترتبة على حماية اللاجئين وعلى إعاشتهم سبيله هو التعاون الدولى. ديباجة اتفاقية سنة 1951 تنص بالفعل على التعاون الدولى وتضيف أنه بدونه «من غير الممكن حلّ مشكلة اللاجئين» التى «اعترفت الأمم المتحدة بدولية أبعادها وطبيعتها»، حيث إن «منح الحق فى الملجأ قد يلقى أعباء باهظة على عاتق بلدان معينة». غير أن الاتفاقية توقفت عند ذلك ولم تدخل تحديدا على التعاون الدولى المطلوب كما لاحظ منتقدوها. يذكر فى هذا الصدد أن التعاون الدولى هو عموما سبيل لتعزيز الأواصر بين أعضاء المجتمع الدولى، وللحفاظ على النظام الدولى والحيلولة دون تفتته إلى مكوناته. بشأن اللاجئين، التعاون الدولى بالنسبة لبلدان اللجوء يتمثل فى إيوائهم للاجئين وفى الحماية وسبل الإعاشة التى توفرها لهم. هذه الدول تقع كلها تقريبا فى قارات العالم النامى من إفريقيا إلى آسيا إلى الأمريكتين الوسطى والجنوبية، وهى كلها بلدان نامية تكافح فى ساحة التنمية من أجل التقدم ورفع مستويات المعيشة فيها. أما بالنسبة لغيرها من البلدان، خاصة البلدان المصنعة المتقدمة، فإن التعاون الدولى يعنى المشاركة فى تحمل أعباء اللاجئين وهو يتخذ إما شكل المعونات المالية والفنية، أو شكل فرص إعادة التوطين، بمعنى نقل اللاجئين من بلدان اللجوء وتوطينهم فى أقاليمها، وإعادة التوطين من أشكال الحلول المستدامة الثلاثة لأوضاع اللاجئين، إلى جانب العودة الطوعية والاندماج فى بلد اللجوء. المعونات المالية والفنية قد تقدم مباشرة إلى الحكومات والمنظمات غير الحكومية الوطنية والأجنبية لتنفيذ أنشطة تخدم اللاجئين وتوفر لهم سبل الإعاشة، وفرص إعادة التوطين جاءت لتنضم إليها فى السنوات الأخيرة قنواتٌ تكميليةٌ للانتقال إلى البلدان المتقدمة للاستمتاع بحمايتها عن طريق جمع شمل العائلات والدراسة والعمل.
***
«الأعباء الباهظة» المذكورة، والشكوى من غيبة التعاون الدولى الكافى، من جانب، وتدفق اللاجئين السوريين خاصةً، ومعهم لاجئون ومهاجرون من جنسيات أخرى إلى القارة الأوروبية فى سنتى 2014 و2015، من جانب آخر، كانت أسبابا للدعوة إلى انعقاد جلسة خاصة رفيعة المستوى أثناء الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سنة 2016 للبحث فى مسألة «تحركات الأعداد الكبيرة من اللاجئين والمهاجرين»، اعتمد رؤساء الدول والحكومات المجتمعون فى نهايتها إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين. الإعلان نصّ على البدء فى التفاوض بهدف اعتماد «ميثاق عالمى بشأن اللاجئين» و«ميثاق عالمى للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة». التفاوض حدث بالفعل واعتمد الميثاق الأول فى الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سنة 2018، وفى ديسمبر من نفس السنة وفى مؤتمر خاص انعقد فى مراكش اُعتمد الميثاق الثانى.
ليس هذا مقام التحليل التفصيلى لأحكام إعلان نيويورك ولا الميثاقين. نكتفى هنا ببعض الملاحظات الموجزة حول كل من الميثاق العالمى بشأن اللاجئين، والمنتدى العالمى للاجئين المنعقد أخيرا قبل أن ننتهى بموقف مصر من مسألة اللاجئين وسياستها إزاءهم.
الميثاق العالمى بشأن اللاجئين صدر كأداة من أدوات القانون الدولى الرخو، أى غير الملزم، وهو لم يعالج الإبهام المتعلق بحجم التعاون الدولى المطلوب وترك تقدير حجم هذا التعاون وأشكاله لكل دولة على حدة. على الرغم من أن الميثاق غير ملزم فإن الدول المتقدمة والدول ذات الفوائض المالية عموما عملت على ألا ترد فيه أى تقديرات، ولو إشارية، لحجم التعاون الدولى المتوقع منها. الميثاق أفاض فى بيان قنوات الحماية التكميلية غير التعاهدية، أى غير المنصوص عليها فى اتفاقية سنة 1951 الملزمة للدول الأطراف فيها، كما أنه بيّن المجالات التى يمكن أن تنفق فيها المعونات المالية والفنية دون التزام بحجم لها. الطابع الرخو غير الملزم للميثاق العالمى يتفق مع الاتجاه لتنظيم قطاعات متعددة فى النظام الدولى مثل تلك الخاصة بالمهاجرين أو بالبيئة أو بأهداف التنمية بشكل طوعى.
***
كان طبيعيا أن يكون المنتدى العالمى للاجئين انعكاسا للميثاق العالمى، فهو انعقد لمتابعة تطبيق ما ورد فيه. خُصص يوم واحد فقط لممثلى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة ألقوا فيها فى الجلسة العامة للمنتدى كلمات موجزة تباهوا فيها بما تفعله دولهم من أجل اللاجئين وتقدم بعضهم بتعهدات بشأن ما ستفعله مستقبلا. بالتوازى مع الجلسة العامة للمنتدى وفى يومه الثانى وفى اليوم السابق عليه انعقدت عشرات وعشرات من الندوات وحلقات البحث دعت إليها الحكومات والمدن ومستويات الحكم المحلى والقطاع الخاص والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية شارك فيها ممثلون لها جميعا وأكاديميون ولاجئون وناشطون عديدون. أُعلن عن تعهدات أيضا فى الندوات وحلقات البحث، وهى وصلت فى مجموعها إلى 770 تعهدا أغلبها فى ستة مجالات محددة هى التعليم، والطاقة والبنية الأساسية، وفرص العمل وسبل الإعاشة، والقدرة على توفير الحماية، وتدابير المشاركة فى تحمل المسئولية عن اللاجئين، والحلول. لم يتطرق المنتدى لاتفاقية سنة1951 الملزمة ولتطبيقها واحترام أحكامها نصا وروحا، ولا لتفريغها من مضمونها كما تفعل بعض الدول عندما تحول دون أن يصل المحتاجون للحماية إلى أقاليمها ليطلبوا اللجوء إليها، وهى بذلك تتلافى إبعاد طالبى اللجوء صراحة، وإن كانت لم تمكنهم من ممارسة حق لهم فيما يعتبر انتهاكا فعليا لأحكام الاتفاقية. يفعل ذلك عدد من الدول المتقدمة الأطراف فى اتفاقية سنة 1951، من أستراليا إلى أوروبا إلى الولايات المتحدة. ولا ناقش المنتدى العدد الهزيل لفرص إعادة التوطين، والمتناقص بحدة فى بعض البلدان، خاصة فى أكبرها وهى الولايات المتحدة.
***
فى المنتدى أشيد بشكل متكرر ببعض البلدان، مثل أوغندا وإثيوبيا، للسياسات التى تنتهجها بشأن اللاجئين. هذه البلدان لم تكتف بذلك بل أعلنت عن تعهدات جديدة. لضيق المساحة ولأسباب تتعلق بالحالة الراهنة لعلاقات مصر بإثيوبيا، نركز على تعهدات إثيوبيا فى الفترة القادمة. إثيوبيا، التى يوجد بها 721,000 لاجئا مسجلا، الأغلبية الساحقة منهم من القرن الإفريقى والسودان وجنوب السودان وكينيا وكذلك اليمن، تعهدت بقبول ثلاثة آلاف طالب لاجئ فى التعليم العالى، وبإدراج اللاجئين فى خطط التنمية، وبتوفير القروض الصغيرة جدا للاجئين، وبإدراج اللاجئين فى خطة التصنيع وتوفير 30,000 فرصة عمل لهم فضلا عن 70,000 فرصة للمجتمع المضيف، وبتوفير التدريب المهنى للاجئين، وبتحديد مستوى للأجر المعين على الحياة يستفيد منه اللاجئون، وبإصدار تصاريح بالعمل لهم، وبتمتعهم بالحق فى الانضمام إلى النقابات حتى يستطيعوا التفاوض مع مشغّليهم.
التدابير التى تتخذها أى دولة بشأن اللاجئين لها جانب إنسانى لا شك فيه، ولكنها فى النهاية تدابير سياسية لأنها تؤثر فى مكانة الدولة المعنية فى النظام الدولى وفى أنظمته الفرعية، وهى فى حالة إثيوبيا ومصر النظام الدولى الفرعى الإفريقى، وفى حالة مصر وحدها فى النظام الفرعى العربى كذلك. الدول هى الفاعلة الأساسية فى أى نظام دولى ولكنها ليست وحدها. الفاعلون غير الحكوميين والدوائر الاقتصادية والأفراد سواء بصفاتهم الشخصية أو بمشاركتهم فى إدارة الشئون العامة بالتعبير عن آرائهم أو بالإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات هم أيضا أعضاء فى أى نظام دولى يؤثرون فيه وفى اختياراته. لذلك فإن موقف أى دولة من اللاجئين الأفراد أو من جماعاتهم، وإن لم ترض عنهم حكوماتهم، هام لموقع الدولة المعنية فى النظام الدولى ذى الصلة، خاصة عندما يكون همّ هذه الدولة هو تعبئة أطراف هذا النظام إلى جانبها، وهى حالة مصر الآن وفى المستقبل من أجل ضمان مكانتها فى إفريقيا، وتعزيز علاقاتها التعاونية فيها، وتأمين وصول مياه النيل إليها. ليس من قبيل الحصافة السياسية أن يُتركَ لإثيوبيا وحدها أن تلعب دور الدولة الخيّرة، الحامية والراعية للاجئين الأفارقة.
سياسة للجوء صريحة وقانون ينظم اللجوء ويكفل للاجئين الحماية وسبل الإعاشة قد يبدوان تكلفة ولكنهما فى الحقيقة موردان يصبّان فى مصلحة مصر ويعززان مكانتها فى كل من النظامين الدوليين الفرعيين الإفريقى والعربى وفى النظام الدولى الأوسع.
فى السياسة كل المجالات متداخلة.
أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات