إبراهيم عبدالمجيد الصامد بالأمل والمحبة - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 14 نوفمبر 2024 4:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إبراهيم عبدالمجيد الصامد بالأمل والمحبة

نشر فى : الثلاثاء 28 ديسمبر 2021 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 ديسمبر 2021 - 7:20 م
عاد الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد إلى مصر بعد رحلة علاجية إلى سويسرا استمرت نحو شهرين أجرى خلالها أكثر من جراحة فى الظهر والركبتين، وعلى الرغم من عودته إلا أنه لا يزال فى مرحلة العلاج من أمراض أخرى ومن مضاعفات الجراحات التى أجراها على نفقته فى الخارج دون أن يكلف الدولة مليما واحدا.
ويستحق الكاتب الكبير طوفان المحبة الذى غمر مواقع التواصل الاجتماعى، حتى أنه لم يستطع الرد على جميع الرسائل والتعليقات التى تستفسر عن حالته وتتمنى له الشفاء.
وابراهيم عبدالمجيد حالة انسانية متفردة فى الأدب المصرى وصاحب رحلة طويلة استمرت لنحو خمسين عاما سجل بعضها فى كتابه الساحر «ما وراء الكتابة» الذى نال عنه جائزة الشيخ زايد للكتاب.
وأجمل ما فى هذه الرحلة أنها كانت رحلة عصامية بالكامل، تجسد نموذجا مثاليا من نماذج أبناء الأسر المصرية البسيطة التى شجعتها ثورة يوليو على الحلم بمستقبل أفضل، والتعامل مع التعليم بوصفه مجالا للتمايز والصعود الاجتماعى.
نظر أبناء هذا الجيل لأنفسهم كورثة حقيقيين لمشروع طه حسين الذى اعتبر التعليم حقا كالماء والهواء.
درس عبدالمجيد الفلسفة فى جامعة الإسكندرية على يد أساتذة كبار من عينة الدكتور أحمد أبوزيد وتعلم منهم القيم التى عاش عليها بقية عمره، لكنه أحب الكتابة الابداعية وغير مساره من الحلم بالدراسات العليا إلى الأدب، وجاء فى وقت كان مبدعو جيل الستينيات يعملون على تغيير ملامح الكتابة الابداعية ويبتكرون مواضعات جديدة للقص تراجع ميراث السرد المحفوظى السائد.
وصل عبدالمجيد إلى القاهرة بعد أن بدأ جيل الستينيات ثورته، لكنه وقف فى مكان آخر، كافح ونجح فى أن يخلق لنفسه مكانا على الأرض بفضل النجاح الذى أوجدته روايته «فى الصيف السابع والستين» وهى على تماس مع سيرة ذاتية مبكرة ترصد أيام عمله بإحدى الشركات البحرية وتحفل بنبرة توثيقية لافتة تظهر تساؤلات جيل كامل هو جيل الغضب الذى كشفت ثورة 68 عن قوة حضوره، مستندة على طموح يسارى فى بلوغ التغيير.
تواصل عطاء عبدالمجيد الابداعى حتى فى السنوات التى سافر فيها إلى السعودية التى عاد منها ليكتب روايته الفاتنة «البلدة الأخرى» التى لاتزال جملتها الافتتاحية من أبلغ ما كتب فى الكشف عن ألم الغربة ومعانى الاغتراب والاشارة إلى الاثمان التى دفعها الجيل الذى حارب فى أكتوبر 1973 ليحقق النصر قبل ان تخذله السياسة.
وبفضل هذه الرواية أصبح عبدالمجيد رقما صعبا فى الرواية المصرية وكسر نفوذ كتاب الستينيات وبدأ مشاغباته معهم بصورة استمرت لعدة سنوات دفاعا عن المنجز الأدبى لكيان آخر انتمى إليه هو جيل السبعينيات الذى امتلك شجاعة التمرد ومراجعة قناعاته السابقة، حيث لا يمكن لقارئ ثلاثيته عن الاسكندرية إلا أن يعتبرها شهادة عن التدهور العام وتراجع مفهوم المدينة ذاته، وبدت الرواية وكأنها تعيد صياغة عبارة كفافيس «وداعا للإسكندرية التى تفقدها الآن»، بل إنه حين كتب «اداجيو» بعد رائعته «الإسكندرية فى غيمة» كان يرغب فى تأكيد معنى الأفول.
فى الحوارات الكثيرة التى أجريتها معه طوال عشرين عاما لم يكف عن «مناكفة» كتاب الستينيات والسخرية من نفوذهم، حتى بعد أن تخطاهم بالجوائز الكثيرة التى نالها وسبقهم إليها ليصبح كاتبا مكرسا أذكر أنه قال لى: «كتاباتى هى المنصة التى يطلقون منها الجوائز المثيرة للجدل» وبالفعل كان أول فائز بجائزة نجيب محفوظ التى تمنحها الجامعة الأمريكية ودفع ثمنا فادحا لهذا الفوز وهو أيضا أول من فاز بجائزة «كتارا» وزايدت على فوزه أقلام قامات نقدية كانت إلى جواره وتعرف انحيازاته جيدا وكلنا نذكر كيف أن نجيب محفوظ العظيم أنصفه فى معركته الأولى وناصر مشروعه الروائى ولم يتوقف أبدا عن مديح «لا أحد ينام فى الإسكندرية» مشيدا بالأجواء التى تغلف صداقة بطليها مجد الدين ودميان.
وضع عبدالمجيد فى كتاباته الكثير من صفاته وتجاربه الشخصية، كما فى «شهد القلعة» وأوجد كذلك هوامش لصداقات كثيرة نعرفها عنه حتى أنها تبدو فى كثير من الاحيان روايات فى «مديح الصداقة» كما فى «بيت الياسمين» أو «عتبات البهجة»، حتى «آداجيو» تحتفل بالصداقة.
ومن حسن حظى أننى عرفته مبكرا وهو إلى جوار أصدقاء حقيقيين مثل يوسف أبورية ومحمد كشيك ومحمود الوردانى وسعيد الكفراوى الذى ساهم غيابه فى تردى حالته الصحية، حيث نظر لنفسه مثل طائر وحيد فى سماء موحشة.
وبالنسبة لى سيبقى عبدالمجيد سندا حقيقيا فهو الذى نشر لى ولأغلب أبناء جيلى نصوصهم الأولى فى سلسلة كتابات جديدة التى كان رئيسا لتحريرها وهو من قدمنا للمرة الأولى على منصات برامج المقهى الثقافى وقت أن كان يشرف عليه بمعرض الكتاب، فعل كل ذلك وأكثر وتصرف معنا بالتلقائية التى نحبها فيه وبالنزق الذى يليق بسكندرى مغامر، نحتاج دائما لصدقه ومحبته الخالية من الحسابات، ويكفينا منه أنه حين حانت لحظة الثورة، وانكشفت الوجوه والمواقف ظل منحازا لما آمن به، ودافع عنه بإخلاص ومحبة لذلك يحصد الآن ما يستحق من الحب ومن الأمل ما يفيض ويكفى للصمود فى مواجهة الألم.