هناك عادة يمارسها الكتاب والمحللون دوليا ومحليا فى نهاية كل عام هى قراءة أوراق عام يمضى، واستشراف ملامح عام جديد يلوح فى الافق. ونظرا لأن أحوال الشعوب لا تتأثر عادة بالايام والشهور، فإن مولد عام جديد لا يشكل نقطة تحول فى ذاته، بل يمثل امتدادا لمسار الاحداث القائمة.
الشواهد على ذلك كثيرة، أبرزها ما يعرف بوباء كوفيد 19 او جائحة كورونا الذى ينتقل بتحوراته دون توقف منذ نحو عامين. ولا احد يستطيع أن يتنبأ على وجه التحديد بموعد زواله. وقد أعطى التوصل إلى لقاحات أملا واسعا، لكن ثبت ان فاعليتها لا تجاوز التقليل من اعراض الإصابة بالفيروس، وليس منع حدوثها مثلما يحدث مع الفيروسات الاخرى على مدار عقود مضت، اكثر من هذا أن جدوى المصل ذاته تختبر مع ظهور كل متحور جديد من فيروس كورونا المستجد. وقد لاحت فى الافق هذا العام الذى يلملم أوراقه إمكانية التوصل إلى عقار يعالج المريض بفيروس كورونا أسوة بفيروسات اخرى عديدة، الا ان ذلك لم يثبت جدواه بعد. من هنا، فإن الواضح أن الوباء سوف يستمر خلال عام ٢٠٢٢ دون توقع موعد انتهاء له، او التعرف على طبيعة ضربته القديمة، كل ما يمكن ان نفعله هو الإقبال على التطعيم بجرعات أولى أو منشطة.
بالتأكيد لا تحارب البشرية أشباحا، بل تحارب فيروسا شرسا متحورا نتج مثل بقية الفيروسات طيلة السنوات الماضية من سوء العلاقة بين الإنسان والحيوان نظرا لتغول الإنسان على الطبيعة، وتغيير التوازن البيئى، مما جعل الحيوان يتحول إلى مصدر عدوى للانسان بالفيروسات مثل الإيدز والايبولا وانفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير وغيرها، بعضها كان محصورا جغرافيا، يمكن الحد من انتشاره باستخدام الأساليب الوقائية، فضلا عن إمكانية العلاج منه او التعايش معه لفترة، اما وباء كوفيد 19 فهو سريع الانتشار، لا تقف امامه حدود، وليس له كتالوج إلى الآن كما يقول الأطباء.
لم يخطئ بيل جيتس عندما ذكر عند بداية اكتشاف وباء كورونا ان القادم أسوأ، والمشكلة ليست فقط فى الفيروس الحالى الذى تتصارع البشرية معه، ولكن مع فيروس قادم لا تعرفه، ولا تتوقع مساراته الوبائية.. وهو أسوأ سيناريو تتوقعه الإنسانية التى قطعت اشواطا على طريق تطورها، وتقدمها، ان تصبح فى مرمى نيران اوبئة جديدة واخرى متحورة مما هو قائم منها. وكان يجب أن نسير على خطين متوازيين، نحارب الفيروس من ناحية، ونعمل بقوة على صعيد استعادة التوازن البيئى، بما يتضمن قضايا عديدة متشابكة مثل البيئة، والطاقة الخضراء، ووقف الاعتداء على الحياة الطبيعية بأشكال ومسميات مختلفة.
ليس أمامنا على المستوى الشخصى سوى التفاؤل بالخير حتى نجده، ونحمد الله لبقائنا على قيد الحياة بينما ودعنا فى العام الذى يوشك على المغيب أقاربا واحباء لم نكن نتوقع يوما ان تكون نهايتهم هكذا، يمضون إلى خالقهم دون أن نودعهم الوداع الذى اعتدنا عليه او الذى يليق بهم.