رسائل الرئيس الغامضة - محمد عصمت - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسائل الرئيس الغامضة

نشر فى : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:45 م | آخر تحديث : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:45 م
المساحة الغائمة والمتداخلة بين ما هو عسكرى وما هو سياسى فى شخصية الرئيس السيسى، تجلت بصورة واضحة فى خطابه الأخير فى مؤتمر «رؤية مصر 20ــ 30 »، الذى حمل رسائل تهديد غاضبة لأطراف غامضة، لا أحد يعرف بالضبط حتى الآن هل هى تعبير عن انفعال عابر للرئيس، أم إنها ترجمة لسياسات سيتم الأخذ بها مستقبلا لفرض المزيد من القيود على حرية الرأى والتعبير؟!

خطاب الرئيس الغاضب ورسائله الغامضة التى حملها، لم يكن مناسبا إطلاقا للحدث الذى ألقاه فيه، بل كان متناقضا معه لأقصى حد، فالمؤتمر الذى كان من المفترض أن يكون دقيقا وعلميا عبر أرقام محددة وجداول منظمة، تشرح بوضوح مستقبل مصر وخططها التنموية حتى عام 2030، تم تدشينه فى مناخ سياسى مشوش، أدى إلى غياب اهتمام الرأى العام بمناقشة «مستقبل مصر»، والانشغال بما هو وراء سطور خطاب الرئيس!

فى هذا المناخ المشوش، لم يهتم أحد بطرح التساؤلات المشروعة حول الاطار الفكرى والمرجعية السياسية لخططنا حتى عام 2030، رغم ان المؤتمر حفل بأهداف طموحة ووعود مهمة، منها جعل مصر ضمن أفضل 30 دولة فى العالم فى التنمية الاقتصادية بمعدل نمو 10%، وضمن افضل 40 دولة فى الابتكار والابداع والبحث العلمى، ومن بين أفضل 20 دولة فى براءات الاختراع، بالاضافة إلى القضاء التام على الفقر والجوع، وتحقيق طفرات فى التعليم والصحة والمساواة بين الجنسين، ومع ذلك فقد جاء خطاب الرئيس ليضع كل هذه التساؤلات فى خلفية المشهد!

لم يهتم أحد بالسؤال عن آليات تنفيذ هذه الخطط الطموحة، ولا عن الامكانيات المتوافرة لتحقيقها، ولا عن الظهير الشعبى الذى ينبغى أن يتبناها وينفذها، فى وقت تهددنا الحكومة بقرارات مؤلمة، ويؤكد فيه تقرير البنك الدولى أن أزمة سعر صرف الدولار مرشحة للتصاعد، وأن معدل النمو العام الماضى لم يتجاوز 3،8% وليس 4،2% كما خططت الحكومة، مع ارتفاع مستوى التضخم، وما يستتبعه ذلك من ارتفاع الأسعار، فى وقت يتحمل فيه الفقراء ومحدودو الدخل فى مصر أكثر من ثلثى الضرائب بمبلغ 84 مليار جنيه من أصل 122 مليار جنيه، حيث يدفع الثلث الباقى الأثرياء والشركات الكبرى.

لم يفهم أحد من المؤتمر ما هى آليات تطبيق العدالة الاجتماعية، ولا كيفية تحقيق أهدافه فى ظل الأزمة الهيكلية التى تواجهها الدول الرأسمالية الكبرى فى العالم منذ عام 2008، وبات شبح الانهيار الاقتصادى والمالى والمصرفى يهدد بدرجات متفاوتة دولا غربية مهمة مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال وايرلندا، وايطاليا، فى نفس الوقت الذى ترك بصماته الخطيرة على اقتصاديات الدول الغربية الكبرى، وفى مقدمتها أمريكا نفسها التى تعانى ميزانيتها من عجز فادح، يهدد صدارتها للاقتصاد العالمى وسيطرتها عليه، ويدفعها إلى شن حروب فى منطقتنا لمواجهة تكتلات روسية وصينية مناوئة لها.

فى ظل هذه الظروف الدولية غير المواتية، وأوضاعنا الاقتصادية والسياسية الصعبة، لن يكون من السهل تحقيق أهداف المؤتمر، كل الجهد العلمى والبحثى المبذول فيه سيكون مآله أدراج المكاتب الحكومية، ما لم نكن قادرين على بناء نظام سياسى قوى وديمقراطى يتيح للناس التفاعل الحقيقى مع هذه الرؤى الحكومية لمستقبلنا.

كان من المفترض أن يواكب هذا المؤتمر «انفراجة ديمقراطية» يقدمها لنا الرئيس فى خطابه، يطرح فيها رؤية فكرية لهذه الخطط الاقتصادية والتنموية العملاقة، ويوضح خلالها تصوراته للقوى الاجتماعية التى ستستفيد من هذه الخطط، لكن الجانب الأمنى لديه طغى على الجانب السياسى، فلم يعد أحد يعرف إلى أين نحن سائرون؟! وما هو بالضبط المستقبل الذى ينتظرنا؟!

محمد عصمت
محمد عصمت كاتب صحفي