مشروع تعديل الدستور .. ملاحظات أولية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروع تعديل الدستور .. ملاحظات أولية

نشر فى : الخميس 29 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 29 أغسطس 2013 - 8:00 ص

لم ينشر مشروع تعديل الدستور حتى وقت كتابة هذا المقال بشكل رسمى. لكن المعلومات الأكيدة التى عرفت عنه تتيح مناقشة ولو أولية لهذا المشروع. ولقد اتبع فى إعداد مشروع التعديل نهج سليم يبدأ بمجموعة ضيقة متخصصة من عشرة أعضاء ثم ينتقل إلى مرحلة تمثيل المصالح فى مجموعة أوسع (لجنة الخمسين) لكن أخشى ما أخشاه أن يتبع بعد ذلك النهج ذاته الذى أخذت به الجمعية التأسيسية فى إعدادها مشروع دستور 2012 بحيث عرض المشروع على الاستفتاء الشعبى ودون المرور بمرحلة يناقشه فيها كل من لم يشارك فى إعداد المشروع، وهكذا اقتصرت المشاركة الشعبية على التصويت بنعم أو لا على مشروع الدستور. ولقد بذلت لجنة العشرة جهدا حقيقيا تستحق عليه كل تقدير لكن بعض التعديلات التى أتت بها فى قضايا جماهيرية يستحق مناقشة عاجلة وموضوعية.

•••

أول هذه التعديلات وأخطرها ما يتعلق بتفضيل اللجنة الأخذ بالنظام الفردى وحده فى انتخابات مجلس الشعب وليس مزيجا من الانتخاب الفردى والانتخاب بالقائمة. فمزايا كل من النظامين وعيوبهما معروفة للكافة ولذلك لا جدوى من تكرار الحديث عنهما لكن الجدير بالإشارة أن كافة الدراسات السياسية للنظم الانتخابية قد انتهت إلى أن نظام الانتخاب الفردى يعمل لصالح الأحزاب الكبيرة. لماذا؟ لأننا لو تصورنا حزبا كبيرا يسيطر على نسبة 51% من الرأى العام وأن هذه السيطرة تمتد على نحو متجانس إلى كافة الدوائر الانتخابية فإن معنى هذا نظريا أن الحزب الكبير سوف يسيطر بما لديه من هامش تفوق محدود على 100% من المقاعد تاركا الأحزاب السياسية الأخرى التى تحظى بتأييد 49% من الرأى العام بعيدا عن أى دور فى العملية التشريعية وقد يؤدى هذا إلى اضمحلالها تدريجيا ويصبح النظام السياسى ديمقراطى المظهر ديكتاتورى الجوهر، وقد يؤدى التمثيل السياسى المشوه على النحو السابق بيانه إلى حالة من عدم الاستقرار نتيجة إحساس الأحزاب السياسية الأصغر بـأنها مستبعدة عن أى دور سياسى رسمى.

•••

يتمثل التعديل الثانى فى إلغاء مجلس الشورى، وأنا أعلم بالنظرة السلبية للمجلس من الخبرة الماضية، فهو بلا دور تشريعى واضح، وحتى عندما تم التفكير فى حقنه بما يبث فيه الروح جاءت المحاولات باهتة، وظل ما أعطى من اختصاصات تشريعية محدودة محكوما بحل مجلس الشعب الذى يراجع كل تصرفاته فور انعقاده من جديد، وتعود الرأى العام أن ينظر إليه باعتباره مستودعا لمن فاتهم قطار السلطة من أنصار النظام خاصة وأن نسبة التعيين فيه كانت مرتفعة قبل دستور 2012، وهكذا فإن ثمة مبررات قوية وجدتها لجنة العشرة دون شك لإلغائه، ومع ذلك فلست مع الإلغاء لكن مع إعادة تكييف دوره بحيث يصبح مجلسا غير منتخب لتمثيل المصالح لا شأن لرئيس الجمهورية أو غيره بتعيين أعضائه كأن ينص فى قانون المجلس على تمثيل رؤساء الجامعات أو عدد منهم بصفتهم لا بشخصهم، وكذلك بالطريقة نفسها رؤساء النقابات المهنية والعمالية والاتحادات النوعية والجمعيات الأهلية ومنظمات المرأة وحقوق الإنسان.. إلخ. ولينص قانون المجلس على اضطلاعه بمهام معينة ــ غير تشريعية ــ يقدم تقارير واقعية عنها، ويلزم مجلس الشعب بالنظر فيها والرد عليها بل ربما يتطلب الأمر عقد جلسات مشتركة بين المجلسين أو بين اللجنتين المختصتين فيهما. وقد يساعد المجلس على هذا النحو فى مواجهة التداعيات السياسية لإلغاء نسبة تمثيل العمال والفلاحين فى مجلس الشعب، بالإضافة إلى ضمان تمثيل عادل للجماعات التى لا تحصل على هذا التمثيل عادة كالمرأة والأقباط.

•••

أما القضية الثالثة فهى اختيار رئيس الوزراء، ومن المعروف أن نظامنا السياسى فى معظم مراحل تطوره المعاصر كان يجمع بين النظامين الرئاسى والبرلمانى بنسب متفاوتة، وفى عهد مبارك ووفقا لدستور 1971 كان اختيار رئيس الوزراء عملية رئاسية واضحة فالرئيس يختار رئيسا للوزراء بغض النظر عن الحزب الفائز بالأغلبية، ومع أن هذا الحزب كان دوما هو حزب الرئيس إلا أنه كان واضحا أنه لا يريد أن ينشئ عرفا دستوريا فى هذا الصدد. ثم أتى دستور 2012 بأنجب طريقة ممكنة لاختيار رئيس الوزراء وهى أن يسميه رئيس الجمهورية بعد التشاور مع الهيئات البرلمانية والتفاهم مع الأغلبية فى المجلس فإذا لم تحصل الحكومة على ثقة المجلس المنتخب يكلف رئيس الجمهورية رئيسا آخر لمجلس الوزراء من الحزب أو الائتلاف الحائز على أغلبية مقاعد مجلس النواب فإذا لم تحصل حكومته على الثقة سمى المجلس رئيسا لمجلس الوزراء يكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة على أن يحصل على ثقة المجلس وإلا حل رئيس الجمهورية المجلس ودعا لانتخاب مجلس جديد خلال ستين يوما (مادة 140 دستور 2012)، وهى تقريبا الطريقة التى أتى بها مشروع التعديل. والمسألة ببساطة تتمثل فى أن يختار الوزراء وفق تقاليد النظام الرئاسى باعتبارهم مساعدين للرئيس ولا يشترط هنا حصولهم على ثقة المجلس أو يختار رئيس الوزراء وفقا لقواعد النظام البرلمانى فيكلف رئيس الجمهورية رئيس حزب الأغلبية أو ائتلاف الأغلبية بتشكيل الوزراة فإن لم تحصل وزارته على ثقة المجلس كلف رئيس الحزب أو الائتلاف الذى يليه فى عدد المقاعد فإن استمر العجز فى الحصول على ثقة المجلس قام رئيس الجمهورية بدور توفيقى فإن فشل لجأ إلى حل المجلس على النحو السابق بيانه.

•••

هذه مجرد أمثلة على قضايا مهمة تحتاج حوارا جادا حولها حتى يأتى مشروع التعديل معبرا عن الرأى العام بحق وهناك قضايا لا تقل أهمية تحظى بنصيب وافر من النقاش ولا يسمح الحيز المكانى بتداولها.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية