مذكرة تفاهم شديدة الأهمية وقعتها فى مقر وزارة الخارجية بالعاصمة واشنطن الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية يوم 14 سبتمبر الماضى حول مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل. ولم تحظ هذه الاتفاقية بتغطية كبيرة أو اهتمام رسمى عربى فى صورة تنديد أو إعلان القلق، أو حتى إعلان بحث الأمر ودراسة نتائجه المستقبلية على توازنات القوة فى المنطقة. وباستثناء دراسة وافية خرجت عن المركز العربى، اختار العرب تجاهل الاتفاق العسكرى الأمريكى الإسرائيلى الجديد لأسباب مجهولة.
وبداية تأتى هذه الاتفاقية التى يمتد إطارها الزمنى من 2019 إلى 2028 امتدادا للاتفاقية الحاكمة بخصوص المساعدات العسكرية والتى وقعت عام 2007 وتنتهى عام 2018. وتعطى هذه الاتفاقيات طويلة الأجل ميزة كبيرة تسمح للجيش الإسرائيلى بالتخطيط وتنسيق برامج المشتريات والتصنيع العسكرى مبكرا ودون توقع أى اضطراب فى برامج التعاون مع واشنطن. وتضمن الاتفاقية التفوق النوعى الكبير للتسليح الإسرائيلى على كل الدول العربية مجتمعة، إضافة إلى ما ذكرته مستشارة الأمن القومى سوزان رايس أثناء حضورها حفل التوقيع من أن مذكرة التفاهم هذه ليست جيدة فقط لإسرائيل، بل هى جيدة للولايات المتحدة أيضا... وحين يكون شركاء وحلفاء كإسرائيل أكثر أمنا، فإن الولايات المتحدة تكون أكثر أمنا».
ولا تعرف أى دولة أخرى غير إسرائيل هذه النوع من اتفاقيات المساعدات العسكرية. وعلى العكس مما يؤمن به البعض داخل مصر، لا تلزم معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل والتى أشرفت عليها الولايات المتحدة الادارة الأمريكية بتقديم مساعدات عسكرية للطرفين. البعض يكرر فى القاهرة أن واشنطن ملتزمة بتقديم مساعدات عسكرية للطرفين بنسبة 3 لإسرائيل و2 لمصر. إلا أن الحقيقة أن ما تتلقاه مصر من مساعدات ليس جزءا من المعاهدة ولا من «ملاحقها»! وأبسط دليل على ذلك ما قامت به واشنطن عقب الانقلاب العسكرى، ومعاقبتها النظام المصرى بوقف المساعدات قبل أن تعيدها بشروط وتغيرات كبيرة أغضبت بشدة، ومازالت تغضب الجيش المصرى.
***
يفصل الاتفاق الجديد البالغ قيمته 38 مليار دولار على مدى عشر سنوات، أى بمعدل 3.8 مليار دولار سنويا، وهو رقم كبير خاصة مع معرفة أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية تبلغ 15.5 مليار دولار سنويا. الاتفاق ملىء بتفاصيل فنية مختلفة، إلا أن أهم ما فيه أنه يخصص مبلغ 3.3 مليار دولار للمشتريات العسكرية الجديدة، ومبلغ نصف مليار دولار لبرامج الدفاع الصاروخى. وهذه النقطة شديدة الأهمية حيث أنها تمنح إسرائيل راحة بال وطمأنينة لضمان تمويل برامجها العسكرية المضادة للصواريخ حتى عام 2028، وأنه ليس عليها أن تقلق بشان تدبير تمويل هذه البرامج عام بعد عام.
وتكتظ الاتفاقية بتفاصيل تتعلق بالمشتريات الجديدة سواء تلك التى تنفق فى إسرائيل أو فى الولايات المتحدة، أو بتلك المتعلقة بتطوير أسلحة إسرائيلية، أو بتعاقدات مع أطراف ثالثة أو تعاقدات من الباطن. وعلى الرغم من ارتفاع قيمة المساعدات السنوية من 3.1 حاليا إلى 3.8 مستقبلا، إلا أن الجانب الإسرائيلى كان يسعى للحصول على ما بين 4 و5 مليارات سنويا، وتحجج بأن الزيادة لا تعكس انخفاض القيمة الشرائية وارتفاع أسعار الأسلحة. ويلزم الاتفاق الجديد الجانب الإسرائيلى بعدم السعى للحصول على مساعدات إضافية من الكونجرس خلال السنوات العشر إلا فى حالة وقوع نزاع عسكرى فى الشرق الأوسط تشارك فيه إسرائيل.
***
جاء توقيت توقيع الاتفاق غير مرتبط بتوقيع واشنطن للاتفاق النووى مع إيران فى صيف العام الماضى، إلا أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تنجز هذا الاتفاق قبل الانتخابات الأمريكية وأن تنال الإدارة الديمقراطية الثناء عليه وهو ما قد يدعم حظوظ المرشحة هيلارى كلينتون. من هنا جاء انتقاد السيناتور الجمهورى ليندسى جرهام للاتفاق وقوله أن إسرائيل كانت لتحصل على اتفاق أفضل على يد إدارة جمهورية فى المستقبل، وانتقد تقييد الكونجرس تجاه زيادة المساعدات لإسرائيل كما نص الاتفاق.
كذلك يوجد وجهة نظر لبعض الخبراء يعتقدون أن تسريع الرئيس أوباما للتوقيع على الاتفاق قبل 4 أشهر من مغادرته البيت الأبيض يمنحه حرية حركة فى الضغط على إسرائيل من أجل تحريك ملف عملية السلام المتجمد حاليا سواء فى إطارها الثنائى أو فى الأمم المتحدة. الرأى الأخر يعتقد أن الحكومة الإسرائيلية لا ترتاح لاحتمال وصول المرشح الجمهورى دونالد ترامب للبيت الأبيض، وهو المرشح الذى لا يؤمن بمنح مساعدات خارجية بدون مقابل واضح، وهو ما لا يتوافر فى الحالة الإسرائيلية.
***
افترض البعض أن توقيع واشنطن الاتفاق النووى مع طهران، وهو الاتفاق الذى شهد معارضة علنية إسرائيلية دفعت برئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لزيارة واشنطن وإلقاء خطاب داخل الكونجرس محذرا من الاتفاق، يعكس شرخا كبيرا فى علاقات الدولتين. وافترض البعض أيضا أن غياب الود والفتور بين شخصيتى الرئيس الأمريكى أوباما ونتنياهو كفيل بالتأثير السلبى على العلاقات الثنائية بين الدولتين. إلا أن واقع الرابطة الأمريكية الإسرائيلية غير ذلك. ونظرة بسيطة على سجل تصويت واشنطن فى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن كفيلا بكشف الواقع الذى يتجاهله العرب جبرا أو اختيارا. فقط استغلت إسرائيل غضبها من الاتفاق من أجل الحصول على اتفاق أفضل بقيمة مساعدات أكبر مما كانت تتلقاه سابقا.
من جانب مختلف وعندما غضبت الدول الخليجية بسبب توقيع الاتفاق الإيرانى سارعت واشنطن باسترضائها عن طريق توقيع صفقات سلاح تتخطى قيمتها مائة مليار دولار، وهو ما سبب نشوة لشركات السلاح الأمريكى. أما مصر فقد فشلت فى العودة لسابق علاقاته العسكرية مع واشنطن وضاع منها ميزة نظام التعاقد الأن والدفع مستقبلا Cash Flow Finance ـ وسيتم التعاقد سنة بسنة وسيتم شراء اسلحة تستمل فقط فى مجالات أربعة هى تأمين الحدود والتأمين البحرى ومكافحة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، وهى مجالات لا تمثل أى تهديد لإسرائيل، بل على العكس يدعم بعضها الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.