الضحايا تتضاعف والغرب يفقد مصداقيته سريعا! - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الضحايا تتضاعف والغرب يفقد مصداقيته سريعا!

نشر فى : الإثنين 30 أكتوبر 2023 - 9:30 م | آخر تحديث : الإثنين 30 أكتوبر 2023 - 9:30 م
نتألم كثيرا مع متابعة الأحداث الفلسطينية ــ الإسرائيلية الأخيرة، الممتدة عبر قطاع غزة وتهدد أمن وأمان الشعب الفلسطينى، وغيره من شعوب المنطقة، من دون تمييز أو تفرقة بين مقاتل ومسالم، أو بين الرواد والشباب، والرجال والنساء والأطفال.
أثبتت الأسابيع الأخيرة الكارثية، إسرائيليا وفلسطينيا، عربيا أو أجنبيا، غربيا أو شرقيا، أن احتلال أراضى الغير، ومنع الشعوب من ممارسة حقوقهم الوطنية هى ممارسات غير مشروعة ومرفوضة، تولد الغضب والإحباط وانفجارات خطرة بين المقاتلين، وتمتد إلى المدنيين العزل والأبرياء على الجانبين، وأن كل وقفة أو هدنة أو هدوء ليس إلا فصلا وظرفا موقتا بين انفجار وآخر، فلا أمن وأمان على أسس باطلة، أو على حساب حقوق الغير، مهما اختل توازن القوى لصالح طرف على حساب الآخرين، ولا أمن وأمان إسرائيليا وفلسطينيا من دون تمكين الشعبين من ممارسة حقوقهم بالعدل والمساواة على أراضيهم، فى إطار حل دولتين مستقلتين الذى سعينا إليه طويلا من دون نجاح، أو دولة واحدة بحقوق متساوية، التى تعنى تنازل كليهما عن حصرية هويته الوطنية مما يجعله بديلا صعب المنال.
غنى عن القول إن السياسات الخارجية للدول وكثير من قراراتها ترتبط بمصالحها وحاجاتها الخارجية الآنية حتى إذا تعارض ذلك مع القواعد والضوابط القانونية، لذا من الخطأ الاعتماد أكثر من اللازم على الغير، ولا بد من تطوير وتدعيم الثقل السياسى والاقتصادى الوطنى العربى، والقدرة على اتخاذ مواقف مستقلة، كأداة وعنصر ضغط إيجابى، يؤخذ فى الاعتبار من قبل الغير، ونحن نسعى لإنهاء الحروب والعيش فى سلام مع الكل، وهذا تنويه أوجهه إلى العالم العربى فى المقام الأول.
على الجميع اليقين أن السياسات الخارجية هى ممارسات تراكمية وممتدة، لذا على الدول دوما الأخذ فى الاعتبار السوابق والمبادئ والظروف والأوضاع الآنية، وإنما من دون إغفال تداعيات المواقف التى تتخذها على ما هو مقبل والأوضاع المستقبلية، لأن تصرفاتهم ومواقفهم من الأحداث أو التناقض وازدواجية المعايير ستكون لها تداعيات على مواقف الدول والشعوب الصديقة عندما يتم اللجوء إليها بعد ذلك سعيا للدعم والتعاون والتفاهم.
كيف يمكن تفسير مشاركة الرئيس الأمريكى بايدن فى مجلس وزراء حرب إسرائيل إلا أنه ضوء أخضر لدولة الاحتلال بأن تفعل ما تفعله عسكريا ضد الفلسطينيين الذى يشكل عقابا جماعيا غير مشروع، وهدفها المعلن هو تغير وضع غزة أمنيا بمناطق عازلة، واجتماعيا واقتصاديا بغلق المعابر كافة سوى المعبر الفلسطينى ــ المصرى، لذا فعلى رغم أننى كنت أتطلع أن يلتقى قادة الأردن ومصر وفلسطين مع بايدن لنقل رسالة عربية واضحة وقوية له عن متطلبات السلام فى المنطقة، أؤيد تماما قرار إلغاء الاجتماع، بعد أن وضحت النوايا الأمريكية، مع غياب أى استعداد لتوجيه الدفة نحو وقف إطلاق النار والعمل الإنسانى والدبلوماسى للتعامل مع الأزمة.
وكيف يمكن تبرير فيتو أمريكى لمشروع قرار برازيلى فى مجلس الأمن يتماشى كثيرا مع التوجهات الغربية وغير مريح عربيا، ويطالب بهدنة إنسانية موقتة بحجة أن هناك جهودا دبلوماسية تبذل، فأين التناقض بين الهدنة الإنسانية والدبلوماسية، إلا إذا كان الغرض هو مزيد من الضغط للتهجير من الشمال إلى الجنوب، والآن تقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولى يتضمن نصا عن حق إسرائيل الدفاع عن النفس، وهى خطوة بالغة الخطورة عامة وخاصة فى المناخ الحالى، ومع التوجهات الإسرائيلية وعدم احترامها للأسس والضوابط المنظمة لذلك فى المادة 51 من ميثاق المنظمة، ونيتها المعلنة فى استخدام قوة مفرطة، وتذكرنى هذه الإشارة بتفسيرات إسرائيلية عدوانية وباطلة عندما دفعت قبل حرب 1967 بأن تحركها العسكرى كان متسقا مع حقها فى الدفاع عن النفس.
وكيف تغيب القيادة الأمريكية عن مؤتمر مصرى يستهدف إصدار نداء ومبادئ لوقف الاقتتال والتعامل الإنسانى وإحياء الدبلوماسية، فكان من المفترض أن تتمسك بالحضور حتى إذا لم يكن هناك حماس عربى لدعوتها.
وعلى رغم تنويهات بايدن عن ضرورة احترام القانون الدولى الإنسانى حتى فى حالة حرب، لا يمكن تفسير مجمل مواقفه إلا أنها تعبر عن توافق إسرائيلى ــ أمريكى على ما هو قادم عسكريا وسياسيا وإنسانيا، إن لم تكن وفقا لخطة إسرائيلية ــ أمريكية لإعادة ترتيب الشرق الأوسط، مع تفتيت واستيعاب الشعب الفلسطينى بدلا من تمكينه من ممارسة حقوقه الوطنية، خطة يكون ضالع فيها الراعى الأول لعملية السلام، الذى ادعى قبل أحداث غزة أنه داعم للسلام العربى ــ الإسرائيلى على أساس حل الدولتين، وعلى خلاف مع توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية، ومما يجب أن تدفع الجميع إلى إعادة النظر فى منهجية التعامل مع ما تبقى من عملية السلام مستقبلا.
وهل من المنطقى رفض غزو أراضى الغير فى أوكرانيا والتغاضى عن ذلك فلسطينيا؟ هل أصبحت الحملة الانتخابية الرئاسية المقبلة هى الدافع الأول للتحرك الأمريكى والرئيس ليخاطب شعبه بحجج واهية وفارغة وغير منطقية، ويطالب بمساعدات عسكرية إضافية هائلة لإسرائيل لردع قوة غير نظامية بمساعدات لا توفر حتى لحلفائه فى الحلف الأطلسى؟
أحذر أمريكا والعالم الغربى أن ازدواجية معاييره تجاوزت كل الحدود، وأصبحت مرفوضة من القادة والشعوب العربية، وهو ما أكده الرئيس السيسى والملك عبدالله أمام مؤتمر القاهرة، بعد أن خسر الغرب القليل المتبقى من صدقيته لدى الرأى العام العربى، حتى لدى من تحفظ على تعرض «حماس» للمدنيين الإسرائيليين ضمن آخرين فى عمليتها الأخيرة، والشارع العربى يرى الولايات المتحدة الآن شريكا لإسرائيل وأوروبا متخاذلة منحازة وضعيفة، لأن الغرب سارع فى إدانة «حماس» وتأكيد دعمه لإسرائيل وحقها فى الدفاع عن النفس، من دون مراعاة أن الشعب الفلسطينى هو الذى يعيش تحت وطأة الاحتلال، متجاهلا أن عدد القتلى الفلسطينيين المدنيين فى غزة تجاوز الخسائر الإسرائيلية، وأن القوات والمستوطنين الإسرائيليين يستهدفون مدنيين فلسطينيين أبرياء فى غزة والضفة الغربية كذلك، وبأعداد متزايدة خلال العام الماضى قبل وبعد أحداث السابع من أكتوبر الجارى، فأصبح القتيل الإسرائيلى ضحية فى أعين الغرب، ومقابلة الفلسطينى ضرر أو خسائر حرب جانبية، وهو ما يزيد من الإحباط والتوترات والغضب تجاه إسرائيل والعالم الغربى ويصعب من فرص التعاون معهما مستقبلا.
نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات