صلاح سرور... تمرد على حواجز المعرفة - سامح فوزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صلاح سرور... تمرد على حواجز المعرفة

نشر فى : الثلاثاء 31 مايو 2022 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 مايو 2022 - 9:50 م
تربى الجيل الذى انتمى إليه على التفرقة الكلاسيكية بين ما هو «علمى» وما هو «أدبى»، يُقصد بالعلمى الرياضيات والكيمياء والفيزياء أما الأدبى فهو يشمل التاريخ والجغرافيا وما شابه. ولكن هذه التفرقة، التى ابتدعتها وزارة التعليم، هى لأغراض الدراسة، وليست لتقزيم المعرفة فى الحياة، فقد ثبت أن العلم متكامل، له روافد كثيرة، يصعب تجزئته، وتعليبه، وتقديمه فى وجبات جاهزة منفصلة. وكم كنت أستغرب إلى حد الحزن عندما ألتقى طبيبا أو مهندسا يتباهى بأنه لا يقرأ كتابا، ولا يعرف شيئا عن الثقافة والفنون، مكتفيا بتخصصه الضيق، وربما يشعر فى أعماقه أن القراءة العامة مضيعة للوقت، وهو لا يدرى أن فى المعرفة إثراء لشخصية الإنسان.
فى السنوات الأخيرة تمرد العلم الحديث على هذه التفرقة، وظهرت العلوم البينية، التى تقف فى منطقة وسط بين تخصصات عديدة.. البناء لم يعد حجرا بل فلسفة وعمران، والطب لم يعد خدمة علاجية ولكن سياسات اجتماعية، وظهرت دراسات جديدة تعبر الفجوة بين ما أطلق عليه العلوم الطبيعية، وما يُسمى العلوم الاجتماعية.
وقبل أن تنتشر ظاهرة «العلوم البينية»، كان هناك علماء حقيقيون عبروا حواجز المعرفة من خلال المعرفة الموسوعية.
رأينا أطباء ومهندسون يكتبون روايات، وبحوث اجتماعية، بل بعضهم وجد متعته المعرفية خارج تخصصه العلمى الضيق. الدكتور صلاح سرور، الذى رحل عن عالمنا منذ أسابيع، هو أحد هؤلاء العلماء. نبغ فى الطب، وصار علما فيه خاصة فى مجال الأمراض الصدرية، لكنه اختار أن يعود إلى مدرج الجامعة، ليدرس تاريخ الحضارة اليونانية والرومانية، ويحصل على الليسانس، ثم درجتى الماجستير والدكتوراه. صار أستاذا فى الطب، وعالما فى الآثار، ووضع مؤلفات مهمة فى مجالى الطب والحضارة. لم يكتف بذلك، بل أدخل مادة تاريخ الطب فى الدراسة. هذا النمط من الشخصيات الموسوعية يُشعرك عندما تجلس معه بعمق الشخصية، وتنوع المعرفة، وإنسانية النظرة إلى الحياة، ويُدهشك ثقافته، وهدؤه، وبساطة شخصيته، وحضوره المؤثر. لم يكن يضن برأيه على مرضاه أو تلاميذه أو أقرانه، كما لم يخش أن يعبر عنه فى حضور رئيس الجمهورية عندما انتقد الحزب الوطنى علنا فى اجتماع حاشد، وعندما حاول البعض اسكاته، أو احاطته بالهمهمات الرافضة لكلامه، طلب منه الرئيس الأسبق مبارك مواصلة الحديث الذى قدم فيه اقتراحات انطلاقا من خبرته فى مجال التعليم.
منذ يومين افتتح مدرج خاص له فى قسم الأمراض الصدرية بكلية الطب جامعة الإسكندرية، تكريما وتقديرا له، بحضور عميد الكلية د. على عبدالمحسن، ورئيس قسم الأمراض الصدرية د. أحمد يوسف، وتوج الحضور د. مصطفى الفقى، الذى أفاض فى الحديث عن الراحل د. صلاح سرور، متأملا شخصيته الفردية، وروحه الهادئة، وخدمته لمرضاه، دون أن يتقاضى مقابلا فى أحيان كثيرة.
بالتأكيد أن د. صلاح سرور، ومن ساروا على نفس الدرب، هم قلة فى دنيا العلم والمعرفة، ويظل بناء الوعى عملية تراكمية طويلة، لا تحدث بقرار، بل هى نتاج خبرة تكوين، فقد نشأ فى رحاب أسرة تحب العلم، وتنشغل بالمعرفة، فكان والداه مدرسين للغة العربية، وجده قاضى قضاة البحيرة، واعتاد وهو طفل صغير أن يتحدث يوميا فى الإذاعة المدرسية عن الجدية وأهمية العلم والمعرفة.
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات