الشعوب العربية خارج السياسة: حكم «القادة» بالشعار الحزبى - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشعوب العربية خارج السياسة: حكم «القادة» بالشعار الحزبى

نشر فى : الأربعاء 31 ديسمبر 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 31 ديسمبر 2014 - 9:00 ص

عاش الجيلان الأخيران من أبناء «الشعب العربى» خارج السياسة.

نشأ هذان الجيلان، أى شباب الأمة، وهم لا يعرفون عن «السياسة» شيئاً، بل انهم يخافون منها ويهربون بحياتهم من مخاطرها بعدما باتت «السياسة» احتكاراً حصرياً لمن يملك زمام الأمور فى البلاد تحت مسميات متعددة وإن كان مضمونها واحداً: الشعب كتلة صماء تسلس قيادها ومصيرها إلى «الرئيس القائد»، الملهم غالباً، والبطل دائماً، حتى لو كان قد خسر كل الحروب التى خاضها بالرغبة، أو فرض عليه أن يخوضها لتثبيت الأمر الموقع..

أما فى الأنظمة الملكية أصلاً والتى يقودها وارث للعرش، لا يعرف من الكتب الا القرآن الكريم، فقد ابتُدع بديل موازٍ لـ «الرئيس القائد البطل» بأن صار الملك «قائد مسيرة التنوير» أو «رائد التحديث» فى المملكة المذهّبة أو فى أبسط الحالات «ملك الخير» الذى حباه الله الهداية، فإن كان الحاكم برتبة أمير فحسب فهو «أمير الحضارة الجديدة»!

•••

سقطت الأحزاب ذات الشعار القومى بالضربة القاضية فى المرحلة الأولى، بعدما كانت قد ابتلعت الأحزاب الوطنية التقليدية، وان استبقى «السيد الرئيس القائد» شعاراتها مرفوعة للإيحاء بأنه لا يحكم منفرداً، ولا يقرر وحده، بل هو ينفذ مبادئ «الحزب القائد» ويجتهد فى تحقيق شعاراته التى يمكن أن تحتوى الديموقراطية والاشتراكية والتقدم والوطنية والوحدة العربية، فضلاً عن كونه بشخصه المقدس رمز الوحدة الوطنية والطموح القومى والتقدم.

حكم العسكر، بالشعار الحزبى غالباً وبفرادة القائد التاريخى دائماً، الجمهوريات جميعاً: مصر، سوريا، العراق، ليبيا وحتى لبنان الذى بات فيه «العسكري» هو الرئيس التوافقى المخلص من نيران الحرب الأهلية أو مانع انفجارها... وأخيراً اليمن الذى ضرب فيه الرئيس المتحدر من العسكر الرقم القياسى فى البقاء فوق سدة الحكم.

بل ان تونس التى حكمها الحبيب بورقيبة، حتى وهو ميت طبياً، أو فاقد الإدراك والقدرة على القرار، لنحو أربعين عاماً من عمر الاستقلال، تجرّأ مدير مخابراته، ذات يوم على خلعه وتولى السلطة كـ «رئيس قائد»، هو الآخر، فى «جمهورية» ترسخت فيها مبادئ «العلمانية» بحيث لم تطق الحكم العسكرى إلا لسنوات قليلة (نسبياً!!) فانتفضت مع استشهاد محمد البوعزيزى لتطلق رياح التغيير على امتداد الوطن العربى، بدءاً من مصر وصولاً إلى اليمن... السعيد.

مع هذه الانتفاضات جميعاً والتى شارك فيها طوفان غير مسبوق من الجماهير المقهورة فى القاهرة وسائر انحاء مصر، بطلب التغيير، معلنة استعدادها لإنجازه، إذا ما ظل الجيش محايداً أو حسم أمره فانحاز إليهم.

ولقد انحاز الجيش، فعلاً، إلى هذه الجماهير الغاضبة، وتولى باسمها اسقاط أول حكم لحزب الاخوان المسلمين فى الأرض العربية، بعد سنة واحدة من وصوله إلى سدة السلطة بالانتخابات، نتيجة اختلاف خصومه وتفرقهم، بل وخوضهم الانتخابات ضده متخاصمين.

مع ذلك فإن اللوحة الراهنة لأوضاع مصر تشير إلى ان الأحزاب السياسية الموجودة، والتى كانت تعارض الاخوان، وبعضها كان من قبل فى موقع المعارضة لحكم حسنى مبارك، أضعف من أن تكوّن قيادة سياسية مؤهلة ومن حقها شعبياً فعلياً أن تلعب دور «شريك الرئيس» فى السلطة.

•••

أما فى سوريا التى تعيش فى خضم «حرب إبادة» فإن نظامها قد أثبت أنه أقوى من أن يتم اسقاطه بالمواجهة العسكرية، ولكنه أضعف من أن يحمى وحدة البلاد التى تتناهبها اليوم جبهات ومنظمات وهيئات مسلحة عديدة ومتنافرة إلى حد التصادم أشهرها وأعظمها توحشاً تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» «داعش» الذى يستولى الآن على جزء كبير من شرق سوريا (حيث النفط والغاز) وجزء من شمالها حول حلب وخط الحدود مع تركيا، فى حين تستولى «القاعدة» باسم «جبهة النصرة»، على أجزاء من جنوب سوريا وبعض الوسط بالاشتراك مع منظمات مقاتلة عديدة، بعضها خليجى التمويل والسلاح، وبعضها الآخر تركى الولاء، ومعظمها إسلامية الشعار، وأقلها «مدني» أو «عسكري» يقول بضرورة العودة إلى الحكم المدنى..

ونصل إلى العراق الذى حكم العسكر بشعارات حزب البعث العربى الاشتراكى، ثم بشخص صدام حسين الذى جمع بين يديه قدرات الجيش وشعارات الحزب، لمدة أربعين عاماً متصلة.

صار حزب البعث فى العراق، كما حزب البعث فى سوريا (وهما فى الأصل فرعان لحزب تحت قيادة قومية واحدة، نظرياً) هو اللافتة التى تغلف الحكم الفردى وتموّه حقيقته، أما القرار الفعلى فللضابط أو لمجموعة الضباط التى نظمت الانقلاب على الحكم القائم وخلعته. وللحقيقة والتاريخ فإن حزب البعث سواء فى سوريا أو فى العراق لم يتحمل مسئولية السلطة يوماً. كانت شعاراته تعلو مكاتب الوزارات والإدارات، والمقار الحزبية، وكان على المواطنين أن ينتسبوا إلى الحزب إذا كان فى نيتهم دخول الكلية الحربية، مثلاً، أو الحصول على وظيفة قيادية، أو حتى متوسطة فى الإدارة العامة، أما القرار فهو «للسيد الرئيس القائد». صار الجيش حزبياً بالأمر. وصارت الإدارة حزبية بالأمر. صار السفراء من بين الرفاق، الأعضاء المتقدمين فى تاريخهم الحزبى، وعلى كل سفير رقيب أو أكثر لضمان استمرار الولاء وعدم السقوط امام غواية مال الخارج أو ضغوطه.

.. وإلا لما كانت الحرب العراقية على «الثورة الإسلامية فى إيران» والتى امتدت لسبع سنوات طويلة فدمّرت البلدين..

... ولما كانت المغامرة البائسة بغزو الكويت واحتلالها، وهى المغامرة التى كلّفت العراق دولته جميعاً، بقيادته وجيشه و«الحزب القائد» الذى اختفى من الوجود (لا سيما بعدما حل الاحتلال الأمريكى الدولة العراقية، بالجيش والحزب والإدارة، وسلمها إلى خصوم عهد صدام حسين مضفياً على التسليم طابع الثأر الطائفى، مما مهد لفتنة لا تزال تضرب الدولة وتمزق الأرض حتى الساعة.. برغم المحاولات الجارية للخروج منها).

... ولما كانت حالة الاعتراض الشعبى فى سوريا على تصرفات فاحشة الخطأ فى درعا، قد تحولت إلى «حرب مفتوحة» بين النظام ومعارضيه الذين وجد المتطرفون منهم «خارجاً» عربياً ودولياً يمدهم بالمال والسلاح والرجال إذا لزم الأمر..

•••

أما ليبيا فقد قرر عقيدها معمر القذافى أن «من تحزّب خان»، ولكنه انشأ بالمقابل «اللجان الشعبية» ووضع «اللجان الثورية» وصيًا عليها، ولم تكن تلك إلا خلايا مخابراتية... ثم أنه استغنى عن الجيش وشتت قواه فى المدى الليبى الفسيح وأبقى مفاتيح مخازن السلاح بين يديه.. وعندما انفجرت أوضاع تلك البلاد الغنية بثروتها النفطية، لم تنفع «اللجان» فى حماية النظام الفريد فى بابه، لا سيما وأن «الخارج» كان قد اتخذ قراره بوضع اليد على هذه الدولة التى بلا نظام، وبلا جيش فعلى... وها هى ليبيا تغرق فى دماء أهلها، وليس ما يدل على انها سوف تستعيد وحدتها ودولتها فى المدى المنظور.

وأما فى اليمن التى اسقطت «الامام» فيها «ثورةٌ» قادها الجيش أو بعضه.. فقد وجدت مصر عبد الناصر نفسها ملزمة بنجدتها، فدخلت فى حرب غير معلنة مع السعودية والغرب. ثم تقدمت القبائل لتأخذ السلطة (بعد هزيمة 1967) فتصادمت أطرافها، وتقدم الجيش فأخذ السلطة... وظل الصراع محتدماً، فى الداخل، وسط ضغوط الخارج، حتى آل الأمر إلى العقيد على عبدالله صالح الذى حكم لثلث قرن معتمداً على قبيلته و«حلفائها» الذين صاروا الكتلة العظمى فى الجيش بقيادته جميعاً.

وحين هبت انتفاضة ضد حكم «العقيد الامام الخليفة الملك»، تدخل «العالم» لإيجاد تسوية، قضت بخروج على عبدالله صالح، بشخصه، من الحكم... لكن النظام باق حتى إشعار «سعودى» آخر..

لقد سقطت الأحزاب، قومية ووطنية، تقدمية وتقليدية، بالضربة العسكرية القاضية، فخسرت قبل السلطة التى لم تكن لها فى أى يوم، رصيدها النضالى وأهليتها لبناء الدول فى الأوطان التى قدر لها ان تحظى بشعبية محترمة فيها.

ونتيجة لهذا السقوط فى امتحان السلطة، خسرت هذه الأحزاب شرعيتها الشعبية، وباتت بعض الذكريات الموجعة لماضٍ من الفشل المموّه بالشعار الحزبى البراق.

بالمقابل سقط «الاخوان المسلمون» بعدما وفرت لهم الظروف فرصة قدرية لحكم مصر... بل انهم قد اثبتوا انهم لم يستعدوا، عبر تاريخهم الطويل، ببرنامج حكم عصرى وقابل للحياة، خصوصاً وأن «الجماعة» قد استبعدت الشعب عن مركز القرار لتنفرد به على ما شهدنا فى مصر.. والحمد لله أن التجربة لم تكرر نفسها فى تونس

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات