تحالفات من الهند حتى كوش.. إسرائيل تترك السياج وتعود لتشكيل المنطقة - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأربعاء 31 ديسمبر 2025 9:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من ترشح لخلافة أحمد عبدالرؤوف في تدريب الزمالك؟

تحالفات من الهند حتى كوش.. إسرائيل تترك السياج وتعود لتشكيل المنطقة

نشر فى : الأربعاء 31 ديسمبر 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 ديسمبر 2025 - 7:10 م

أحداث 7 أكتوبر لم تحطم فقط الإحساس بالأمن التكتيكى لدى إسرائيل، بل أيضًا نسفت من التصور السياسى الذى رافقنا طوال العقود الأخيرة من أساسه؛ «الفيلا فى الغابة». هذا المصطلح الذى صاغه فى حينه إيهود باراك تحول إلى استراتيجية تقوم على الانفصال والاغتراب عن الإقليم، وقد اختارت دولة إسرائيل أن ترى نفسها «جزيرة ديمقراطية محاطة بالوحشية»، وأن يقتصر تحصينها على أسوار ذكية، وأنظمة دفاع نشيطة، وانسحابات أحادية الجانب إلى خطوط دفاع مريحة. كانت «الفيلا» تعبيرًا عن السلبية على الصعيد الجسدى أولًا، والأهم أيضًا من الناحية الفكرية؛ إذ قطعت إسرائيل نفسها عن محيطها، وأُغرمت بوضعية الدفاع من وراء السياج، وسمحت للشرق الأوسط بأن يعيد تشكيل نفسه من دونها.

 


لكن كما رأينا فى حرب الانبعاث، فإن السياج ليس كافيًا أبدًا فى بيئة معادية؛ فالفراغ الجيوسياسى الذى نشأ نتيجة تراجع القوى العظمى القديمة وانهيار الطغاة الإقليميين فى «الربيع العربى» امتص بسرعة طموحات الهيمنة لكل من تركيا وإيران، وأدركت إسرائيل أن الطريقة الوحيدة لضمان بقائها لا تكمن فى الاختباء وراء جدار، إنما فى التحول إلى عنصر فعال ومشكِّل فى الإقليم. وتعكس التحركات الدراماتيكية فى الأسابيع الأخيرة، وعلى رأسها الاعتراف التاريخى بسيادة أرض الصومال، ولادة عقيدة جديدة: تحالف «من الهند إلى كوش».
الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التى تعيد تشكيل الإقليم
تضع هذه العقيدة إسرائيل فى قلب منظومة تحالفات ترتكز على أربعة محاور مركزية: الهند شرقا، وإثيوبيا جنوبا، وأذربيجان شمالًا، واليونان وقبرص غربًا . هذه التحالفات ليست ترفًا، إنما ضرورة استراتيجية فى مواجهة المشروع التركى الساعى للهيمنة، والذى بلغ ذروته بعد أن رسّخ وجودًا عسكريًا واقتصاديًا فى ليبيا والصومال، ويطمح إلى استكمال «مثلث» نفوذ عبر سوريا، وكل ذلك فى أراضى الإمبراطورية السابقة، فى إطار سياسة أردوغان النيو ــ عثمانية. وإذا اكتمل هذا المثلث، فسيحل محل المحور الشيعى الذى أضعفته إسرائيل بصورة كبيرة خلال العامين الأخيرَين، وسيفرض عليها قيودًا جوهرية ويصعب ازدهارها فى الشرق الأوسط. وإن إسرائيل تحسن صنعًا حين تواصل تعميق أدوات الضغط لديها على «نظام الدمى» التركى فى سوريا، ولا تقع فى فخ «التسوية الأمنية» التى تحاول أنقرة تسويقها.
فى قلب المنظومة الجنوبية تقف إثيوبيا، التى تُعد اليوم المحور الحاسم للاستقرار الإقليمى؛ فمع 140 مليون نسمة، وأحد أسرع الاقتصادات نموًا فى العالم، تُعد إثيوبيا عملاقًا استكمل هذا العام سد النهضة، وحقق مسارًا نحو الاستقلال الطاقى والسيطرة الكاملة على مياه النيل، غير أنه منذ هزيمتها فى الحرب أمام إريتريا سنة 1991، بقى العملاق الإثيوبى مخنوقًا بلا منفذ بحرى، محاطًا بدول معادية تقودها تركيا وتسعى لعزله. لذلك، وقّعت إثيوبيا وأرض الصومال قبل نحو عام مذكرة تفاهم تستأجر بموجبها إثيوبيا شريطًا ساحليًا صوماليًا بطول 20 كيلومترًا لمدة 50 عامًا، فى مقابل تعهد إثيوبى بدراسة الاعتراف باستقلال أرض الصومال بجدية.
وهنا تدخل أرض الصومال الصورة؛ فهى ليست مجرد إقليم، بل أيضًا هى فيزياء الجغرافيا السياسية، إذ تقع أرض الصومال على الممر المفتاحى لدخول البحر الأحمر، الذى يمر عبره نحو 30% من حركة الحاويات العالمية، وعلى الضفة الأُخرى من هذا المضيق البحرى الضيق، يقع اليمن والحوثيون. وإن الاعتراف الإسرائيلى بأرض الصومال يمنح شرعية لمذكرة التفاهم الإثيوبية بشأن استئجار الساحل، وبذلك يساعد أديس أبابا فى مواجهة الحصار التركى ــ المصرى ــ الإريترى الذى يضيّق الخناق عليها. وأكثر من ذلك، فهو يفصلها عن النفوذ التركى فى مقديشو، ويدق إسفينًا فى المشروع المركزى لتركيا فى الإقليم.
الخطوة الدراماتيكية لوقف «المثلث التركى»
ناريندرا مودى، الزعيم المؤسس للهند الحديثة، الذى يمضى فى عمق ولايته الثالثة على التوالى، يفهم هذه الدينامية جيدًا، وقد اختار هو أيضًا إثيوبيا بصفتها الركيزة المركزية له فى فضاء القرن الإفريقى. وقبل أسابيع قليلة، أتم زيارة سياسية تاريخية إلى أديس أبابا، وتحدث بصورة صريحة وواضحة عن أهدافه فى الإقليم، وهو يسعى بعزم نحو استقلال استراتيجى كامل، مع توظيف الموقع الفريد للهند فى المنافسة الصينية ــ الأمريكية. وليس عبثًا أن تضمنت استراتيجية الأمن القومى التى نشرها البيت الأبيض قبل أسابيع تحديد هدف خاص يتمثل فى «ربط الهند بترتيبات تخدم المصالح الأمريكية فى المحيط الهادئ».
والهند تثبت أنها ليست أداة فى يد أى قوة عظمى، إذ يُظهر مودى استقلالية استثنائية حين يلتقى شى جين بينج وبوتين، وفى الوقت نفسه يدير مفاوضات صعبة ومباشرة مع إدارة ترامب. وترتكز هذه القوة على متانة عسكرية تجلت قبل نحو نصف عام فقط، حين واجهت الهند خصمها النووى المسلم، باكستان، فى جولة قتال مكثفة، انتهت بإظهار دلهى تفوقًا مطلقًا. ويحوّل مودى هذا الثقة إلى عقيدة بحرية بعيدة المدى؛ بناء أقوى أسطول فى فضاء المحيط الهندى، يهدف إلى ضمان الهيمنة الهندية على طرق التجارة الحيوية الممتدة من مضيق هرمز إلى مداخل البحر الأحمر فى جيبوتى وأرض الصومال.
إن التحالف الإسرائيلى مع الهند، الذى اكتسب زخمه خلال زيارة مودى إلى أديس أبابا، يشكّل المحرك لمحور «من الهند إلى كوش»، الهادف إلى كبح التمدد التركى وإنشاء توازن جيوسياسى جديد.
وعليه، فإن الاعتراف بأرض الصومال هو حلقة ضمن عقيدة أمن قومى إسرائيلية جديدة، وقطعة أساسية فى أحجية توحد المسار بأكمله، فهو يتيح لإسرائيل إسقاط القوة بعيدًا عن حدودها، وتأمين طرق تجارة حيوية، وبناء تحالفات مع قوى عالمية على أساس مصالح مشتركة. وكما دلّت القمة الثلاثية فى القدس مع اليونان وقبرص قبل أسبوع واحد فقط، فإن إسرائيل لم تعد «الفيلا فى الغابة» المنتظرة لحكم مصيرها، إنما صارت اللاعب المشكِّل الذى يحوّل القوة التكنولوجية والعسكرية إلى عائد سياسى يعيد رسم وجه الشرق الأوسط، من الهند إلى كوش.

 

 

جوناثان أديرى

قناة N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

من الصحافة الإسرائيلية أبرز المقالات من الصحف الإسرائيلية
التعليقات