لم يعد الطفل في عصر الإعلام المفتوح بمنأى عن الأخبار الصادمة؛ فصور الحوادث العنيفة والاعتداءات والانتهاكات أصبحت أمام أعينهم أكثر من أي وقتٍ مضى، ورغم أن الطفل قد يبدو صامتا أمام التلفاز أو الهاتف، إلا أن داخله يعيش عالما من الفزع والارتباك.
يشرح الدكتور محمد فوزي عبد العال، أستاذ المخ والأعصاب والطب النفسي بجامعة أسيوط، في تصريحات خاصة لـ "الشروق" كيفية فهم الطفل للمشاهد العنيفة، والمخاطر النفسية المترتبة عليها، وكيف يمكن للأسرة التدخل لحمايته؟
كيف يرى الطفل الأخبار العنيفة؟
يؤكد الدكتور محمد فوزي، أن الطفل لا يفهم الأحداث الصادمة كما يفهمها الكبار، فدماغه ما يزال في طور التكوين، خاصةً المناطق المسئولة عن المنطق وضبط الانفعالات والتقييم الواقعي للخطر.
ويوضح ذلك بأن الطفل يرى الصور كحقائق تخصه شخصيا؛ إذ أظهرت دراسة للجمعية الأمريكية لطب نفس الأطفال عام 2023 أن 62% من الأطفال بين 6 و11 عاما يعتقدون أن الخطر الذي يشاهدونه قريب منهم، مهما كان موقعه الجغرافي، كما أن دماغ الطفل لا يميز تماما بين الواقع والاحتمال، ومع التغطية الإعلامية المكثفة، يمكن أن يتحول الحدث البعيد إلى تهديد حاضر ومستمر، وهو ما يُعرف بـ "صدمة المشاهدة المتكررة".
لماذا يخاف الطفل بشدة رغم عدم وجود خطر فعلي؟
يُرجع الخبير النفسي ذلك إلى عدة عوامل تتعلق بتطور الدماغ، حيث يقول إن نشاط اللوزة الدماغية تجعل الطفل يطلق استجابة القتال أو الهرب فور سماع خبر عنف، إضافة إلى ضعف مهارات ضبط الانفعال، حيث أن الأطفال لا يملكون القدرة العصبية لكبح مشاعر الخوف كما يفعل الكبار، وكذلك تعميم الخطر، فقد تجعل حادثة في مدرسة بعيدة الطفل يعتقد أن التالي ستكون مدرسته، فضلا عن قلة الخبرة الحياتية التي تجعل الطفل يرى كل خبر صادم كتهديد شخصي.
الأعراض النفسية بعد مشاهدة أخبار العنف
يوضح الخبير النفسي، أنه وفق مراجعات "الشبكة الوطنية لاضطرابات الصدمة عند الأطفال 2024"، فإن أكثر الأعراض شيوعا هي: كوابيس وصعوبات في النوم قد تصل لاضطراب كامل لدى 34% من الأطفال، والتشبث الزائد بالوالدين وفقدان الإحساس بالأمان، وكذلك تغيرات سلوكية مفاجئة، مثل انعزال وغضب وصمت طويل وفقدان الشهية، وأيضا اضطرابات جسدية نفسية تتمثل في صداع وآلام بطن وخفقان دون سبب عضوي، فضلا عن إحياء الخيال الصادم، حيث يتخيل الطفل أنه أو عائلته سيكونون الضحية التالية، وظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) قد تصل نسبتها إلى 8-12% من الأطفال المعرضين لمحتوى عنيف متكرر، وفقا لدراسة "هارفارد 2023".
هل تهدد الأخبار الصادمة إحساس الطفل بالأمان في المدرسة؟
يؤكد أن الإجابة نعم وبشكل مثبت علميا؛ حيث يؤدي التعرض المتكرر لأخبار العنف المدرسي والاعتداءات إلى انخفاض الثقة في المدرسة بنسبة تصل إلى 40% بحسب دراسة حديثة في مجلة "تطور الطفل 2024"، وكذلك زيادة القلق الانفصالي وعدم رغبة الطفل في الذهاب للمدرسة، وتبني تفكير تشاؤمي دائم، وتراجع الأداء الدراسي، إذ يحول الدماغ طاقته من التعلم إلى الحماية والخوف.
كيف يشرح الوالدان الأخبار دون إخافة الطفل؟
يقول الخبير النفسي إن المنع الكامل غير مفيد للأطفال فوق ست سنوات؛ لأنه يجعل الطفل يبحث عن المعلومات في مصادر مجهولة قد تكون أكثر رعبا، ويري أن الحل يكمن في التوجيه وليس المنع، مسترشدا بتوصيات منظمة الصحة العالمية 2024 من خلال تقديم نسخة مبسطة من الخبر مناسبة للسن، مثل: "هذا حادث مؤسف بعيد عنا، والشرطة تتعامل معه".
ويتابع حديثه بالتأكيد على ضرورة طمأنة الطفل بأن الكبار يسيطرون على الموقف، مع منع الصور والفيديوهات تماما، لأنها تخزن في الذاكرة 10 مرات أكثر من الكلمات، وكذلك تحديد وقت مشاهدة الأخبار وينصح بالسماح بعشر دقائق يوميا للأطفال فوق ثمان سنوات.
خطوات الدعم
يشدد الخبير النفسي على أهمية الاستماع دون تهوين أو تهويل، وكذلك ضرورة استعادة الروتين والأمان من خلال النوم المبكر ووجود أحد الوالدين قبل النوم وعمل تمارين تنفس، مؤكدا أهمية تصحيح الأفكار المشوهة، مثل: "هذا حصل بعيد وفرصته يحصل هنا ضعيفة جدا"، ومنع تكرار المشاهدة لتجنب إعادة الصدمة.
ويختتم حديثه بضرورة طلب المساعدة المتخصصة عند ظهور علامات خطيرة على الطفل سواء فقدان الشهية أو نوبات هلع، أو تجنب الخروج أو انطواء لأسبوعين، أو رؤية كوابيس شديدة.