تبدأ "الشروق" من اليوم، وعلى مدار شهر مارس، تذكير قرائها بنخبة مختارة من الأغاني والقصائد الوطنية التي أنتجتها عقول شعراء وفناني مصر الرواد، بالتزامن مع ثورة 1919 أو تفاعلاً معها أو مواكبة لمطالبها وشعاراتها، بهدف إلقاء الضوء على أشكال مختلفة من إبداعنا منذ 100 عام ورصد الآثار الكبيرة للثورة على الفن والأدب في مصر.
***************
في مطلع مارس 1919 نشرت الصحف المصرية إعلانا لقرائها بشرتهم فيه بقرب عرض مسرحية "قولوا له" -أو "قولولو" كما كانت تكتب دعائياً- لفرقة الفنان الكبير نجيب الريحاني.
وفقاً للمتاح من المعلومات.. كان الريحاني ينوي تقديم المسرحية في مارس، لكن أحداث الثورة التي اندلعت فعلياً في ذلك الشهر دفعت لتأجيل العرض إلى شهر مايو، لتقدم المسرحية الترفيهية الاستعراضية، التي قال عنها الريحاني في مذكراته المجهولة إنها "آخر مسرحية استعراضية قدمها" مثل سابقاتها "ولو" و "إش" و"رن".. وجميع هذه المسرحيات كتب كلماتها الشاعر بديع خيري ولحن موسيقاها الفنان الكبير سيد درويش.
كانت كلمات وألحان الثنائي بديع خيري وسيد درويش دائماً ما تنضح بالوطنية.. حتى إذا ابتعدا عن الأناشيد بصبغتها الحماسية وكلماتها القوية.. وفي مسرحية "قولوا له" قدم الثنائي أغنية في السياق الدرامي هي "سالمة يا سلامة" التي نعيد تذكير القارئ بها اليوم في سياقها الاجتماعي والسياسي.
الوطنية العاطفية
ويمكن القول بأن الأغاني الوطنية منذ عام 1919 اتخذت شكلين أساسيين يمكن تمييزهما في موسيقى سيد درويش:
الأول: الأناشيد الحماسية القوية المثيرة للعاطفة والقائمة على كلمات وطنية صرفة سواء بالفصحى أو العامية مثل: بلادي بلادي.. قوم يا مصري.. أحسن جيوش في الأمم.
الثاني: الأغاني التي تأخذ بعداً عاطفياً تعبيرياً مع التركيز على ملمح أو أكثر مما يزيد تعلق قلب المصري بوطنه ويدعم اعتزازه بمجتمعه.. مثل: سالمة يا سلامة.. أهو ده اللي صار.. ده بأف مين اللي يألس ع المصرية.
وفي مرحلة لاحقة يمكن تمييز تأثر الموسيقار محمد القصبجي ثم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بهذا التنوع الذي رسخه سيد درويش.
فيمكن أن نستمع للقصبجي بصوت منيرة المهدية وكلمات يونس القاضي أغنية "مايجبشي زيي إن لف الكون إحنا أبونا توت عنخ آمون - 1922".. أما عبدالوهاب فكما غنى ما هو حماسي مثل "أيها الخفاق - 1935" و"نشيد الجهاد / كل مصري ينادي - 1939" غنى أيضاً بالعاطفة الوطنية "حب الوطن فرض عليّ - 1933" و"مين زيك عندي يا خضرة - 1942".
مطلع فلكلوري
وأغنية "سالمة يا سلامة" كتبت في خضم الأحداث الممهدة للثورة وقدمت لأول مرة بعد شهرين من اندلاعها.. لذلك كان طبيعياً أن تحمّل بأهداف ترسيخ الوطنية وتعظيم الإحساس بالفخر في قلوب المصريين والتركيز على إيجابيات الشخصية الوطنية من صبر وتحمل ودأب وجد واجتهاد وتكيف مع مختلف الظروف.
واستخدم بديع خيري في مقدمة الأغنية مطلعاً فلكلورياً هو "سالمة يا سلامة رحنا وجينا بالسلامة" والذي لا يعرف على وجه التحديد أصله أو أصل اللحن المميز له.. لكن المعروف أن النساء كن يرددنه لدى عودتهم من رحلات خارج قراهن.. خاصة إلى العاصمة.
وكعادة الثنائي في الأغاني المؤداة بمساعدة المجاميع.. تستخدم ألفاظ عامية مخلوطة بألفاظ فصيحة وكلمات أجنبية.
تقول كلماتها:
سالمة يا سلامة.. رحنا وجينا بالسلامة
صفر ياوابور واربط عندك.. نزلني في البلد دي
بلا أمريكا بلا أوروبا.. مفيش أحسن من بلدي
دي المركب اللي بتجيب.. أحسن من اللي بتودي.. ياسطى بشندي
ياسالمة ياسلامة.. رحنا وجينا بالسلامة
سلطة ماسلطة أهو كله مكسب.. حوشنا مال وجينا
شفنا الحرب وشفنا الضرب.. وشوفنا الديناميت بعنينا
ربك واحد عمرك واحد.. آدي احنا اهه رحنا وجينا ايه خس علينا
ياسالمة ياسلامة.. رحنا وجينا بالسلامة
صلاة النبي ع الشخص منا.. قرطة مية بلا قافية
اللي في جيبه يتفنجر به.. والبركة في العين والعافية
حتاخد ايه م العيشة.. غير الستر يا شيخ.. خليها ماشية.. دنيا فانية
ياسالمة ياسلامة.. رحنا وجينا بالسلامة
الغربة ياما بتوري.. بتخلّي الصنايعي بيرطن
مطرح مايروح المصري.. برضه طول عمره ذو تفنن
وحياة ربنا المعبود.. وي آرفيري جود.. ياسطى محمود.. ادها وقدود
سالمة ياسلامة.. رحنا وجينا بالسلامة
وغدا حلقة جديدة......