باب الوادي لأحمد طيباوي.. طرح سؤال الهوية ضمن إطار إبداعي مغاير - بوابة الشروق
السبت 27 يوليه 2024 4:23 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

باب الوادي لأحمد طيباوي.. طرح سؤال الهوية ضمن إطار إبداعي مغاير

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 1 ديسمبر 2023 - 7:20 م | آخر تحديث: الجمعة 1 ديسمبر 2023 - 7:20 م

الرواية الفائزة بجائزة الشارقة تتجاوز التصورات السطحية إلى دلالات إنسانية عميقة

رحلة بحث حالمة عن الذات والوطن، خاضها الروائى أحمد طيباوى فى روايته الصادرة عن دار الشروق «باب الوادى»، والتى حصدت مؤخرا جائزة الشارقة لأفضل كتاب عربى فى مجال الرواية، لتميز نصوصها التى تخبرنا عن مزيج أدبى مدهش بين العواطف والصراعات والأفكار والأحداث التى لا تتوقف.
تدور الرواية حول قصة ذات أبعاد إنسانية بحتة، بطلها ينطلق فى رحلة ممتدة للبحث عن والده، وعلى مدار المحطات الثرية لتلك الرحلة، يطرح البطل (كمال) تساؤلات عن الذات ومكانة الفرد فى وطن تتصاعد فيه الأحداث وتغلب عليه التغيرات الجوهرية، وقد استعان طيباوى فى ذلك بتطور متصاعد فى الشخصيات وتحديد ورسم ملامحها ومساراتها.
انشغل أحمد طيباوى فى روايته «باب الوادى» بالبحث عن سؤال الهوية، ولكن بشكل غير نمطى ابتعد خلاله عن الأطروحات التقليدية، حيث قدم تشريحًا فريدًا ساهم فى طرح هموم جيل جديد ورث صراعات الماضى، عبر صورة بطل ممزق يسعى لتجاوز حياة مزيفة وتخبطات محبطة؛ انطلاقا إلى آفاق أرحب وسياق مستقبلى جديد.
حقق أحمد طيباوى فى روايته الفائزة بجائزة الشارقة لأفضل كتاب عربى، معادلة ليست من السهولة بمكان، فرغم تلاحق الأحداث وتدافع الأفكار، إلا أن النص اتسم بنبرة هادئة ونظرة حالمة، حيث لعبت اللغة فى ذلك أحد أكبر عوامل التفوق فى تلك المعادلة، حيث يعتبر طيباوى اللغة واحدة من أهم مرتكزات الإبداع، ورغم ذلك لم يعول عليها حصرا فى تحقيق المزيج سالف الذكر، وإنما استعان أيضا بمخيلة خصبة وأفكار مشوقة تفيد القارئ وتحقق له التشويق والمتعة فى آن واحد.
تحاشى أحمد طيباوى فى «باب الوادى» الوقوع فى فخ المط والتطويل، ابتعد عن الحشو والثرثرة الزائدة عن الأماكن والأشياء دون حاجة سردية، لذا ورغم الأهمية الكبرى لما يمثله المكان فى تلك الرواية، إلا أنه لم يكن البطل الصريح والواضح، وإنما كان امتداد للبشر، رغم ما كان سيتيحه ذلك أمام المؤلف من حديث عن المعالم والشوارع والاستغراق فى وصفها، خاصة أن عنوان الرواية الذى يعد «عتبة النص»، يشير فى الأصل إلى أحد الأبواب التاريخية الخمس لمدينة الجزائر، وهو «باب الوادى».
ركز طيباوى فى روايته على الجذور التى تتركها الآثار والمعالم داخل النفس البشرية، حيث تجاوز التصوير السطحى للأشياء، وذهب باحثا عن روح الجزائر التى تتزاحم فيها الأزمنة، حيث نجح فى وضع مسألة الهوية ضمن إطارها الأشمل، زمنيا من ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى سنوات قليلة ماضية، ومكانيا بين ضفتى المتوسط، والأزمة الدموية فى تسعينيات القرن الفائت لم تكن سوى فصل منها.
يلمس القارئ وسط تعمد طيباوى فى استخدام اللغة الشاعرية، بأنه بصدد مبدع يريد أن يضفى لمسات الخيال والإبداع فى نصوصه، حتى وإن جرى توظيف ذلك لإعادة إنتاج الماضى والواقع، ولكن هناك مقدارا محسوبا ومتعمدا للاهتمام بالجوانب الإنسانية، مع رسم دقيق للشخصيات التى تظهر لتعكس لنا حيثيات اجتماعية وثقافية مختلفة، فلا يمكن أن نصنف «باب الوادى» كرواية تاريخية، فأغلب تفاعلاتها وأحداثها جرت فى العقد الثانى من الألفية الجديدة، والعودة للخلف فيما يخص بعض شخصياتها كانت لضرورة كشف سيرتها كاملة ليس أكثر من ذلك.
يشعر القارئ فى مواضع عدة بـ«باب الوادى»، أن هناك تقاطعات واضحة بين ما يقرأه وبين ما تمر به الأوطان عموما، أو بين ما تموج به حياته، وبين هموم البلاد، وفى هذا الشأن قال طيباوى نفسه فى تصريحات سابقة لـ«الشروق»: الإسقاطات ليست قطعية الدلالة ومباشرة، ما نتمثّله دوما أبسط بمراحل من تعقيدات الواقع. لن أحجر على رأى قارئ قد يخبرنى فى الغد بأن بطلى «كمال» هو الجزائر المنقسمة، الباحثة عن هوية ترضى بها وتكون محل إجماع من أبنائها، كما لا يمكننى ذلك إن رأى ناقد أو قارئ آخر بأن له تفسيرا آخر. قوة النص تكمن فى الابتعاد عن المباشرة وتعدد التأويلات، من كتب هذه الرواية هو أحمد طيباوى، أما من سوف يقرأونها ويكون لهم حرية التلقى فهم كثيرون جدا.
أحمد طيباوى؛ روائى جزائرى وأستاذ محاضر فى إدارة الأعمال، صدرت له أربع روايات: اختفاء السيد لا أحد (جائزة نجيب محفوظ للأدب من الجامعة الأمريكية بالقاهرة 2021)، موت ناعم (جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابى بالسودان 2014)، مذكرات من وطن آخر، المقام العالى (جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب 2011 بالجزائر)، ومجموعة قصصية «وجه على الحافة».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك