لفتت مشاركة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، في المظاهرات التي ترفض ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، الأنظار إليها مجددًا، فقد اعتبرها الكثير من المتابعين للأحداث رمزًا لهذه التظاهرات، مستدعين تاريخها في النضال.. فمن تكون جميلة بوحيرد أيقونة الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي؟
-الميلاد والنشأة
ولدت جميلة بوحيرد عام 1935 في أسرة من الطبقة المتوسطة، لأب جزائري مثقف وأم تونسية، في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية، وقد كانت الابنة الوحيدة بين 7 أشقاء.
التحقت بمدرسة فرنسية في صغرها، كانت تجبر الطلاب على ترديد النشيد الوطني الفرنسي، والذي يقول «فرنسا هي أمنا»، كل صباح، لكن «بوحيرد» كانت دائمة ما تردد «الجزائر هي أمنا»، وهو ما دفع مدير المدرسة الفرنسي لمعاقبتها وقتذاك.
وبعد إنهائها التعليم المدرسي، التحقت بالمعهد العالي للتطريز والخياطة، تحقيقًا لهوايتها في تفصيل الملابس.
-النضال ضد الاحتلال الفرنسي
عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 انضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية لمقاومة الاحتلال الفرنسي، وقد كان عمرها حينئذ 20 عامًا، ولاحقًا انضمت إلى مجموعة من الفدائيين، وأصبحت بذلك أول المتطوعين لزراعة القنابل في الطرق التي يعتاد الاحتلال الفرنسي على استخدامها، وبسبب هذه الأعمال أصبحت المطلوب الأول في الجزائر.
ثم قامت في 26 يناير من عام 1957 بتفجير قنبلة موقوتة في أحد النوادي الذي كان يرتاده شباب فرنسيون كانوا يقضون خدمتهم العسكرية في الجزائر، ثم تبع ذلك عدة تفجيرات أخرى.
وفي 9 من أبريل عام 1957 قبضت عليها دورية فرنسية بعد إطلاق النيران على ساقها، وعثر معها على وثائق فضلًا عن الرسائل، والكثير من الأموال، مما أثبت أن لها علاقة مع ياسف السعدي، قائد الفدائيين.
-حكم بالإعدام
تعرضت «بوحيرد» للضرب والتعذيب والصعق بالكهرباء على جراحها في ساقها وثدييها، وفي 16 يوليو من 1957 حكم عليها بالإعدام، وأثناء سجنها كانت تردد «جزائرنا»، بينما كان صداها يصل إلى مسامع الناس في الطرقات.
وعندما تعرضت للتعذيب أثناء اعتقالها، صرخت: «أعلم أنكم ستحكمون عليّ بالإعدام، ولكن تذكروا أنكم بهذا تغتالون الحرية في بلادكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة ومستقلة».
وخرجت مظاهرات شعبية ضد حكم الإعدام الذي صدر ضدها، وقد حازت قضيتها اهتمام محلي وعالمي، وقد تم تحديد يوم 7 مارس من 1958 لتنفيذ حكم الإعدام، لكن تم تأجيله.
وصدر في الشهر التالي مرسوم بتخفيض العقوبة من الإعدام إلى السجن مدى الحياة، لكنها قالت: «أفضل الموت على الحياة في السجن، كنت أتمنى لو أنهم أعدموني لتخليصي من العذاب الذي أعانيه الآن».
-إطلاق سراحها وزواجها من فرنسي
عقب استقلال الجزائر أطلق سراحها في عام 1962، ثم تزوجت من محاميها الفرنسي جاك فيرجيس في عام 1965، وقد عملت معه على تأسيس مجلة ترصد أخبار الثورات القومية في القارة الإفريقية.
انفصلت عن زوجها في عام 1991، وظلت تعيش بمفردها منذ ذلك الحين في الجزائر، وتتقاضى راتبًا من الحكومة، وتشارك في بعض الأعمال المجتمعية من وقت لآخر، لكنها لم تحصل قط على أي منصب في الدولة بسبب زواجها من فرنسي.
-معاناة من الأحوال المعيشية
وجهت في عام 2009 رسالة إلى الرئيس عبد العزيز بو تفليقة، وأخرى إلى الشعب الجزائري، اشتكت فيهما من معاناتها الصحية والاقتصادية، مطالبة بمراجعة معاشها الذي تتقاضاه، حتى تتجاوز ظروفها الصعبة، وتعيش ما تبقى من عمرها في كرامة.
وكشفت كذلك أنها تلجأ إلى الاقتراض كي تحصل على قوت يومها، نظرًا لقلة ما تتقاضاه من معاش، داعية من يريد التأكد من وضعها إلى مراجعة المحلات التي تتبضع منها، كي يطلع على ما تقترضه من أموال لسد حاجاتها اليومية.
وفي الرسالة التي وجهتها إلى الشعب الجزائري وتناقلتها وسائل الإعلام في 2009 قالت: «أجد نفسي اليوم في وضعية حرجة، فأنا مريضة والأطباء طلبوا مني إجراء 3 عمليات جراحية خطيرة، مكلّفة لا يمكنني التكفل بها، سواء تكاليف الإقامة في المستشفى والعمليات الجراحية والعلاج والدواء والإقامة في فندق، حيث لا يسمح لي معاشي الضئيل والمنحة التي أتقاضاها بسبب حرب التحرير بالتكفل بكل هذه النفقات».
واختتمت رسالتها مستغيثة بالشعب بقولها: «ولهذا أطلب منكم مساعدتي في حدود إمكانياتكم»، مشيرة إلى أنها رفضت قبول المساعدة من بعض أمراء الخليج.