فايننشال تايمز: الضربات الإرهابية والعزلة الدولية والأكراد وراء تغيير موقف أنقرة.. وموسكو مستاءة من فشل الأسد ميدانيا
مصادر: الحكومة التركية فتحت قنوات اتصال مع نظام الأسد عبر الجزائر.. ورتبت لقاءات بين قادة المعارضة وروس
لم تمنح الحرب الأهلية الدائرة بسوريا قبل 5 سنوات اللاعبين الاقليميين والدوليين، إلا فرصا قليلة جدا لمراجعة أدوارهم ومنطلقاتهم، لكن التحول الأخير فى الموقف التركى، الداعم الأكبر للمعارضة السورية، وتقاربها مع روسيا، بل ودعوتها لحل سياسى، يحتمل أن يكون أبرز اللحظات الفارقة فى الصراع الذى اودى بحياة 300 ألف شخص فضلا عن ملايين النازحين.
وأوضحت الصحيفة أن نزول الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على طلب موسكو بالاعتذار عن إسقاط مقاتلة روسية قرب الحدود السورية العام الماضى، جاء ليشير إلى أن أنقرة يمكن أن تلين موقفها بشأن سوريا، وأن البلدين يعيدان تقييم دورهما فى الصراع.
وقالت الصحيفة إن تركيا بعد أعوام من تمزق تحالفاتها وخسائرها التجارية وتزايد الهجمات المسلحة، باتت تشعر بأنها معزولة دوليا فى الوقت الذى تواجه فيه داخليا المتمردين الأكراد وخطر تنظيم «داعش».
ونوهت الصحيفة إلى تصريحات وزير الخارجية التركى مولود جاووش أوغلو بعد لقائه نظيره الروسى سيرجى لافروف، أمس الأول، بأن على أنقرة وموسكو العمل معا من أجل حل سياسى فى سوريا، مشيرة فى الوقت ذاته إلى أنهما تمثلان قوتين خارجيتين منخرطتين فى إراقة الدم فى سوريا؛ فتركيا من خلال فتح حدودها الجنوبية، كانت شريان الحياة للمعارضة التى تقاتل نظام الرئيس السورى بشار الأسد، بينما تلعب روسيا دورا لا يقل أهمية فى الصراع عبر دعمها الأسد من خلال حملة جوية مستمرة منذ أشهر.
ورأت «فايننشال تايمز» أن الصحف التركية الموالية للحكومة تؤسس لتحول فى الموقف التركى إزاء سوريا، مشيرة إلى ما جاء فى مقال الكاتبة التركية ميرفى اوروك فى صحيفة «ديلى صباح» الموالية للحكومة التركية بأن «الهجمات الإرهابية القاتلة التى تشهدها البلاد، تدفع أنقرة نحو تغيير أولوياتها والعدول عن سياستها إزاء سوريا، والتى كانت تستند فى معظمها على المبادئ الإنسانية»، على حد قولها.
بدوره، قال هارون شتاين، الباحث البارز فى المجلس الأطلسى (مقره فى واشنطن) إن «تركيا تتطلع إلى «تضييق أهدافها فى سوريا»، مضيفا أن «أولويتها ستتمثل فى قمع المتمردين الأكراد وإضعاف تنظيم داعش، وهى أهداف يتوقع أن تلقى دعما من موسكو فى مقابل تخلى أنقرة عن مطالبتها بتغيير النظام فى دمشق».
ويؤكد مسئولون روس، حسب الصحيفة، أن موسكو ليست مرتبطة بالأسد، ولكن ما يهمها هو الحفاظ على الدولة ومكافحة الإرهاب، بل أن ثمة إحباطا متزايدا يتنامى لديها من فشل قوات الأسد فى السيطرة على الأراضى فى الأشهر الأخيرة على الرغم من الدعم الروسى، ملمحين إلى أن موسكو تعيد تقييم موقفها.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسى مقيم فى سوريا (لم تسمه) قوله إن «الجميع فى فترة إعادة حسابات لمواقعهم لأننا جميعا نعرف أنه لن يكون هناك اتفاق سلام وشيك فى سوريا».
وأشار الدبلوماسى الذى تربطه صلات وثيقة بموسكو، إلى وجود شعور متزايد بأن الولايات المتحدة وروسيا لن يكون بمقدورهما الاتفاق على إطار خاص بعملية الانتقال السياسى فى سوريا قبل الأول من أغسطس المقبل، وهو الموعد الذى سبق وأعلناه لانجاز ذلك الأمر.
ولفتت الصحيفة إلى أن أنقرة غاضبة من أن واشنطن حليفتها فى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، تنسق فى معركتها ضد «داعش»، بشكل وثيق مع القوات الكردية السورية ذات الصلة بحزب العمال الكردستانى المحظور فى تركيا.
وكشفت الصحيفة أن «تركيا تجرى تحركات هادئة قبل بدء حملة دبلوماسية علنية فيما يخص الأكراد». ونقلت عن دبلوماسيون (لم تسمهم) إن أنقرة فتحت بالفعل قنوات اتصال خلفية مع النظام السورى، عبر الجزائر، لمناقشة قضية الأكراد.
وقال مسئول بارز فى حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا لوكالة «رويترز» منتصف الشهر الماضى، إن «الأسد فى نهاية المطاف قاتل. إنه يعذب شعبه، لن نغير موقفنا من ذلك». وأضاف المسئول الذى طلب عدم نشر اسمه «لكنه لا يؤيد حكما ذاتيا للأكراد، ربما لا نحب بعضنا البعض، لكن فى هذه المسألة نؤيد نفس السياسة».
إلى ذلك، أفادت «فايننشال تايمز»، بأن تركيا قبل أسبوع من اعتذارها لروسيا، رتبت لقاء سريا بين قادة المعارضة السورية ومسئولين روس، بحسب ما أفادت شخصيات مقربة من هؤلاء القادة.
إلا أن دبلوماسيين غربيين، حسب الصحيفة، استبعدوا حدوث تحولات مفاجئة فى العلاقة بين تركيا وروسيا، مرجحين أن الانفراجة فى العلاقات بين البلدين ستركز على المصالح الاقتصادية.
وأكدت الصحيفة فى ختام تقريرها أن هذا الموقف لن ينطوى على تناقض، فعلى سبيل المثال فإن روسيا عززت علاقاتها الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية أبرز داعمى المعارضة السورية، كما حافظت أنقرة على علاقاتها التجارية مع طهران رغم دعم الأخيرة لنظام الأسد.