الاحتضان مش حرام وسنصنع المعجزات.. قصص واقعية لأمهات محتضنات: حق كل طفل يكون له عائلة - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:36 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاحتضان مش حرام وسنصنع المعجزات.. قصص واقعية لأمهات محتضنات: حق كل طفل يكون له عائلة

ياسمين سعد
نشر في: الأربعاء 7 يوليه 2021 - 11:08 ص | آخر تحديث: الأربعاء 7 يوليه 2021 - 12:17 م

نجحت دراما مسلسل "ليه لأ" في التوعية بأهمية الاحتضان، حيث ارتفعت نسبته في مصر، وصدر تقرير رسمي عن وزارة التضامن الاجتماعي، يؤكد أن الإقبال على كفالة الأطفال اليتامى زاد منذ بدء عرض حلقات المسلسل، وسط حملة أطلقتها مؤلفة العمل، وتبنتها بطلة العمل "منة شلبي" بعنوان "الأطفال مكانها البيوت"، التي تدعو للتوسع في احتضان الأطفال المودعين بدور رعاية الأحداث.

وبحسب التقرير، أكدت وزارة التضامن الاجتماعي أنها استقبلت أكبر عدد طلبات كفالة تم تقديمه في عام واحد في تاريخ الوزارة بعد عرض المسلسل، وأشارت إلى أنها تدرس حاليا 2700 طلب كفالة، أغلبهم من فتيات لم يسبق لهن الزواج، كما أعلنت الوزارة عن وجود 11 ألفا و900 طفل مكفول حاليا في مصر، بينما يوجد 123 طفلا مكفولا خارج مصر، وهناك 10% من الأسر البديلة للأطفال "آنسات"، كما يوجد 1100 سنجل مازر في مصر.

الاحتضان هدف نبيل، ومعنى حالم، رصدته الدراما المصرية برومانسية عذبة في مسلسل "ليه لأ"، لكن هل يطابق الواقع ما نراه في المسلسل؟. قبل اتخاذ قرار الاحتضان، عليك قراءة هذه القصص الواقعية التي تصف جميع مراحل الاحتضان، بدءا من اتخاذ القرار، وحتى سنوات ما بعد الاحتضان.

• المرحلة الأولى من الاحتضان.. رحلة اليأس والأمل

تعمل "فاطمة"، التي تبلغ من العمر 35 عاما، كمنسق صحي مجتمعي في هيئة إنقاذ الطفولة، وهي متزوجة ولديها طفلين، "علي" الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، و"عبدالرحمن" الذي يبلغ من العمر 7 سنوات فقط، وقد تأثرت "فاطمة" من خلال عملها في هيئة إنقاذ الطفولة بقصص الأطفال الذين بلا مأوى، لكن كانت تخشى من فكرة أن يكون هذا مخالفا للدين؛ لأن زوجها لن يكون محرم للابنة طالما أنها لم ترضعها بنفسها.

عندما اشتركت "فاطمة" في جروب "مؤسسة الاحتضان في مصر لكفالة الأطفال"، وعلمت أن هناك ورش للاسترضاع، تستطيع أن تشارك بها وتتعلم كيفية الرضاعة الطبيعية دون الإنجاب، تشجعت في عرض الأمر على زوجها، وفوجئت أنه تحمس للفكرة، واتخذا أول خطوة، وهي إبلاغ العائلة بقدوم مولودة جديدة.

هنا بدأ الحلم الوردي في احتضان طفلة يتحول إلى اللون الرمادي، وذلك عندما واجهت "فاطمة" معارضة عائلتها، فقد سألها الجميع "لماذا الاحتضان؟ وماذا يعني؟" وآخرون قالوا: "الاحتضان حرام، اسمه الكفالة"، "كل ما عليكم فعله هو وضع المال للابنة في دار الرعاية والتكفل بمصاريفها فقط"، حتى أن البعض سأل عن مشاكل صحية لدى الزوجين تعارض الإنجاب، رافضين تماما قرار الاحتضان قائلين: "احمدوا ربنا أنكوا عندكوا عيال، اقدروا بس على مصاريفهم الأول".

قالت "فاطمة": "اتفقت مع حماتي على أن أقوم بتسمية ابنتي تيمنا باسمها، لكنها رفضت تسمية بنتي بالحضانة على اسمها، فقالت (أنت هتجيبي أي واحدة تديها اسمي، لا طبعا)، أما والدتي فتخلت عن مساعدتي تماما، وقالت (اوعي تفتكري إني هشيلها ولا هساعدك فيها)".

بدأت "فاطمة" و"عمر" في اتخاذ إجراءات الكفالة في 14 فبراير الماضي، وحصلا على الموافقة بالكفالة في 11 أبريل، أي بعد ما يقارب شهرين فقط، وبعدها بدأت تتصل "فاطمة" كل يوم بـ3 دور رعاية كورد يومي لها، وسجّلت اسمها في قوائم الانتظار بجميع دور الرعاية بمصر، من القاهرة لأسوان، كما أنها سافرت من مكان سكنها بالقاهرة إلى عدد من دور الرعاية في المحافظات مثل المنيا، طنطا، والإسكندرية.

بالتزامن مع رحلتها في البحث بدور الرعاية، بدأت "فاطمة" رحلة من نوع آخر داخل جسدها، حيث أخذت تؤهله لاستقبال المولودة الجديدة، فكانت تتناول يوميا لمدة شهر كامل 12 قرصا من أدوية "موتيليوم" و"هيربانا" لتنشيط الغدد اللبنية لديها، كما كانت تقوم بواجبها اليومي خلال هذا الشهر، وهو 8 جلسات تشفيط في اليوم، مدة كل جلسة ربع ساعة، حتى تحصل على 5 رضعات مشبعة، ووقتها فقط تعلم أن جسمها استعد بالفعل لاستقبال "فريدة".

خلال هذا الشهر الذي مر عليها كعقد من الزمان، تلاعبت الهرمونات بجسد "فاطمة"، وتلاعبت الأفكار بمشاعرها، فأصبحت مزاجية، متألمة من الداخل، فجسدها شعر بالإنهاك ولا تنجح بعد كل هذه المشقة في وجود لبن لإرضاع الابنة، كما زادت لديها حدة الاكتئاب الذي تعاني منه من الأصل بشكل مزمن، وكانت وقتها تسمع والدتها وهي تقول "كان عليكي من ده كله بإيه".

اختارت "فاطمة" فكرة تعينها على هذه المصاعب، فكانت تصور نفسها في كل لحظة يأس، حتى عندما تبكي، كل خطوة، وكل إجراء، وتحتفظ بهذه الصور لديها، حيث قالت: "كنت عاوزاها لما تكبر، تعرف إني تعبت فيها وحبتها من غير ما أشوفها زي الحمل بالظبط، وتعرف إنها كانت تستحق كل التعب ده".

في 8 يونيو الماضي، رن هاتف "فاطمة"، فوجدت أن دار رعاية في المنيب يخبرها بالعثور على فتاة تبحث عن عائلة، فذهبت "فاطمة" على الفور، وفوجئت بأن البنت التي عثر عليها، تبلغ من العمر 5 أيام فقط، وعندما حملتها، قالوا لها إن اسمها أيضا "فاطمة"، وعندما فتحت عينيها، نادت "فاطمة": "فاطمة، بنتي".

انتهت رحلة اليأس والأمل بالنسبة لـ"فاطمة" عندما أرسلت صورة ابنتها التي أسمتها "فريدة" كما كانت تتمنى، إلى زوجها ووالدتها، التي عندما رأتها قالت: "إزاي البنت دي شبهك كده، دي بنتك يا فاطمة"، وهي الآن تقوم بتحضيرات الحفل مع أبناءها لاستقبال ابنتها بمنزلها الجديد، وذلك بعد انتهاء مدة الإجراءات، أي بعد 3 أشهر من الآن.

• المرحلة الثانية من الاحتضان.. أول مرة ابني يقولي يا ماما

"لولا تعديل القانون، مكنش هيبقى (رامي) في حضني"، هكذا قالت "ليلى سيف النصر"، التي تبلغ من العمر 36 عاما، وتعيش هي وابنتها "حبيبة"، التي تبلغ من العمر 18 عاما في منزل عائلتها بالمنيا، وذلك بعد طلاقها من زوجها منذ سنوات طويلة.

تقول "ليلى": "عندما حصلت على الطلاق، كانت (حبيبة) تبلغ من العمر عامين فقط، وكنت وقتها أبلغ من العمر 21 عاما، ولم أقبل الزواج مرة أخرى لأتفرغ لتربيتها، فعدت إلى منزل عائلتي وعشت لها فقط، وكانت أمنية حياتي هي احتضان طفلة لتكون شقيقة (حبيبة)، لكن لم أستطع، لأن القانون لا يقبل أن تحضن المطلقة، أو السيدة غير المتزوجة، طفلا، فتبدد حلمي للأسف".

منذ 6 أشهر، وجدت "ليلى" جروب "الاحتضان في مصر لكفالة الأطفال"، وشاركت تجربتها مع الآخرين، وفوجئت بتعديل القانون، وأنها تستطيع الآن أن تكفل طفلا، وبعد انتظارها لهذه اللحظة لمدة دامت 15 عاما، لم تضيّع "ليلى" أي وقت آخر، وذهبت على الفور لتقديم الأوراق المطلوبة للاحتضان، وحصلت على الموافقة في 24 مايو الماضي، وذهبت هي وابنتها "حبيبة" في رحلة لاختيار الطفلة المنتظرة.

كانت تنوي "ليلى" أن تحتضن طفلا أقل من عمر العامين، حتى تقوم بإرضاعه رضاعة طبيعية، لكي يكون ابنها بالرضاعة؛ لذلك لم توافق على حضانة "رامي" الذي اختارته ابنتها وأحبته من أول نظرة، وعادا إلى المنزل خاليا الوفاض.

تقول "ليلى": "لما روحت البيت كل اللي افتكرته هو منظر (رامي) وهو واقف مستخبي ورا السرير وهادي وخايف، فروحت أشوفه تاني، مقدرتش، (رامي) هو اللي اختارني، ده ابني، لما روحت المرة التانية مكنتش طايقة الأسبوعين اللي كان بعيد عني فيهم، كنت بحلم بيه كل يوم، وأصحى أقول (ليه يا ابني يا حبيبي منتاش معايا)".

أخيرا جاء اليوم المنتظر، ووصل "رامي" إلى منزله، فرحب به جده وجدته، وظل هادئا لبعض الوقت، تقول "ليلي": "عندما وصلنا إلى المنزل، لم أشعر بأي غربة عن (رامي)، فهو ابني منذ اللحظة التي احتضنته فيها، لكنه كان هادئا جدا، استغرق يومين لكي يشعر بالأمان في منزله الجديد"، ثم استكملت حديثها ضاحكة: "النهاردة باسني، أول مرة يبوسني وأول مرة يقولي يا ماما".

احتضان "رامي" ليس الخطوة الأخيرة بالنسبة لـ"ليلي"، فهي عزمت على أن تحتضن بنتا، كما كانت تأمل كطفلة ثالثة لها، قائلة: "أنتظر انتهاء المدة القانونية الفاصلة بين احتضان طفل وآخر على أحر من الجمر، فأريد احتضان الابنة الثالثة لي، وحمدا لله على دعم والدي ووالدي، وبفضلهم سأحتضن الطفل الثالث قريبا".

أكدت "ليلى" رفضها التام للزواج مرة أخرى بالرغم من صغر سنها، قائلة: "شوفت على الجروب قصص ناس سابوا عيالهم اللي احتضونهم بسبب أزواجهم، أنا عمري ما هتجوز، مش هسمح لرجل إنه يخليني أسيب (رامي)، ده ابني، وأنا باخاف على عيالي".

• المرحلة الثالثة.. هاحمي بنتي من جهل المجتمع

بدأ هذا المشوار الطويل من تعريف المجتمع بالاحتضان من قصة هذه الأم، "يمنى دحروج"، الأم الثلاثينية التي احتضنت ابنتها "ليلى" في أواخر عام 2018م، بعد 10 سنوات من الزواج دون إنجاب، وكانت تبلغ "ليلى" من العمر وقتها 3 أشهر فقط، وقالت "يمنى" عن لحظة لقاءها بابنتها: "أرواحنا قابلت بعض".

بعد 3 سنوات من الاحتضان، لم تشعر "يمنى" بأي فارق، فـ"ليلى" ابنتها منذ أن وقعت عينيها عليها، قائلة: "عمري ما حسيت إنه (ليلى) محتضنة، (ليلى) بنتي، مفيش بيننا الكلام ده، حتى وأنا باتكلم عن الاحتضان باحس إنه أنا و(ليلى) بره الموضوع ده، دي حاجة بتكلم عنها، بس (ليلى) بنتي".

لم تكتف "يمنى" بأنها احتضنت "ليلى"، فهي وجدت أن المجتمع لم تتغير مفاهيمه، ويظن بعض الناس أن "الاحتضان حرام شرعا"، فدفعها ذلك للتفكير في حماية ابنتها من جهل المجتمع، بإنشاء أول مؤسسة لاحتضان الأطفال في مصر، حتى تغير المجتمع بأكمله، من أن أجل ابنتها "ليلى".

قالت "يمنى": "المجتمع جاهل جدا، أخاف على بنتي تكبر جواه وهما مايعرفوش يعني إيه أسرة حاضنة، ويعني إيه بنت محتضنة، ماقدرش أخلي بنتي تكبر في مجتمع جاهل بيها، فقررت إني أعمل المؤسسة بعد ما كفلت (ليلى) بـ3 أيام بس".

رحلة استمرت ما يقارب عامين، عاشتها "يمنى" وهي تحارب مجتمعا لا يعلم شيئا عن الاحتضان، ووسط إداريين يضعون لها العقبات؛ لأن حتى المسئولين عن إصدار أوراق المؤسسة لا يعملون ما هو الاحتضان، وظلوا يسألونها مرارا وتكرارا: "يعني إيه الهدف من المؤسسة دي بالظبط؟".

كما واجهت "يمنى" أيضا كلمات المجتمع القاسية، مثل "هتعملي مؤسسة تفضحي بنتك بيها؟ حرام عليكي"، وأيضا مثل "بكره هتندمي ومش هتعرفي تغيري فكر المجتمع"، لكن أثبتت "يمنى" أن "قلب الأم قادر على أن يصنع المعجزات"، فقد تم إشهار مؤسسة "الاحتضان لكفالة الأطفال" في مصر في يونيو الماضي، برقم إشهار 11284 لعام 2021م.

اختتمت "يمنى" حديثها قائلة: "الحمد لله عدد الأطفال المعثور عليهم بيقل كل يوم، ودلوقتي بنركز على زيادة الوعي عند الناس، علشان يعرفوا إنه (احتضان الطفل مسئولية ومش ترند)، ده ابنك، ومن حق كل طفل إنه يكون ليه عيلة".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك