«عصير الكتب».. نظرة على أفكار 100 مؤلف فى 100 كتاب - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 12:56 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«عصير الكتب».. نظرة على أفكار 100 مؤلف فى 100 كتاب

عرض ــ دينا عزت:
نشر في: الجمعة 10 فبراير 2017 - 10:59 ص | آخر تحديث: الجمعة 10 فبراير 2017 - 11:44 ص

علاء الديب يجوب مع القارئ عوالم المبدعين فى الشعر والأدب والموسيقى والفن التشكيلى
إبراهيم أصلان: الكتاب شهادة على إبداعات حقبة ثرية ومثيرة
بلال فضل: يساعد الأجيال الجديدة على معرفة أجمل الكتب التى قدمها الديب للقارئ

“كتاب صغير رقيق٫ يكاد يشف، كأنه البللور، روح الكاتب فيه صافية تتطلع من موقع انساني ممتاز الي الحياة والكون... تراقب الزمان وتستخرج الشعر من المكان... الجمل كأنها أغصان أحسن تهذيبها والقصة تتكون في بطء وأستاذية دون أن تفقد صلتها بتيار الحياة والواقع كأنها في النهاية كيان غير منفصل". هذا بعض مما كتبه الاديب والناقد علاء الديب في الفصل المعنون "الشيخوخة في ضوء الشموع" والذي خصصه لكتابة قرائته ومراجعته النقدية "الشيخوخة وقصص اخري" لمؤلفته لطيفة الزيات، الصادر عن دار المستقبل العربي

 

الفصل الذى كتبه الديب عن الزيات هو فى الاصل مقال فى زواية الكاتب الاسبوعية «عصير الكتب»، وهذا المقال المنشور فى الخامس عشر من مايو 1990 اجتمع مع ما يزيد على مائة مقال آخر، عن اكثر من مائة كتاب لنحو مائة مؤلف، فى كتاب جمعته واصدرته دار الشروق عام 2010 ثم أعادت طبعه قدر ما لاقى من ترحيب القراء الذى يجد بين يديه فى أقل من 400 صفحة من القطع الكبير رحلة أدبية بديعة وهادئة وبعيدة عن كل تعال فكرى يصحبه فيها الديب فى دروب الادب والشعر والمذكرات والموسيقى والفن التشكيلى ليتعرف على كتاب من مصر والعالم العربى ربما لم يكن قد طالع لهم ذكرا من قبل، وليعود ربما إلى بعض ما قرأ من الإنتاج الأدبى لكبار المؤلفين أو ليدون على ورقة صغيرة ــ أو على الأرجح كبيرة ــ عناوين لكتب سيشعر انه يود ان يقرأها أو يعود لأرفف مكتبته لتمتد يده إلى كتاب كان قرآه ولكنه لم يره كما فعل عندما قرأ ما كتبه عنه الديب.

وفى عرضه لما يقرأ فإن الديب، كما يقول فى مقدمة كتابه، ليس ساعيا لأن يقدم نقدا بالمعنى التقليدى للكلمة ولكنه ساعيا للإسهام فى تفعيل دور الكلمة كما يراها فى تحقيق «الطموح الأساسى للكتاب فى ان يكون مشاركة فى التفكير العام».
وفى هذا فإن الديب لا يكتفى دوما بالتعليق على ما يقرأ ولكنه ايضا يقتبس احيانا ما شاء له الاقتباس، وهو فيما يكتب عن الزيات فى كتابها عن الشيخوخة ينقل جملها: «الشيخوخة هى شعور الفرد بأن وجوده زائد وأن الستار قد أسدل ولم يعد له دور يؤديه، وهى الافتقار إلى معنى الوجود ومبرره الناتج عن هذا الشعور، والشيخوخة بهذا المعنى حالة وليست مرحلة من العمر.. والشيخوخة بهذا المعنى مرض لا يصيب سوى الإنسان المريض.. قد يطعن الانسان فى السن ويضطر إلى تغيير عدسات القراءة المرة بعد الأخرى، قد لا تحلمه ساقاه ويضطر إلى الاستناد إلى عكاز أو ذراع بشرية ولكنه لن يستعشر أبدا برد الشيخوخة ولا الإحساس بانعدام الوزن ما ظل يناطح، ويبدأ عملا وينهيه، يقبل تحديا فكريا أو ماديا ويتجاوزه، ويتبين منتشيا ومحتضنا للذات المزيد من القدرة على المناطحة»
كما أن الديب ينقل عن الزيات فى فصل متقدم من كتابه خصه لكتابها «صاحب البيت» الصادر عن روايات الهلال فى 1994 نفس عام نشر مقال الديب فى صباح الخير: «لقد لعبت دائما لعبة صاحب البيت متى واين لا تعرف، وان تمكن منها الشعور بأن صاحب البيت كان دائما معها بصورة أو بأخرى يملى عليها دائما وبدأ لعبته» ــ حيث يلفت الديب إلى ما تعبر عنه من «ألوان القهر المحسوسة وغير المحسوسة».
يقترب الديب فيما يعرض كثيرا لآلام اختار المؤلفون ان يشاركوا فيها قارئهم ادبا أو شعرا أو مذكرات، فهو ينقل عن فاروق شوشة، فى مقال خصه فى بابه بمجلة صباح الخير عام 1979 لديوان شوشة «فى انتظار ما لا يجىء»، وضمته الشروق فى كتاب عصير الكتب تحت عنوان: الصوت الحقيقى لفاروق شوشة.. آلام مرور العمر دون التحقق مما كان ربما هدفا، لافتا إلى «اعترافات العمر الخائب» التى يقول عنها انها «قصيدة محورية فى الديوان، والتى تحكى حكاية العمر السليب.. الذى اتاح للمحاربين بطولة وحيدة هى الاعتراف والندم عندما ينادى الشاعر بطل الديوان الوحيد قائلا:
«يا ايها المسافر الوحيد قف
فالأرض غير الأرض والزمان خان
غادر الأحباب، صار الناس غير ما عرفت فاسترح».
وهكذا ايضا يقترب الديب فيما يعرض لكتاب «مذكرات جندى مصرى فى جبهة قناة السويس»، المكتوب بقلم الطبيب الشهيد أحمد حجى، والذى هو «مذكرات بسيطة، مضيئة بحب هذا الوطن، تروى عن الجنود فى حرب الاستنزاف 1969، وما بعدها حتى العبور» الذى لم يعش المؤلف ليكون ضمن الجنود الذين فرحوا به حيث كان استشهاده على جبهة القتال عام 1972، بعد ان «اقترب الشهيد من بطولات بسيطة تلقائية، وكان السؤال الذى يقلقه هو: كيف يسجل هذه البطولات التى لا تكتب عنها الجرائد ولا تطنطن لها الاذاعات؟.. بطولة الجندى الذى يموت وتنمحى الكلمات من فوق اوراقه، الاسم.. اى اسم، والمهنة.. غالبا فلاح، والعمر.. لا يتجاوز الثلاثين والموت والاستشهاد هى الحقيقة الوحيدة التى يملكها مع حفنة فى اليد من تراب الوطن.. ثم وهو يكتب: قلبى يسالنى متى تصفو الايام، وتعود لمصر سماؤها الصافية المشرقة، وتسترد قرانا ابناءها الراقدين على رمال قناة السويس، لتأنس بهم وترتاح إلى جدرانها الطينية ارواحهم،
وهذا الاقتراب الهادئ من آلام الكتاب الذين يعرض لهم الديب يظهر كذلك بود فيما يختار اقتباسه من رائعة ادوار الخراط «ترابها زعفران ــ نصوص إسكندرانية»، الصادرة عن دار المستقبل العربى، حيث يأخذ مما قال بطل الرواية ابن الاسرة القبطية المصرية السكندرية القادمة من الصعيد: «لم أكن أعرف ان البكاء على الاطلال موجع بهذا الشكل».
ولا يقدم الديب فى المقدمة الصغيرة التى اعدها لكتابه الجامع لتلك المقالات الأخاذة التفسير الواضح لأسباب اختياره لكتب بعينها ولكن ربما السبب المتعلق بالاسهام فى النقاش العام هو المعيار الاساسى، حيث تأتى مختارات الديب طارحة دوما لسؤال حول حقبة ما من التاريخ ــ المصرى والعربى وايضا العالمى لأن ما كتبه ضم مترجمات عن لغات أجنبية.
وفى هذا فما طرحه الديب فى عام 1988 فى قراءة لرواية «الرحلة» لمؤلفه فكرى الخولى الصادر عن دار الغد، من اقتراب من «التزاوج القاسى المؤلم الذى يحدث بين الفلاح والماكينة، بين القرية والمدينة الكبيرة، بين الصبى والفقر والأحلام المستحيل.. فى تسجيل نادر لنشأه الصناعة المصرية فى المحلة الكبرى وفيما لمست الرواية مما يحرق نفوس الصبية والشبان المطحونين بالظلم».
كما ان فى هذا ما يطرحه الديب فى عام 1989 فى قراءة لرواية «مديح الظل» لليابانى جونشيرو تانيزاكى عندما يقارب تناول الكاتب للعلاقة بين اليابان وغزو الحضارة والتكنولوجيا الغربية والامريكية من منظور محدد يتعلق بـ«تلك الخصوصية اليابانية» المتعلقة بحب الظلال بالمقارنة مع الهوس الاوروبى بالضياء حيث إن «اليابانى قد أبدع فى استخدام الظل، وعنده علاقة سرية بين الظل والجمال، فإن الطعام اليابانى يفقد جزءا من جاذبيته حين يقدم فى مكان مضاء، فالظل يطفى عليه نوعا من السحر، والبيت اليابانى القديم لا يستمد جماله من الديكور، الذى يخلو منه عادة وانما من توظيف كثافة الظل».
وكما يقول الاديب ابراهيم اصلان فى المقدمة الاولى لكتاب صديقه الاديب علاء الديب فإن «عصير الكتب» هو «فى حقيقة الأمر شهادة على ابداعات حقبة ثرية ومثيرة.. حقبة حافلة بالآمال والأحلام والمكابدة، هو يوقظ الذاكرة على مساحات من الأمكنة والأزمنة».
ولعل هذا هو ما يستلفت القارئ عندما يعرض لأسماء المؤلفين الواردة على قائمة الديب والتى بها ضمن من بها نجيب محفوظ «المعلم الكبير»، الذى يحظى بأكثر من ظهور من بينها «حديث الصباح والمساء ــ صباح الورد» الذى هو دوما «يكتب بحراه الهاوى وبتمكن من لا يعرف الادعاء.. فيكشف عن جملة سحرية يستطيع بها ان يجمع التاريخ من نابليون إلى الآن، يحول فيها الرأى السياسى والواقعة التاريخية إلى شخص ونبض انسانى، إلى لون وملمح وتقاسيم».
كما القائمة تضم أيضا طه حسين «التقدمى» والذى يعود الديب لكتابه «تجديد ذكرى ابوالعلاء» الصادر عن دار المعارف، والذى طبع عشرات المرات، بناء على الرسالة التى تقدم بها عميد الادب العربى للجامعة سنة 1914 لينال شهادة العالمية ولقب دكتور فى الآداب فى نص لم يكن الغرض منه، كما يقول حسين «وصف حياة ابى العلاء» وانما نريد ان ندرس حياة النفس الاسلامية فى عصره.
كما يطالع قارئ «عصير الكتب» ما كتبه الديب عن خيرى شلبى فى رباعية «الوتد» ورواية «فرعان من الصبار»، حيث تأتى الأعمال لـ«تعيد رسم حياة القرية المصرية من منظور جديد»، وكذلك ما كتبه الديب عن جمال الغيطانى فى «اوراق شاب عاش منذ الف عام» وهو يتحرك «فى ذاكرة الناس بحرية، وكانه يحاول ان يوقظ فيه شيئا وان يجعلهم يفسرون تفتت الواقع حولهم وانهياره بتلك الرجعة إلى التاريخ والذاكرة».
محمد المخزنجى وجميل ابراهيم عطية وسليمان فياض وصلاح جاهين وفؤاد حداد حاضرون فى العوالم التى يأخذ الديب إليها قارئ «عصير الكتب» وكذلك يحضر محمد برادة وعبدالرحمن منيف وسحر خليفة وغيرهم كثر.
ويحضر يحيى حقى كاتبا عن الكاريكاتير فى موسيقى سيد درويش فى كتابه «تعالى معى إلى الكوفسير» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، كما تحضر سمحة الخولى بكتابها «القومية فى موسيقا القرن العشرين» الذى هو «موسوعة وبحث موثق من خمسة فصول عن الموسيقى القومية» فى وسط اوروبا والبلقان والاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة وامريكا اللاتينية وبالطبع فى الشرق.
وفى فصلين متتالين يحضر جمال حمدان فى كتابه «العالم الاسلامى المعاصر» وسيد عويس فى كتابه «من وحى المجتمع المصرى» ثم يحضر سمير غريب فى كتابه «السريالية فى مصر»، حيث يذهب القارئ لمساحة خلابة من الشعر الفن التشكيلى لجماعة من الفنانين هم بالضرورة جماعة من السياسيين
والجزء اللافت فى كتاب الديب ربما هو ذلك الذى اختتم به فى فصل عنونه «فى ظل الكتاب» ــ والكتاب هنا هو «القرآن كتاب الله المعجز.. الذى لا حدود للجمال أو الاتساق فيه أو السكون.. القرآن قادر ونحن العاجزون بالتآويل والتفسير الضيق، وركام اللغويات والتشنجات التى تحجب نور القران وسحره فى بض القلوب».
كان الديب، كما يقول بلال فضل فى التقديم التالى لتقديم ابراهيم اصلان لكتاب الشروق، يظن ان احدا لن يهتم بهذا الكتاب «الذى يساعد الاجيال الجديدة ان تتعرف على اجمل الكتب التى قدمها علاء الديب للقارئ العربى فى العصر الذهبى لمجلة صباح الخير قبل ان تفقد طيشها الجميل مع سيادة عصر «صباح الخير يا مصر».
«عصير الكتب» لا يقل ابداعا عن ادب علاء الديب الذى احتفت الشروق قبل أيام بإصدار آخر ما خط من اعمال ادبية فى ندوة بمعرض الكتاب، اتت بعد اقل من اسبوع من عيد ميلاد هو الاول للرجل بعد ان غادرنا إلى آفاق أرحب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك