في قلب الأحداث 4.. مذكرات نبيل فهمي الصادرة عن دار الشروق: واشنطن تبحث عن وريث مبارك - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 3:28 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في قلب الأحداث 4.. مذكرات نبيل فهمي الصادرة عن دار الشروق: واشنطن تبحث عن وريث مبارك

عرض- أشرف البربري:
نشر في: السبت 15 يناير 2022 - 8:22 م | آخر تحديث: الخميس 20 يناير 2022 - 11:14 ص

موسى وسليمان وجمال و«الإخوان» أبرز الخيارات على القائمة الأمريكية لخلافة مبارك

البيت الأبيض وجه دعوة شخصية لنجل الرئيس لزيارة واشنطن ولقاء بوش

الأمريكيون فقدوا اهتمامهم بجمال بعد استقباله فى البيت الأبيض لعدم اقتناعهم بقدرته على إدارة دولة بحجم مصر

كونداليزا رايس تعاملت مع موسى بخشونة واضحة بسبب مواقفه الداعمة للفلسطينيين

النزعة البراجماتية ودوره فى الحرب على الإرهاب والعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية رجحت كفة سليمان

تواصل "الشروق" نشر مقتطفات لصفحات من كتاب "في قلب الأحداث" للدبلوماسي المصري البارز نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق، والصادر عن دار الشروق.

ويستعرض الكتاب نصف قرن من الأحداث الدولية والإقليمية والوطنية تابعها مؤلفه عن قرب؛ بصفته مواطنًا طموحًا وشاهدًا مباشرًا وممارسًا دبلوماسيًّا ومسئولًا سياسيًّا.

وفي الحلقة الرابعة، يروي فهمي كواليس الفترة المفصلية في تاريخ البلاد التي استبقت اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011، وجدل التوريث في عهد مبارك.

بسبب تشابك العلاقات الاقتصادية والسياسية الكبيرة فى الشرق الأوسط فى نهاية القرن العشرين، كانت الأطراف العربية والإفريقية والدولية تتابع عن كثب ما يحدث فى مصر فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك. وكان هناك اهتمام غربى وبخاصة من جانب الولايات المتحدة بالأوضاع السياسية فى مصر، حيث كانت واشنطن تسأل بشكل مباشر وأحيانا بشكل علنى عن خليفة مبارك المنتظر. وازداد هذا الاهتمام مع تنامى قلق أمريكا من تطورات الأوضاع فى الشرق الأوسط، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، خاصة مع تقدم مبارك فى السن.

وكانت الفكرة السائدة فى واشنطن هى أن انتشار الديمقراطية أفضل وسيلة لحماية المصالح الأمريكية فى الخارج على المدى البعيد. وبعد هجمات 11 سبتمبر، أصبحت التحركات الأمريكية لنشر الديمقراطية فى العالم أشد قوة وشراسة.

ومع تقدم مبارك فى السن، لم تعد واشنطن تراهن عليه، كجزء من مستقبل الشرق الأوسط، كما كانت محبطة بسبب عدم وجود خطة واضحة لانتقال السلطة أو لخلافته وفق جدول زمنى مقبول. وأصبح الأمريكيون حريصين على متابعة كل ما يتردد فى مصر من شائعات بشأن ترشح مبارك من عدمه فى الانتخابات الرئاسية التى كانت مقررة فى منتصف عام 2011، أو الشخصية المرشحة لخلافته إذا ما قرر التخلى عن السلطة. ويمكننى القول إننى رصدت وجود قائمة مرشحين محتملين لخلافة مبارك لدى دوائر صناعة القرار فى واشنطن، ولا يمكننى استبعاد أن يكون الأمريكيون قدموا الدعم لبعض هؤلاء المرشحين المحتملين أو غيرهم، لكننى لا أمتلك دليلا ماديا على ذلك.

وفى أواخر عقد التسعينيات وأوائل عام 2000، كان اسم عمرو موسى أول اسم تم طرحه كخليفة محتمل لمبارك، حيث كان يحظى بشعبية واضحة لدى مختلف قطاعات المجتمع المصرى، لكنه لم يكن يحظى بدعم المؤسسات السياسية فى الدولة مثل الحزب الوطنى الحاكم وأجهزة الأمن، ولو كانت الانتخابات قد أجريت بنزاهة، وبدون مشاركة مبارك، عام 2000 أو 2005، لكانت فرص فوز موسى كبيرة، إلا إذا تقدم مرشح مدعوم من الحزب والمؤسسات السيادية فستتراجع فرص موسى.

وكسفير لمصر فى واشنطن، يمكننى القول إن الولايات المتحدة لم تكن تحب موسى فى ذلك الوقت، فقد كان الأمريكيون يعتبرونه شخصية قيادية ووطنية، ذات نزعة استقلالية، وهو ما يصعب التعامل معه وبخاصة فى ضوء مواقفه القوية المؤيدة للفلسطينيين. وقد وضح هذا الموقف الأمريكى بجلاء فى آخر زيارة له كوزير خارجية إلى واشنطن قبيل انتقاله إلى جامعة الدول العربية، فى مارس ٢٠٠١ وبعد وصولى إلى واشنطن بنحو عام ونصف.

وكان فريق عملية السلام فى إدارة الرئيس بيل كلينتون قد أبلغ فريق خليفته جورج بوش بأن الخارجية المصرية، تتبنى مواقف متشددة وحماسية فى الدفاع عن الحق الفلسطينى وتعرقل الضغط على الفلسطينيين للقبول بما يعرض عليهم لتسوية النزاع، لذلك كان عمرو موسى الأكثر استهدافا سواء أمريكيا أو إسرائيليا.

وبدا تأثير رسالة إدارة كلينتون، واضحا على تعامل مستشارة الأمن القومى الأمريكى الجديدة كونداليزا رايس مع موسى فى أول لقاء لهما بعد تنصيب إدارة بوش، حيث تعاملت رايس معه بخشونة واضحة وألقت عليه محاضرة سخيفة ومتعالية فى طبيعة المشهد السياسى والمستقبل فى الشرق الأوسط. وفوجئت شخصيا بصبر عمرو موسى وهدوئه، وتجنبه الدخول فيما يراه جدلا لا طائل منه معها، مفضلا التركيز على التعاون المستقبلى مع واشنطن كأمين عام للجامعة العربية. وبعد هذا الاجتماع، بادرت بإبلاغ بوريس رايدل الذى احتفظ بمنصبه كمساعد شخصى للرئيس وكبير مديرى إدارة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا فى مجلس الأمن القومى الأمريكى، بأن لقاء موسى ورايس كان سيئا وغير مجد وأنها أخطأت فى حق مصر وحق موسى كثيرا.

أما المرشح المحتمل الثانى لخلافة مبارك، فكان اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة، وهو صاحب «خلفية عسكرية» وله خبرة كبيرة فى العمل المخابراتى. وبناء على تعليمات مبارك تواصل سليمان مع العديد من الشخصيات الدولية وبخاصة الأمريكية من خلال منصبه كمدير للمخابرات.

وكان سليمان يحظى بمكانة جيدة لدى واشنطن، حيث لعب دورا مهما فى العديد من الموضوعات ذات الصلة بالحرب على الإرهاب والعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وبالتالى كان له دور مهم بالنسبة للعلاقات العربية الإسرائيلية، وكان توجه سليمان السياسى توجها وسطيا مع نزعة براجماتية قوية.

 

الأمر المهم بالنسبة للأمريكيين كان إيمان عمر سليمان بأهمية العلاقات المصرية الأمريكية، وكانوا يفضلونه كخليفة لمبارك، على الرغم من أنهم لم يصرحوا بذلك أبدا لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر فى حدود معلوماتى، إلا أننى كنت أشعر بذلك من خلال الطريقة التى كانوا يسألون بها عنه. وعلى الرغم من أنه لم يكن يمثل الخيار المفضل من منظور التحول الديمقراطى المنشود فى مصر، لكن الاستقرار والعقلية الوسطية القادرة على قيادة المجتمع المصرى والحفاظ على المصالح كان أهم لدى الأمريكيين من الديمقراطية.

وكان سليمان قد اعتاد زيارة واشنطن منفردا مرة كل عام على الأقل فى إطار التعاون مع نظيره فى وكالة المخابرات الأمريكية، فيلتقى مع عدد من المسئولين الأمريكيين يتم تحديدهم حسب التطورات الدولية والإقليمية وتطور العلاقات بين البلدين.

وقد اعتدت حضور جميع لقاءاته مع أى شخصيات سياسية مدنية، بما فى ذلك مقابلاته مع نائب الرئيس ديك تشينى أو مستشارة الأمن القومى كونداليزا رايس، أو أعضاء الكونجرس، دون حضور لقاءاته مع مسئولى أجهزة المخابرات مكتفيا فى هذا الصدد بما يقدمه من ملاحظات لاحقة عن هذه اللقاءات فى إطار التعاون العام مع السفارة المصرية فى واشنطن.

وأثناء إحدى هذه الزيارات عام 2004 وبعد أن استمع منى لرؤيتى لتركيز مراكز البحث الأمريكية الحديث عن الاحتمالات المختلفة لمرحلة ما بعد الرئيس مبارك فى ضوء اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فى مصر، مع مرور أكثر من عقدين على تولى مبارك السلطة، قال سليمان إن الأمور غير واضحة وكل شىء قابل للتغيير حتى آخر لحظة فى مثل هذه الأمور، قبل أن يختم كلامه بأن الإشاعات الخاصة بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية خلقت بلبلة وحساسية ومن الأفضل أن يعلن الرئيس قراره فى هذا الشأن لتهدأ الأمور بصرف النظر عما سيتقرر بالنسبة لمنصب الرئيس مستقبلا. ومع مرور الوقت تلاشت فرص سليمان وهدأت الإشاعات مثلها مثل الشائعات التى سبقتها حول عمرو موسى.

وكان المرشح الثالث المحتمل والأشد إثارة للجدل لخلافة مبارك، هو نجله جمال، والذى كان يعتبر مرشحا مثاليا «للأجندة الديمقراطية» الأمريكية، فقد تلقى تعليما غربيا ومؤيدا للقطاع الخاص، وأصبح اعتبارا من 2002 شخصية بارزة، فى الحزب الوطنى الحاكم الذى يرأسه والده.

ولم يكن الأمريكيون الذين لا يحبون عمرو موسى وغير متيمين بعمر سليمان، قد حددوا موقفهم من فكرة وصول جمال مبارك إلى الحكم خلفا لوالده. وكسفير لبلادى فى واشنطن، كنت على تواصل دائم مع مراكز الأبحاث والمحللين فى الولايات المتحدة لمراقبة أى مناقشات خاصة بمصر بما فى ذلك ردود الأفعال على الشائعات بشأن المرشحين المحتملين للرئاسة. وكان المحللون الأمريكيون يسألوننى باستمرار عن المرشحين الثلاثة، وكما أتذكر، فإنه لم يسألنى أى مسئول أمريكى حكومى عن جمال، على الرغم من أنهم بالتأكيد كانوا يتابعون صعوده السياسى الذى لا تخطئه عين.

 

وزار جمال مبارك الولايات المتحدة فى مناسبات عديدة، أولا كعضو غير رسمى أثناء زيارات والده السنوية، ثم كعضو فى وفود غير حكومية وبخاصة تلك التى تمثل مجتمع الأعمال المصرى. كما كان يأتى منفردا فى زيارات خاصة، ولكن بشكل نادر. وبمرور الوقت لاحظت التغير فى مزاجه العام ونبرته خلال هذه الزيارات. وكان دائما مهذبا، ومتحفظا فى حديثه عن الأحداث فى مصر على مر السنوات. كما لاحظت أنه تحول من كونه عاملا محفزا للتغيير، إلى شخص يؤكد الحاجة إلى استقرار وأمن نظام الحكم. وفى واحد من آخر اللقاءات بيننا فى واشنطن، سألته عن زيادة تركيزه على الأمن وما إذا كان ذلك يعكس هاجسا موجودا فى مصر، فلم يرد على السؤال بشكل مباشر، لكنه تحدث عن المخاوف من صعود التيارات الإسلامية، وبخاصة الخوف من الحركات السلفية.

وخلال زياراته لأمريكا، كانت سفارة مصر فى واشنطن تراعى أنه نجل رئيس الجمهورية وتجنبه التعرض لمواقف حرجة، وتقدم له الخدمات والمجاملات المعتادة والعادية التى تقدمها السفارة لشخصيات المجتمع المدنى المصرية التى تزور واشنطن. ولم يكن يطلب أكثر من ذلك، كما أنه لم يكن يحظى بأى معاملة استثنائية، أو يتم التعامل معه كشخصية رسمية، وأقصى صفة رسمية تعامل بها كانت باعتباره قياديا فى الحزب الحاكم.

وعلى الرغم من عدم سؤالهم رسميا عن مستقبله لوحظ تنامى اهتمام المسئولين الأمريكيين بترتيب لقاءات مع جمال مبارك لتقييم توجهاته السياسية أو لنقل رسائل غير رسمية لوالده. وفى مايو 2006 زار جمال مبارك الولايات المتحدة لتجديد رخصة طيرانه، وكما كان يفعل باستمرار طار من القاهرة إلى مطار دالاس فى واشنطن، ثم استقل طائرة فى رحلة طيران داخلية إلى وجهته قبل أن يعود من نفس المسار فى طريق عودته إلى مصر، وكان جمال مبارك يتصل بى عادة قبل وصوله إلى واشنطن، فى طريق الذهاب والعودة، وفى زيارته تلك، تلقيت اتصالا هاتفيا من مستشار الأمن القومى الأمريكى ستيفن هادلى يطلب فيه مقابلة مبارك الابن عندما يصل إلى واشنطن فى طريق عودته إلى القاهرة.

ونظرا لأن هذه المقابلة اتخذت طابعا رسميا، لأننى تلقيت طلبا بها من مسئول أمريكى، وبعد الحصول على إذن من الرئيس مبارك، رتبت الاجتماع، وذهبت مع جمال لمقابلة هادلى. ولم يكن هناك أى شىء سرى فى اللقاء. وكانت أغلب الأسئلة التى طرحها المسئول الأمريكى تتعلق بتطوير الحزب الوطنى ودور القطاع الخاص فى مصر. وقد سببت هذه الزيارة مهاترات عديدة وواسعة فى القاهرة مع نشر عدة تقارير إعلامية عما وصف بأنها المحادثات السرية التى أجراها جمال خلال وجوده فى واشنطن، وزادت حدة الشائعات عندما قال البيان الصادر عن البيت الأبيض أن جمال مبارك كان فى أمريكا لتجديد رخصة طائرته وليس رخصة طيرانه، وتلقيت اتصالات هاتفية عديدة من وسائل الإعلام المصرية تسأل لماذا لم أصدر بيانا عن الاجتماع كما فعل البيت الأبيض، وكان ردى فى ذلك الوقت وكما هو الحال دائما: «أنا لا أصدر بيانات عن مقابلات المواطنين المصريين غير الرسميين فى أمريكا»، وأضفت: «إن الأمر متروك لتقدير البيت الأبيض وللطرف المصرى الآخر فى اللقاء لإصدار بيان من عدمه». وعلى الرغم من ذلك، فقد أدركت أن الأمريكيين باتوا يتعاملون مع جمال مبارك بصورة أكثر جدية على الرغم من عدم طرح أى أسئلة مباشرة عن مسألة خلافة الرئيس.

وبعد عامين وفى 2008 تحديدا، تلقيت اتصالا هاتفيا غاضبا من الرئيس مبارك الذى اندفع يتحدث عن الهواة ومعدومى الخبرة من المسئولين الأمريكيين الذين يعتبرون جمال خليفة له فى الرئاسة. وبحرص قمت بتهدئة الرئيس لكى أفهم منه سبب غضبه، وأشار إلى وصول دعوة أمريكية إلى جمال مبارك لزيارة البيت الأبيض ومقابلة الرئيس بوش. وبطريقة مهذبة ولكن بصراحة قلت له إننى ليس لدى أى فكرة عن الدعوة واقترحت عليه سؤال جمال عنها. وبهدوء غير مبارك مجرى الكلام، وقال إن بوش أرسل الدعوة إلى جمال وسألنى عن كيفية التعامل معها، وبعد أن تلقيت صورة الدعوة من الرئيس، أدركت أنها كانت رسالة مكتوبة بخط اليد على أوراق بوش الشخصية.

وخلال دقائق عاد مبارك واتصل بى مرة أخرى وسألنى عن رأيى، فأبلغته بأنها دعوة شخصية من حيث الشكل والمضمون. لذلك فإن قبولها أو رفضها يجب أن يكون من جانب جمال، وأن الزيارة إذا تمت يجب أن تكون «زيارة شخصية» حيث يلتقى جمال بمضيفيه بدون مرافقة أى مسئول مصرى من السفارة فى واشنطن، فتريث الرئيس فى الرد وأبلغنى بأنه سيعاود الاتصال لاحقا.

وبعد يومين اتصل بى مبارك مجددا وقال إن جمال سيأتى إلى أمريكا فى «زيارة شخصية»، مشددا على أنه يريد منى تحديد ما أعنيه بإجراءات زيارة شخصية وبالتحديد التعامل معه بالمطار وكان يتصرف فى هذه المكالمة كأب وبدأ يسأل عن الجوانب اللوجيستية للزيارة. وشرحت له أن المساعدة التى ستقدمها الوزارة ستكون فقط فى حدود ترتيبات التنقلات بين المطار والفندق كجزء من إجراءات المجاملة التى تقدمها السفارة لأى شخصية عامة مصرية تأتى لزيارة أمريكا. وأوضحت له أن حصول أى مسافر على معاملة دبلوماسية فى المطارات الأمريكية يحتاج إلى حمله تأشيرة سفر دبلوماسية، أما فى غير هذه الحالة فإن الشخص سيتلقى معاملة عادية وقد يتعرض للتفتيش الذاتى من جانب رجال الأمن فى المطارات.

وتمت الزيارة كما كان مخططا لها بدون مشاركة من السفارة المصرية. وبعد انتهاء اجتماعاته مع بوش ونائبه ديك تشينى وربما بعض المسئولين الأمريكيين الآخرين، اتصل بى جمال، وطلب مقابلتى قبل عودته إلى مصر بعد ظهر اليوم التالى، فدعوته على الغداء فى أحد مطاعم ميريلاند، ولم أسأله عن الاجتماعات، كما لم يتحدث هو عنها بالتفصيل، واكتفى بالقول إن الأمريكيين طرحوا أسئلة عامة عن مستقبل مصر وليس عن أى شىء محدد.

بالخبرة أدركت أن الأمريكيين كانوا يريدون تقييمه، وبعد أيام قليلة من الزيارة تراجع الحديث داخل مجتمع مراكز الأبحاث الأمريكية عن خلافة جمال مبارك المحتملة لوالده، أو على الأقل داخل المؤسسات البحثية المحترمة. بالنسبة لى كان الأمر بمثابة إشارة إلى أنه فى حين كان الأمريكيون يميلون إليه باعتباره شخصية ليبرالية مدنية، فإنهم بعد اللقاء، أدركوا أنه لن يكون قادرا على إدارة دولة معقدة مثل مصر فى بيئة مضطربة مثل الشرق الأوسط، وأن المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط أكبر من أن تتم المخاطرة بها من أجل القيم الليبرالية. وأصبحوا يميلون إلى وجود مرشح قوى لخلافة مبارك يمكنه حماية مصالحهم فى المنطقة، أيا كانت توجهاته.

وكانت آخر الاحتمالات لخلافة مبارك بالنسبة للأمريكيين يتمثل فى جماعة «الإخوان المسلمون» وليس شخص محدد. فقد أصبحت الإدارة الأمريكية فى عهد بوش ومن بعده باراك أوباما متقبلة لفكرة الإسلام السياسى، باعتباره مكونا لا غنى عنه فى المشهد السياسى بالشرق الأوسط. وباستثناء المحافظين الجدد، فإن كل أمريكا حتى تلك اللحظة كانت مستعدة لاستيعاب الإسلاميين دون دعمهم بشكل كامل. وتزايد عدد أعضاء الإخوان المسلمين الذين يترددون على مراكز الأبحاث الأمريكية ويشاركون فى مؤتمرات حول أوضاع الشرق الأوسط، وأغلبها كان يعقد فى قطر.

وتطورت علاقة السفارة الأمريكية بالقاهرة مع جماعة الإخوان. فمنذ أوائل الثمانينيات ومع بداية حكم مبارك بدأ اتصال السفارة بالجماعة عبر عناصر المخابرات، وبعد ذلك بدأت تختبر الموقف بشكل عرضى من خلال الدبلوماسيين التقليديين. وبمجرد قبول أوراق مرشحى الجماعة فى انتخابات البرلمان المصرى عام 2000، تغير الوضع، وبدأ توجيه الدعوات للإخوان لحضور لقاءات فى السفارة بشكل رسمى. المفارقة أن الحكومة المصرية التى تجاهلت الاتصالات الأولية بين السفارة والجماعة، بدأت تشكو منها عندما تزايدت اتصالات أعضاء البرلمان المرتبطين بالجماعة بالسفارة.

هذا التطور الجديد عزز نظريات المؤامرة لدى القيادة المصرية الأشد حساسية، فى ظل تنامى حضور الإخوان السياسى. وأصبحت علاقة أمريكا مع الجماعة مصدر غضب للرئيس مبارك الذى أصبح أكثر تشككا فى نوايا الأمريكيين. وازدادت الشكوك المصرية، مع تصاعد دعوات الرئيس بوش، إلى الإصلاح السياسى فى مصر، وضرورة تغيير أنظمة الحكم فى أماكن أخرى. وخلال سنواتى الأخيرة كسفير فى واشنطن، زار مسئولون مصريون كبار واشنطن بشكل متكرر لسؤال الأمريكيين مباشرة عن علاقاتهم بالإخوان. وعندما استقبل بوش رئيس الوزراء أحمد نظيف فى المكتب البيضاوى فى مايو 2005 سأل الأخير، الرئيس الأمريكى عن الاتصالات مع الإخوان، وكان الأمريكيون يراوغون وينفون وجود أى تقارب مع الجماعة، وهو ِأمر أبعد ما يكون عن الحقيقة.

بعد ذلك أصبح ملف الإخوان حاضرا على جدول أعمال أى مسئول مصرى يزور أمريكا، وكانت برقياتى التى أرسلها للقاهرة تؤكد باستمرار أن واشنطن فى الواقع لديها قنوات اتصال مع الإخوان. وأعدت تأكيد أن أمريكا غيرت طريقة تعاملها مع الدول الصديقة بعد الإطاحة المفاجئة بحكم الشاه فى إيران عام 1979، فبدأت تتواصل مع الجميع. ونتيجة ذلك وبعد وقت قصير من زيارة نظيف لواشنطن عام 2005، عقد مبارك اجتماعا رفيع المستوى مع المسئولين المصريين، الذين زاروا الولايات المتحدة لمناقشة علاقة أمريكا بالإخوان، كان مبارك منزعجا جدا من التناقض بين الموقف الأمريكى المعلن بعدم التواصل مع الإخوان، والاتصالات القوية السرية بينهما. وأمر مبارك السفير سليمان عواد الذى كان يشغل منصب المتحدث باسم الرئاسة، أن يتصل بى بشكل عاجل ويطلب منى إرسال مذكرتين الأولى بشأن العلاقات بين أمريكا والإخوان، والثانية كانت خاصة بالتعاون العسكرى. وعندما سألته عن سبب العجلة فى هذا الطلب، قال إن الرئيس يريد أن يناقش مع المسئولين المصريين تقييمى لهذه العلاقة إلى جانب معلومات أجهزة المخابرات المصرية حولها.

والحقيقة أن قراءتى العامة للموقف الأمريكى أثناء حكم الرئيس بوش الابن تجاه القيادة المصرية وقبل عشر سنوات من خروج مبارك من الحكم، كانت تشير إلى أن الأمريكيين كما هم دائما نفعيون للغاية. ومع بداية القرن الحادى والعشرين، ووصول مبارك إلى سن 72 عاما، كانت أمريكا تستعد لمرحلة ما بعد مبارك. ولإنجاز هذه المهمة، بدأ الأمريكيون يتابعون أى مرشح محتمل لخلافة مبارك ويمكنه حماية مصالحهم بغض النظر عما إذا كان ديمقراطيا أم لا. وكان هذا هو سبب تفضيلهم لعمر سليمان على كل من عمرو موسى وجمال مبارك. وكانوا يرون أنه فى حال عدم وجود مرشح من المؤسسة الأمنية، سواء من الجيش أو الشرطة فسيكون أمام جماعة الإخوان فرصة جيدة للوصول إلى السلطة بفضل قدرتها على الحشد وقاعدتها الشعبية الواسعة. وهذا هو السبب الرئيسى الذى جعل الرئيسين كلينتون وبوش يتابعان ثم يتقربان بحذر من الجماعة.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك