متلازمة التخلي.. سيدة تحتضن طفلة لتكتشف إصابتها بمرض نفسي في عمر 5 أشهر.. ما القصة؟ - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:29 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متلازمة التخلي.. سيدة تحتضن طفلة لتكتشف إصابتها بمرض نفسي في عمر 5 أشهر.. ما القصة؟

ياسمين سعد
نشر في: الأربعاء 15 سبتمبر 2021 - 11:01 ص | آخر تحديث: الأربعاء 15 سبتمبر 2021 - 1:34 م

انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا، فيديو تظهر خلاله مؤسِسة جمعية "الاحتضان في مصر"، يمنى دحروج، وهي تبكي بسبب تخلي أسرة عن طفلتها المحتضنة بعد 3 سنوات من احتضانها، نتيجة لحمل الأم، وبعدها تم إطلاق هاشتاج "الاحتضان مسؤولية مش تريند"؛ لمنع تكرار حدوث هذا الموقف.

وخلال رواية بعض الأشخاص لتجاربهم مع الاحتضان، كانت قصة "نادية مبارك"، هي الأبرز على هذا الهاشتاج، لأنها الوجه الآخر للتخلي عن الأطفال المحتضنة.

بدأت قصة نادية مع الاحتضان عندما حاولت الإنجاب لمدة 3 سنوات بلا نتيجة، فقررت هي وزوجها الاحتضان لعشقهما للأطفال، وظل الزوجان يحاولان الاحتضان لمدة تقارب الـ4 سنوات، وكان يتم رفضهما في كل مرة.

تم رفض طلب ربة المنزل "نادية"، التي تبلغ من العمر 35 عاما، بالاحتضان في المرة الأولى، لعدم حصول زوجها "تامر" على مؤهل تعليمي، حيث كان القانون يشترط حصول الأب المحتضن على شهادة جامعية، بينما يعمل الأب ميكانيكيا، يقرأ ويكتب لكن دون شهادة.

انتظرت نادية وزوجها، الذي يبلغ من العمر 39 عاما، حدوث أي معجزة تجعلهما يحتضان طفلا، حتى تم تعديل القانون وأصبح من الممكن أن يحتضن الأب دون شرط حصوله على مؤهل عال، لكن وقفت العقبة الثانية في طريق الزوجين، حيث كان هناك شرطا أن يكون منزل الأسرة "تمليك"، لكن كان منزل نادية وتامر إيجارا، فتم رفض طلبهما للاحتضان للمرة الثانية.

تقول نادية: "اكتئبت لما اترفضنا أكتر من مرة علشان الظروف، وكتبت على جروب (الاحتضان في مصر)، دي مش ظروف نترفض علشانها، ممكن منكونش عارفين نجيب شقة تمليك، ومش شرط يكون الأب متعلم علشان يربي تربية كويسة، ما أهالينا مكنوش متعلمين وربونا كويس، وهو بيعرف يقرأ ويكتب، بس الجروب رد عليا وقالولي (استني والقانون هيتعدل قريب)، وفعلا حصل كده بعد شهر واحد بس من كتابتي للكلام ده".

لم تستطع "نادية" النوم عندما علمت أنها ستذهب في الصباح لتقديم أوراقها للاحتضان، وهذه المرة قد اكتملت الشروط، حتى أنها وجدت أن موظفة دار الرعاية التي كانت ترفضها دائما تغيرت، واستقبلتها أخرى بشوشة، تطمئنها بأنها ستلتقي بابنتها قريبا، فشعرت بداخلها أن هذه المرة هي المرة التي ستصبح فيها أما أخيرا.

روت نادية اللحظة التي اختارتها فيها ابنتها "مريم"، حيث قالت إن الموظفة جعلتهما يشاهدان العديد من الأطفال الذين يتحلون بالوسامة، لكنها لم تشعر ناحيتهم بأي شيء، وفوجئت بشقيقتها تنادي عليها لترى طفلة صغيرة تبلغ من العمر 5 أشهر فقط، تلعب وتضحك معها، فحملتها نادية، فاحتضنتها الطفلة، فذهبت بها مسرعة إلى زوجها، لتتشبث الطفلة به فور أن رأته، حتى احتضنها الزوج، فازدادت الطفلة في التشبث وأبت أن تتركه يرحل، وهنا قالت نادية: "هي دي بنتي، اختارتنا ولقتنا، وهناخدها معانا".

دعت نادية الله عز وجل بأن تكون ابنتها مريم في حضنها خلال عيد الأضحى المبارك لعام 2020م، وبالفعل استجاب الله تعالى، حتى أن الإجراءات تغيرت لها هي فقط كاستثناء، كي تستطيع أن تحصل على الطفلة قبيل عيد الأضحى، فهي لم تعرض على اللجنة، ولم تتحدث مع أحد، فقط هاتفوها بدار الرعاية لكي تحصل على الطفلة، ولم توافق نادية أو زوجها على العودة إلى المنزل من دون مريم، فظلا في دار الرعاية لساعات منتظرين الموافقة النهائية حتى يأخذوها معهما، ولم تكن تعلم نادية أن الله قدّر ذلك لأن طفلتها التي انتظرت أن تجتمع بها طوال ما يقرب من 4 سنوات، ربما يتوفاها الله خلال يوم واحد من احتضانها.

عندما قامت نادية باحتضان طفلتها مريم لأول مرة، شعرت بسخونة شديدة بجسدها، وفور وصولها إلى المنزل الذي أقيم فيه حفل صغير لاستقبال عضوة الأسرة الجديدة، لم يرها أحد إلا وقال إن الطفلة بها شيء غير طبيعي، فتركت نادية الحفل وذهبت مسرعة إلى الطبيبة، لتخبرها بأن الطفلة درجة حرارتها 40، وأنها كان يجب أن تعرض على الطبيب منذ عدة أيام، ولأنه لم يتم معالجتها أصيبت بـ"حساسية في الصدر"، وكان من الممكن أن يتوفاها الله خلال 24 ساعة فقط، إذا لم تحصل على علاج فوري.

ظلت نادية بجانب ابنتها، حيث قضيا أول يوم لهما سويا في عيادة الطبيبة حتى مرت الأزمة بسلام، وظنت وقتها أنها ستبدأ حياتها مع ابنتها بفرح، ولم تكن تعلم أن هذا اليوم كان البداية لرحلة جديدة مع مريم، حيث وجدت أن الطفلة تنام كل ليلة ساعة واحدة فقط دون حراك، ثم تبدأ في الصراخ، وتسري رعشة في جسدها الصغير، وتتحرك في كل الاتجاهات، ولم تعلم نادية وقتها كيف تتصرف لكي تهدئ طفلتها.

عندما تسيطر هذه الحالة على الصغيرة مريم، ترفض أن تحتضنها نادية أو تلمسها، ولا تهدأ إلا عندما يحتضنها الأب، واستمر هذا الوضع لأيام، كل ليلة ينام الزوجان بجانبها لمدة ساعة واحدة فقط، وعندما تصرخ الطفلة، يقرآن لها سورتي "يس" و"الغاشية"، حتى حفظتهما نادية من كثرة تلاوتهما للطفلة، حتى تهدأ وتنام.

شعرت نادية بأن هناك شيئا غير طبيعي يحدث لـ"مريم"، فتواصلت مع مجموعة الأمهات المحتضنات، وقلن لها إن هذا حدث مع أكثر من طفل، فالطفلة مصابة بمتلازمة نفسية، تدعى "متلازمة التخلي"، وهذه المتلازمة تحدث للأطفال كريمي النسب، الذين يشعرون بتخلي عائلتهم عنهم، فتجعلهم يشاهدون ما حدث لهم في منامهم، ويصرخون، ويصبحوا رافضين لأحد الآباء المحتضين، ولا يشعرون بالأمان إلا مع الآخر، وفي هذه الحالة كانت نادية هي الوالدة المرفوضة بالنسبة لمريم، هذا بحسب ما وصفت نادية حالة ابنتها.

بدأت نادية وتامر رحلة علاج نفسي لابنتهما من "متلازمة التخلي"، وكان على نادية أن تنام طوال عام كامل وهي جالسة، لكي تضع مريم فوق رجلها حتى تشعر بالأمان، كما كان عليها أن تتحمل رفض الابنة لها، ولا تغضب منها، حتى يزول من قلبها الشعور بالتخلي من الوالدين البيولوجيين، التي قالت لها الطبيية النفسية إنه قد يستمر لمدة 3 أعوام.

قالت نادية: "أنا مازعلتش منها لما كانت بترفض إني أشيلها، بالعكس أنا قلت (يا حبيبتي شفتي إيه خلاكي تعيي نفسيا وأنت عندك 5 شهور بس)، هي كانت من كفر الدوار، وعقبال ما جاتلنا دمنهور، جت إزاي؟ شافت إيه في الطريق؟ الله أعلم إيه اللي حصلها يخليها تحلم بكوابيس كل يوم وترفض الأكل والنوم، وساعات تهيبر وتفضل تخبط رأسها في الحيط، لدرجة مابقدرش أسيطر عليها وباخاف الناس تفتكرني خاطفاها من كتر ما بتصرخ".

عام كامل عاشته نادية شبه مستيقظة، فهي لا تنام ليلا لأن مريم تصرخ بالليل، ولا تنام نهارا لأن مريم تحتاجها بجانبها في النهار، فكانت تحاول أن تقضي بعض الوقت عند والدتها وشقيقاتها، اللاتي تحبهن مريم، حتى تحصل نادية على بضع ساعات من النوم.

روت نادية موقفا يدل على مدى تعلق عائلتها بطفلتها مريم، قائلة: "مريم جالها قبل رمضان بأسبوعين كورونا، وإحنا مجالناش الفيروس، أختي أصرّت تقعد معانا الأسبوعين في البيت علشان تراعي مريم معايا، حتى لو هيجيلها كورونا، ولما كنا بنحط الكمامات على وشنا، كانت مريم بتخاف وتعيط، فتوكلنا على الله وشلنا كلنا الكمامة، قولنا حتى لو هنتصاب، بس مريم متخافش، وقامت بالسلامة الحمد لله، ومحصلناش حاجة".

بدأت نادية مؤخرا في جني ثمار هذه الرحلة الطويلة مع مريم، عندما نادتها طفلتها بـ"ماما" لأول مرة، وجعلتها تحتضنها لتشعر بالأمان، فوقتها شعرت نادية بأن الدنيا بدأت تبتسم لها أخيرا، وأن كل هذه الصعاب ستهون.

أكدت نادية أنها لم تفكر ولو للحظة واحدة طوال العام ونصف -مدة احتضانها لمريم- في إعادتها لدار الرعاية، حتى وإن رأت بعض العائلات تفعل ذلك، مشيرة إلى أن مريم ابنتها فـ"كيف تترك ابنتها لأشخاص غريبة؟ هل كل من لديه ابن مريض سيتركه في دار رعاية؟"، واستنكرت نادية هذا بشدة.

راودت نادية بعض الأفكار، لكن بشأن كونها أم، حيث شعرت في البداية بأنها أم مقصرة في حق ابنتها مريم، وبأنها تشعر أن الابنة كان من الممكن أن تحصل على أم أفضل منها، حيث قالت: "افتكرت إن نفسيتها تعبانة علشان مش حباني أنا، بس اتطمنت لما أهلي قالولي إنه مش أنا السبب".

تشعر نادية بأن كل ما مرت به خلال العام الماضي مع مريم لا شيء، لأن مريم قامت بتغيير حياتها إلى الأفضل، قائلة: "أم مريم صعبانة عليا لأنها حرمت نفسها منها، كل حاجة مريم بتعملها حلوة، الحمد لله إن أمها ولدتها وجابتهالنا للدنيا، علشان تبقى عندي مريم، أبوها كل ما يشوف يافطة في الشارع، يقولي بكرة اليافطة دي هيبقى مكتوب عليها (دكتورة مريم)، أنا هدخلها مدرسة خاصة، وهتطلع دكتورة كبيرة، وهعلق يافطتها بإيدي".

تتمنى نادية أن تحمل حملا طبيعيا ويرزقها الله بصبي، حتى يكون لمريم شقيق، يكون لها السند عندما تكبر، لكنها لن تعترض على قضاء الله تعالى إذا لم يهبها الأطفال، بل ستقوم باحتضان طفلة، حتى لا تصبح مريم بمفردها في الحياة.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك