طاهر المعتز بالله يكتب: لماذا لا نقرأ لنجيب محفوظ؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:02 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طاهر المعتز بالله يكتب: لماذا لا نقرأ لنجيب محفوظ؟

طاهر المعتز بالله
طاهر المعتز بالله

نشر في: الجمعة 16 أبريل 2021 - 9:05 م | آخر تحديث: السبت 17 أبريل 2021 - 8:53 م
لا تقرأ نجيب محفوظ.
تلك الرسالة يتلقاها باستمرار كل قارئ محتمل للأديب العالمى الذى لم يكن يعلم أن أحفاد «أولاد حارتنا» سيكبرون ليديروا له ظهورهم.
وفى هذا المقال محاولة لفهم امتناع جيل ــ بعض أفراده يعتبرون أنفسهم أبناء أحمد خالد توفيق ــ عن قراءة أعمال الجد نجيب محفوظ فى ثلاثة أسباب رئيسية كما يلى:

السبب الأول: المدرسة
يتعرف الطالب على نجيب محفوظ لأول مرة فى درس القراءة، يهتم التلميذ بدراسة رواية «كفاح طيبة» لتحصيل الدرجات ثم يكبر وهو عازم على ألا يقرأ له بعدها أبدا. الاعتماد على الحفظ والتلقين يزيل المتعة من التعليم، واختيار المواضيع البالية استهانة بعقول متطلعة لكل ما هو جديد ويقفون على بعد ضغطة اصبع من إجمالى المعرفة البشرية.
هذا بالإضافة إلى أن الأعمال المطروحة يتم تنقيحها وفلترتها فى عملية أشبه بالختان، لإزالة الشوائب التى قد تتسبب فى خلق عقل نقدى لا سمح الله، فينتهى الأمر بعمل مغاير تماما عما أراد كاتبه. عمل خالى الدسم منزوع البهارات، الهدف منه التحصيل وليس الحث على التفكير، فيصبح كأكل المستشفيات خالى من المتعة، وإن أدى الغرض.
فالأيام التى تدرس ليست هى الأيام التى كتبها طه حسين، ولكنها سبب كاف للعزوف عن قراءة نابغة رشح لنيل جائزة نوبل فى الأدب 14 مرة.
تلميذ القرن الحادى والعشرين لا يهمه ان كان عميد الأدب العربى شكاء بكاء، ولا يكترث بمدى حبه للبليلة. وفى نفس الوقت فى ظل غياب تام للسياق، فهو أيضا لا يهتم بصوت أفراس النهر فى أواريس بقدر اهتمامه بتأمين مكان لقضاء الصيف فى الساحل الشمالى. لا أحد يخبره أن كفاح طيبة تعبر عن كفاح المصريين ضد الإنجليز بقدر ما تعبر عن كفاحهم ضد الهكسوس، ولا أنها الرواية الثالثة لكاتب حصل على جائزة نوبل بعد 51 عاما من الكتابة. فى ظل غياب السياق تظل الرواية فى نظر دارسيها مثل الميت إكرامها فى دفنها، لكن مع توضيحه يعاد بعثها وتصبح قادرة على التعبير عن جيل حالى مثلما عبرت عن أجيال قبله، ولكن هذا الجيل ليس كمن قبله.

السبب الثانى: الثورة
هذا الجيل من الميلينيالز لم يجد من يحنو عليه، فكبر ليقسو على كل من سبقوه. والأجيال الأصغر أشرس فى نبذ الماضى وتجاهل رموزه. يظهر نجيب محفوظ فى صوره على أغلفة كتبه كشيخ كهل يرتدى سماعة ونظارة بعدسات غامقة تجعل من يراه من الشباب ينفر من قراءة أعمال يظنها تنتمى لماض سحيق. طبقا لإحصائية أجرتها شركة ليجو عام 2019، ما يقرب من ثلث الأطفال بين سن الثامنة والثانية عشرة يريدون أن يصبحوا يوتيوبرز، فرب فيديو قادر على التعبير عنهم ونيل اعجاب اصدقائهم خير من ألف كتاب. فلماذا يقرءون فى سنة 2021 لشخص ولد عام 1911؟ الاجابة تكمن فى فهم سيكولوجية جيل غاضب يظن انه أول من عانى بينما يسبح من سبقوه فى البينا كولادا. ولكن هذه النظرة لا تمت بصلة لواحدة من حقائق الكون الثابتة وهى أن التاريخ لا يتوقف عن اعادة نفسه بلا هوادة. حين زار باولو كويلو مصر طلب الذهاب لبيت نجيب محفوظ، وفور دخوله انحنى على يده وقبلها قائلا: شكرا لأنك علمتنا الأدب والانسانية. والإنسانية بكل ما يعتريها من أمال وطموحات ثابتة مهما تغيرت الظروف واختلفت الأماكن. ولذلك فليس هناك أقدر من التعبير عن المعاناة فى ظل التغييرات السياسية أكثر من رجل عاصر ملكين وثورتين وخمس حروب وثلاث رؤساء.

«هل يرضيك كل هذا الظلم يا جبلاوى؟» ــ نجيب محفوظ، أولاد حارتنا

السبب الثالث: التكفير
قال عمر عبدالرحمن لو كنا قتلنا نجيب محفوظ لم يكن ليظهر سلمان رشدى. فى عام 1994 قام محمد ناجى مصطفى بطعن نجيب محفوظ فى رقبته محاولا طعنه، بعد قراءته لكتب الجماعة الاسلامية التى أحلت دماء محفوظ. بحجة أن كتبه تهاجم الإسلام وعبارة عن طبل وزمر، وعلاقات جنسية كما قال الراحل طلعت زكريا. تلك الأحكام القاطعة على نجيب محفوظ لا تصدر إلا عن شخص لم يقرأ نجيب محفوظ، فالرجل أمضى 73 عاما من حياته يكتب. بدأ بالرواية التاريخية فكتب عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة، قبل أن يقرر الاتجاه للرواية الواقعية فكتب عن فضائح النخبة فى القاهرة الجديدة، ومعاناة الفقراء فى زقاق المدق، وصراع الأجيال فى الثلاثية التى كانت فى الأصل رواية واحدة، جوهرة التاج وخلاصة إبداع السنوات التى شعر بعدها بفراغ جعبته فتوقف عن كتابة الرواية لمدة خمس سنوات اتجه فيهم لكتابة السيناريو، فكتب روائع مزج فيها الفلسفة بالفكاهة مثل «بين السما والأرض» الذى يظهر كمسلسل تلفزيونى فى رمضان الحالى، ثم عاد كالعنقاء ليكتب «أولاد حارتنا» التى أثارت عاصفة من الجدل والتكفير، انتهت بمنعها من النشر. ونتيجة لذلك، بالإضافة لبعض المعالجات السينمائية السطحية لرواياته، أصبح محفوظ رمزا غير جيد فى نظر بعض ممن سمعوا ولم يقرأوا، فخلطوا بين الرصد والترويج.
ورغم كل ما سبق مازال صاحب الستة والخمسين عملا صامدا مثل سيرة عاشور الناجى التى لم تنل منها الأيام، وأعماله مازالت حية ومنتشرة بعد 15 عاما من وفاته فى 2006، ولكنه لا يقرأ حق قراءته، ولا ينال ما يستحق من تقدير من أبناء حارته. ولكل ذلك يجب أن نقرأ نجيب محفوظ، بنهم وحرص وعناية. ولذلك سعدت جدا بإعلان أحمد الغندور (الدحيح) عن مناقشة واحدة من أعظم أعماله وهى «الحرافيش» فى نادى القراءة الذى بدأه على تطبيق كلوب هاوس باسم «مكتبة غندور»، يوم الثلاثاء الماضى، لمد جسور الفكر بين جيل مضى وجيل آتى. فمثلما عثر البطل سانتياجو على الكنز تحت أقدامه بعد عناء ومشقة فى رواية الخيميائى، ربما يستطيع «عبدربه التائه» التعبير عما يدور فى صدور أبناء هذا الجيل من التائهين، علهم يجدون ضالتهم.
طاهر المعتز بالله كاتب فى برنامج الدحيح. تولى رئاسة اتحاد طلاب الجامعة الأمريكية عام ٢٠١٢، وحصل على جائزة دكتور أحمد زويل للتفوق فى العلوم والإنسانيات عام ٢٠١٤. صدر له كتاب الحركة الطلابية فى الجامعة الأمريكية عن دار الكتب خان عام 2019، وشارك فى كتابة برنامج متحف الدحيح على منصة شاهد عام 2020.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك