تلعب التغذية دورًا أساسيًا في تكوين الأعصاب، ونمو الدماغ، وتعزيز أدائه، وتقوية وظائفه، وتطوير مهاراته على مدار مراحل الحياة المختلفة. ومن ثم، تسهم في تنشيط الذاكرة والوقاية من الخرف ومرض الزهايمر.
وفي هذا التقرير، يوضح الدكتور حسن عاطف، أخصائي التغذية العلاجية، العلاقة بين الغذاء وصحة الدماغ، وما إذا كانت التغذية تؤثر فعلًا على التفكير والوظائف العقلية، وكيف يمكن لنظام غذائي متوازن أن يدعم الأداء الذهني بشكل عام.
* الدماغ.. العضو الأكثر استهلاكًا للطاقة!
يقول الدكتور حسن عاطف في تصريحات لـ«الشروق» إن الدماغ يُعد عضوًا عالي الاستهلاك للطاقة؛ إذ يستهلك نحو 20% من السعرات الحرارية اليومية، على الرغم من أنه لا يشكل سوى 2% فقط من وزن الجسم، وتُستخدم هذه الطاقة بشكل رئيسي في نقل الإشارات العصبية وتصنيع النواقل الكيميائية مثل السيروتونين والدوبامين. وبالتالي، فإن نقص العناصر الغذائية الأساسية يمكن أن يؤدي إلى ضعف الذاكرة، وتشتت الانتباه، وتقلب المزاج، والإرهاق الذهني.
* النظام الغذائي المتوسطي.. مفتاح لصحة الدماغ
أشار الدكتور عاطف إلى مقال نُشر على موقع Harvard Health Publishing بتاريخ 19 أبريل 2024، بعنوان: Healthy diet for cognitive fitness، تناول العلاقة بين بعض العناصر الغذائية والصحة العقلية. وأبرز المقال أهمية النظام الغذائي المتوسطي (Mediterranean diet) في دعم الإدراك والوقاية من أمراض الشيخوخة العقلية مثل الزهايمر.
ويتكوّن النظام المتوسطي من: (خضروات وفواكه طازجة - بقوليات مثل العدس، الحمص، الفول - مكسرات كالجوز واللوز - حبوب كاملة - زيت الزيتون كمصدر أساسي للدهون - كميات معتدلة من الأسماك والدواجن - كميات قليلة من اللحوم الحمراء والحلويات).
ويمتاز هذا النظام بغناه بمضادات الأكسدة، والدهون الصحية، والألياف، ما يُحسّن تدفق الدم إلى الدماغ، ويقلّل الالتهاب والتلف الخلوي.
وقد أظهرت دراسات أُجريت على آلاف الأشخاص أن الالتزام بهذا النظام يرتبط بتقليل خطر الإصابة بضعف الإدراك والتدهور العقلي المرتبط بالعمر.
* الكولين.. لبنة أساسية في بناء الذاكرة
يُعد الكولين من العناصر الغذائية الحيوية للوظائف العقلية؛ إذ يساعد في إنتاج ناقل عصبي يُعرف باسم "الأسيتيل كولين" (Acetylcholine)، الضروري للذاكرة والانتباه.
وتشمل مصادر الكولين الغذائية: (صفار البيض - الكبد - منتجات الألبان - الأسماك - البروكلي والقرنبيط - المكسرات والحبوب الكاملة).
كما أشار الدكتور عاطف إلى أهمية الأسماك الدهنية مثل السلمون، والسردين، والماكريل، والتونة، لغناها بأحماض أوميجا 3 (EPA وDHA)، والتي تُساهم في دعم الخلايا العصبية، وتحسين المزاج، وتعزيز الذاكرة.
* أطعمة داعمة للتفكير السليم
- التوت والفراولة والكرز: غنية بمضادات الأكسدة مثل "الأنثوسيانين" وفيتامين C، وتُحسّن الأداء الذهني.
- الخضروات الورقية مثل السبانخ والجرجير والبروكلي: تحتوي على فيتامين K، وحمض الفوليك، واللوتين، وهي عناصر تحمي الدماغ من التدهور.
- الأفوكادو: غني بالدهون الأحادية المفيدة، والبوتاسيوم، والماغنيسيوم، ما يُساهم في تقليل التوتر وتحسين المزاج.
- الكاكاو الخام أو الشوكولاتة الداكنة (+70%): مصدر للفلافانول، يُحسّن تدفق الدم ويزيد من إفراز الإندورفين والدوبامين.
- المكسرات مثل الجوز واللوز والكاجو: تحتوي على فيتامين E، والزنك، والسيلينيوم، وتُعزّز الأداء المعرفي.
- الأطعمة المخمّرة كالزبادي، الكيمتشي، الكفير، ومخلل الملفوف: تحتوي على البروبيوتيك، وتدعم صحة الأمعاء، التي تُنتج أكثر من 90% من السيروتونين (هرمون السعادة).
* أطعمة تؤثر سلبًا على وظائف الدماغ
- الدهون المتحوّلة والمقليات (مثل البطاطس المقلية، البرجر، الزيوت المهدرجة): تزيد من احتمالية الاكتئاب.
- السكريات البسيطة والمكرّرة (مثل الكيك، المشروبات الغازية، العصائر المعلبة): تؤدي إلى تقلبات في مستويات السكر في الدم، وتشتت ذهني، وقلق.
- الكربوهيدرات المكررة (مثل الخبز الأبيض، النودلز الفوري): تُسبب تقلبات حادة في الطاقة والمزاج.
- المُحلّيات الصناعية (مثل الأسبارتام والسوكرالوز): قد تُسبب صداعًا وقلقًا لدى البعض.
- الوجبات الجاهزة: تحتوي على نسب عالية من الصوديوم ومواد حافظة، تؤثر على التركيز والمزاج.
- الكحول: يُضعف وظائف الدماغ، ويؤدي إلى نقص فيتامينات B، خاصة B1 وB12.
- الإفراط في الكافيين (أكثر من 3-4 أكواب قهوة يوميًا): قد يُسبّب اضطرابات نوم وقلقًا.
* نصائح لتحسين التفكير والوظائف المعرفية
أوصى الدكتور حسن عاطف بعدة خطوات عملية للحفاظ على صحة الدماغ:
1- الحصول على قسط كافٍ من النوم وتجنّب السهر؛ لأن النوم يُعزّز تثبيت المعلومات وتحسين التركيز.
2- تقليل التوتر والإجهاد، فالتوتر المزمن يُضعف القدرة الذهنية.
3- ممارسة النشاط البدني بانتظام، لما له من دور في تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، وتحفيز نمو خلايا عصبية جديدة.