الدكتور محمود السعيد يكتب: خطة التعايش والقطاعات الاقتصادية الأكثر عرضة للعدوى - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:00 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدكتور محمود السعيد يكتب: خطة التعايش والقطاعات الاقتصادية الأكثر عرضة للعدوى


نشر في: الخميس 23 يوليه 2020 - 8:07 م | آخر تحديث: الخميس 23 يوليه 2020 - 8:07 م

اعتبارا من السبت 27 يونيو 2020 قررت الحكومة المصرية إلغاء الحظر الجزئى المطبق من منتصف مارس 2020 واستئناف جميع الخدمات الحكومية من جديد مع التزام جميع الأفراد والمؤسسات بالإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، كما أعلنت عن خطتها للتعايش مع فيروس كورونا، والتى من أهم أهدافها استمرار دوران عجلة الإنتاج لتقليل الخسائر الاقتصادية إلى أقل حد ممكن وفى نفس الوقت الحفاظ على صحة المواطنين.
ومن الجدير بالذكر أن معظم الدراسات الاقتصادية التى تم إنجازها فى الفترة الأخيرة قد اهتمت فى المقام الأول بتحديد القطاعات التى تأثرت عوائدها الاقتصادية أكثر من غيرها بسبب انتشار الفيروس منذ فبراير الماضى، وكل النتائج تشير إلى أن عوائد قطاع السياحة كانت الأكثر تضررا، وقد اهتم صناع السياسات الاقتصادية بتنفيذ إجراءات جوهرية على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية لمساعدة القطاعات الاقتصادية ومنشآت الأعمال الأكثر تضررا فى هذا الإطار، لكن ومن الجدير بالذكر أن أحد أهم العوامل التى ستلعب دورا حاسما فى مدى سهولة استمرار الأنشطة الاقتصادية خلال فترة التعايش والتى لا يعلم مداها إلا الله هو السلامة الجسدية للعاملين بالنشاط وعملائهم.
وبالرغم من التناقص المستمر فى عدد حالات الإصابة المسجلة بفيروس كورونا منذ نهاية شهر يونيو 2020، إلا أنه وفى ظل التوقعات باستمرار الجائحة لمدة طويلة من الزمن إلى أن يتم اكتشاف لقاح فعال ضد كوفيد 19، فقد أصبح من الضرورى أن تولى خطة التعايش اهتمام أكبر بالمهن والقطاعات الاقتصادية الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة بكورونا بسبب عودة العاملين لعملهم بشكل كامل. فجميعنا ندرك أن عودة الأنشطة الاقتصادية ضرورى ولكن مدى نجاح تلك العودة يتوقف على سلامة القائمين عليها، فالمتابع لنماذج تخفيف قيود التباعد فى دول عدة يجد أن عدم إيلاء الأهمية الكافية لصحة العاملين كان كفيلا بإلغاء إجراءات العودة والارتداد من جديد لتعليق الأعمال بلو فرض حظر كلى على أحياء كاملة، وجميعنا يعلم أن ارتدادا كهذا لا تتحمله القطاعات الاقتصادية الهشة ولا الاقتصاد المصرى الكلى بصفة عامة، ومن ثم فنحن أمام مشهد اقتصادى تتوقف نجاته بشكل كامل على صحة العاملين فيه والتعامل معها بالجدية المناسبة.
وهنا تبرز بعض الأسئلة المهمة: ما مدى ضرورة إجراء اتصال مباشر بين العاملين فى قطاع معين والجمهور لإنجاز أعمالهم؟ وهل من الممكن فرض التباعد الاجتماعى المناسب داخل موقع العمل؟ وما هو حجم الموارد المخصصة لتطبيق الإجراءات الاحترازية ومكافحة تفشى العدوى؟ وما هو قيمة «بدل مخاطر العدوى» المناسب الذى يجب تطبيقه تشجيعا لاستمرار العاملين فى تأدية أعمالهم على نحو ملائم.
وفى هذا الإطار قامت مؤسسة ديلويت Deloitte الأمريكية المعروفة فى بداية شهر يونيو 2020 بإجراء دراسة إحصائية على 20 قطاعا اقتصاديا فى الولايات المتحدة الأمريكية بغرض ترتيب هذه القطاعات تنازليا طبقا لخطورة التعرض لعدوى فيروس كورونا المستجد عند عودة النشاط الاقتصادى واستئناف العمل بشكل كامل. ولإجراء هذه الدراسة قامت المؤسسة باستخدام بيانات التوظيف السنوية لثلاثة وثلاثين ألف عامل فى القطاعات الاقتصادية المختلفة التى يوفرها مكتب إحصاءات العمل الأمريكى عن عام 2019. وتقوم منهجية هذه الدراسة على أساس قياس خطورة كل مهنة أو نشاط اقتصادى بالاعتماد على أربعة معايير أساسية وهى:
1 ــ الاتصال بالآخرين: هل تتطلب المهنة أن يكون العامل على اتصال بالآخرين (وجها لوجه، عبر الهاتف، أو غير ذلك) من أجل القيام بها؟
2 ــ فى حال الاتصال وجها لوجه: كم مرة تتطلب هذه الوظيفة من العامل إجراء مناقشات وجها لوجه مع أشخاص آخرين؟
3 ــ تكرار التعرض للأمراض أو العدوى: كم مرة يمكن أن تسبب هذه الوظيفة التعرض للأمراض / العدوى؟
4 ــ الاقتراب الجسدى: إلى أى مدى تتطلب هذه المهنة اقترابا جسديا مع الآخرين لأداء مهامها الوظيفية؟
باستخدام المعايير الأربعة قامت المؤسسة بحساب معامل الخطورة لكل قطاع من العشرين وتوصلت إلى أن أكثر القطاعات خطورة ــ وكما هو متوقع ــ كان قطاع الصحة وأنشطة العمل الاجتماعى، تلا ذلك قطاع الأنشطة الإدارية وخدمات الدعم، وهى أنشطة تتطلب التعامل وجها لوجه مع الجمهور مثل أنشطة خدمات الأمن وغيرها من الأنشطة الإدارية. وجاءت باقى القطاعات الاقتصادية على نحو الترتيب التنازلى التالى طبقا لمعامل خطورة العدوى: قطاع خدمات الغذاء والإقامة ــ أنشطة الفنون والإبداع والترفيه ــ تجارة التجزئة ــ أنشطة الخدمات الأخرى بخلاف الأنشطة الإدارية ــ خدمات التعليم ــ قطاع العقارات والتأجير ــ قطاع التشييد والبناء ــ إمدادات الكهرباء والغاز ــ الوساطة المالية والتأمين ــ الإمداد المائى وشبكات الصرف الصحى ــ الأنشطة العلمية والتقنية المتخصصة ــ قطاع المعلومات والاتصالات ــ قطاع إدارة الشركات والمؤسسات ــ قطاع تجارة الجملة ــ التعدين واستغلال المحاجر ــ النقل والتخزين ــ الصناعات التحويلية ــ وأقل القطاعات خطورة كان قطاع الزراعة واستغلال الغابات وصيد الأسماك.
وبالنظر لسياقنا المصرى فى ضوء تلك الدراسة، فإن فى اعتقادى أنه إذا تم إجراء دراسة مماثلة لدراسة مؤسسة ديلويت لتحديد فئات العاملين التى تواجه أكبر مخاطر الإصابة بكورونا خلال فترة التعايش فإن النتائج لن تختلف كثيرا عن تلك التى توصلت إليها المؤسسة الأمريكية. وعلى متخذ القرار أن يولى القطاعات الاقتصادية الأكثر عرضة للإصابة أهمية قصوى من حيث تخصيص موارد أكبر لمكافحة العدوى بين العاملين فيها والمتعاملين معها، وإعادة النظر فى قيمة «بدل مخاطر العدوى» المخصص لهذه القطاعات بحيث تتناسب مع درجة الخطورة.
ومن المهم أن يتم التشديد على المسئولين فى القطاعات الأكثر عرضة للعدوى ضرورة الالتزام بتطبيق أقصى درجات المعايير الاحترازية من حيث كيفية التعامل مع المشتبه إصابتهم بالمرض وكذلك طريقة التعامل مع المصابين بالفعل، إلى جانب بروتوكولات التعامل مع مقدمى الخدمة الطبية واتباع اشتراطات الحماية من العدوى. وذلك بحيث يكون كل فرد فى المجتمع مسئولا عن موقعه فى الحد من نشر الوباء. كما يجب تشجيع المسئولين على ضرورة البحث فى توسيع سبل التواصل ــ عن ــ بعد لإنجاز الأعمال حتى يمكننا على الأقل الإقلاع من أرض المخاطر تمهيدا لوصولنا بر السلامة. فالحكومة بالفعل اتخذت إجراءات عملية لميكنة الخدمات فحان الوقت لكى نعول كليا تمهيدا لتوسيعها، وكذلك فى قطاع التعليم يمكن أن يتم تطبيق مزيج من أساليب التعليم عن بعد باستخدام وسائط التكنولوجيا والإنترنت بجانب أساليب التعليم التقليدى وجها لوجه فى قاعات الدراسة. وبهذا يمكننا تقليل انتشار العدوى فى مجالات عدة، بل وتطوير آلية تقديم الخدمات بشكل عام.
فالإدارة الذكية تجعل من الأزمة فرصة، ومن العائق دافعا للتطوير.
حفظ الله بلدنا وأهلنا من كل مكروه.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك