وليد علاء الدين يواجه تحول البشر إلى كائنات مزيفة بـ«الغميضة» - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:41 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وليد علاء الدين يواجه تحول البشر إلى كائنات مزيفة بـ«الغميضة»

كتب ــ عبدالله سليم:
نشر في: الجمعة 23 أكتوبر 2020 - 8:44 م | آخر تحديث: الجمعة 23 أكتوبر 2020 - 8:44 م

«هذه ليست رواية، إنما مسرحية خبأتها فى جسد رواية، لقد خدعتك، يمكنك أن تقرأ لتكتشف بنفسك، أو انزع هذه الصفحة وأَهْدِ الكتاب لصديق تمنيت خداعه». بتلك العبارة غير المتوقعة على شكل تحذير صدرت عن دار الشروق أخيرا رواية الغميضة للكاتب الروائى وليد علاء الدين، فى 107 صفحة من القطع المتوسط؛ محاولا مواجهة تزييف واقع الأشخاص فى «دنيا المظاهر». يصدر الكاتب روايته، التى أهداها إلى توفيق الحكيم أو إلى حماره، أيهما أقرب إلينا اليوم ــ بتلك العبارة.
يستلهم الراوى فكرته من لعبة الغميضة المنتشرة بين الأطفال باسم «استغماية» لتبدأ اللعبة ببنت فى سن الطفولة تبحث عن دمية تلهو بها فى محل للعب الأطفال وبينما هى كذلك يظهر ولد فى مثل عمرها يعرض عليها أن يلعبا معا «الغميضة» وطبقا لقانون اللعبة، تغمض البنت عينيها وتظل تعد بترتيب عشرى تصاعدى إلى أن تصل إلى 100، ثم تسأل الولد إن كان قد اختبأ لتبدأ فى البحث عنه: «خلاويص؟».
تلفت الطفل حوله، فسحب قناعا من أحد رفوف محل اللعب وغطى وجهه، رد على ندائها بثقة: «خلاويص»، ففتحت الطفلة عينيها، لم تجد أحدا، دارت حول نفسها محتارة، قررت الجلوس فى مكانها، بدت حزينة إلى درجة لاحظها الطفل، فرفع قناع البلياتشو عن وجهه وهو واقف مكانه: «مالك زعلانة؟» رفعت عينيها حزينتين فرأته واقفا، تمتمت بشفتين وهى تجاهد إمساك دمعتها: «مش لاقياك»، ضحك الطفل، أحس كم هى طيبة متباسطا ليخفف عنها: «أنا أهو يا هبلة».
اعتصرت عينيها فسقطت الدمعات على خديها: «كنت فين؟»، اختلطت على الولد المشاعر، لم يملك إلا قول: «يلا نلعب تانى» قفزت البنت فرحانة: «أنا اللى هستخبى».
يغمض الولد عينيه ويعيد ما فعلته البنت مسبقا، ثم يسأل البنت إن كانت قد اختبأت ليبدأ فى البحث عنها، ترد الفتاة عليه بالإيجاب، بعد أن فشلت فى معرفة أين تختبئ، فيعثر عليها سريعا؛ لأنها لم تختبئ أصلا، ولم تكن تعرف أين تذهب، لتعيد البكاء كما لو أنها فقدت دميتها التى أهداها إليها والدها فى ذكرى مولدها.
يمثل الطفلان فى هذا المشهد البراءة التى أودعها الله فينا قبل أن نتدنس بالدخول فى معركة الحياة والتعامل مع أناس فقدوا براءتهم منذ أن وطأت أقدامهم تراب غابة ساد فيها منطق القوة عن الحكمة، وعلا فيها صوت الباطل على الحق، وهى نقطة فاصلة؛ لأنهما يتعرضان لاختبار سؤاله الرئيسى هو: أيحتفظان ببراءتهما وعفويتهما أم يدوران فى فلك من انغمسوا فى جحيم الدنيا؟
تأخذنا الرواية فى الفصول اللاحقة ليظهر الطفلان وسط «بشر يرتدون أقنعة كثيرة على أجساد بشرية تتجول فى كل الأرجاء فى أزياء أبطال كل أساطير وحكايات الكون» مع التركيز على شخص يدعى «المتعدد»؛ حيث يتميز بمكانة فى الناس لما له من الوجاهة فى المنطق وقوة الحجة، ليسلط الراوى الضوء على قضية يختلف فيها «المتعدد» مع الحاضرين الذين يخطب أمامهم ويتجاذبون حولها أطراف الحديث، وهى: هل لا داعى للغضب إذا ما وصف أحدهم الآخر بأنه صاحب وجهين؟.

ليجيب المتعدد عن السؤال بطريق غير مباشر:«هل يقابل أحدنا أحبابه بالوجه نفسه الذى يقابل به أعدائه؟ وهل الوجه الذى تتعامل به مع الناس الضعفاء هو ذاته الوجه الذى تتعامل به مثلا مع وحش قرر أن يفترسك؟»، أجاب الحاضرون: «بالطبع لا».
استخدم المتعدد هذه الحيلة فى الإقناع ليصل إلى ما يريد إقناعه للحشد من أن: «صاحب الوجه الواحد مثله مثل لابس القناع، وصاحب الوجهين إما أنه فشل فى الوصول لحالة إنسانية تسمح له بترجمة مشاعره على وجهه، وإما أنه اختار ألا يصل للإنسانية، نحن خلقنا بوجوه كثيرة، الأدق بوجه قادر على التعبير عن وجوه كثيرة، تظهر حالات كثيرة، ليس فقط لتحمينا، إنما أيضا لتحمى الآخرين، هذا هو الوجه الإنسانى... ولو استغنينا عنه أو عطلناه، فنحن الخاسرون».
يميل وليد علاء الدين الحائز على جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحى عام 2015 عن مسرحية «72 ساعة عفو»، وجائزة الشارقة للإبداع العربى عام 2007 عن مسرحية «العصفور»، إلى إضفاء مؤثرات فنية ومناظر مختلفة توشى بأن الرواية أقرب إلى فن المسرح، مثلما نجد فى الفصل الثالث استخدام موسيقى صاخبة تحتل الصدارة بصورة أثرت على سماع أصوات الأشخاص والأتوبيسات ونباح الكلاب، تجمع الحشد حول المتعدد فى دائرة مغلقة وكأنهم كيان واحد متعدد الأطراف، كل هذه المشاهد يتخللها فاصل من الحوارات المطولة بين شخصيات متعددة يزدحم بهم المشهد الواحد.
يمسك الولد بيد الطفلة ويركضا معا نحو بقعة ضوء لمحاها من بعيد تشى بأن عندها المزيد والمزيد، ليلتقيا «مجموعة من الناس يبدون أقارب ومعارف مقربين لبعضهم البعض، من رجال ونساء فى أعمار وهيئات مختلفة، يقودهم أحد ممثلى التعصب الدينى الذى لا يعرف من الدين سوى العبادات الظاهرية من الشكليات والقشور، وهو الشاب «وائل»، الذى يضمر بداخله خلاف ما يظهره للناس من غيرة على الدين وأمر بمعروف ونهى عن منكر.
وجد وائل نفسه ابنا لأبوين مختلفين تماما فالأب«الشيخ مصعب» الذى يلعن زوجته التى رفضت ارتداء النقاب، بدلا من أن يترحم عليها بعد وفاتها، «مكنش يستجرى يرفع عينه فيها عشان كان عايش فى خيرها اللى لسة بيتمرغ فيه لدلوقتى»، يحب وائل ابنة خالته عزة التى تذكره بوالدته التى كانت، تحب الشعر والفسلفة.
رغم معالجة الرواية لفكرة تحول البشر إلى أشخاص مزيفين يتظاهرون بما ليس فيهم، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، وأحيانا يرتدون أقنعة الحيوانات، فضلا عن محاولة الراوى التمييز بين صاحب الوجهين ومن يمتلك وجها واحدا قادرا على التعبير عن مختلف المواقف، يُحسب للراوى أنه أضفى إليها شيئا من السخرية التى تكسر الجو العام الذى يكتنفه الغموض وتزاحم الشخصيات، فضلا عن تقديم العلاقة الرومانسية بين الولد والبنت.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك