فجر الإسلام (2).. كيف أصبح امتزاج العرب بالحضارات نموذجا في التعايش والمدنية؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 2:26 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فجر الإسلام (2).. كيف أصبح امتزاج العرب بالحضارات نموذجا في التعايش والمدنية؟

محمد حسين:
نشر في: الجمعة 24 مارس 2023 - 2:00 م | آخر تحديث: الجمعة 24 مارس 2023 - 2:00 م

قبل نحو خمسة عشر قرنا من الزمن، قاد النبي محمد رسالة الإسلام من قلب شبه الجزيرة العربية، وبدأ بلاغه بالأقربين من أهله وأبناء قبيلته ومجتمعه، ثم كانت الهجرة للمدينة المنورة بمثابة توسعا لرسالة الإسلام وتأسيس دولته بمكونات فكرية وحضارية.

ومع تمدد الدولة الإسلامية، زاد التأثر والتفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى، ووثقت الكتابات والمراجع التاريخية الأحداث التي جرت في تلك الحقب، وتناولها المفكرين على نحو من التحليل.

ومن بينهم كان الكاتب أحمد أمين، حين أصدر كتابه "فجر الإسلام"، وأرّخ من خلاله لفترة حيوية من التاريخ الإسلامي، حيث يتعقب فيها الحياة العقلية منذ صدر الإسلام حتى نهاية الدولة الأموية، ونتناول أجزاء منه في حلقات مسلسلة على مدار أيام الثلث الأول من شهر رمضان المبارك.

وإلى الحلقة الثانية..

تناولنا في الحلقة السابقة، فترة مبكرة في تاريخ الإسلام، حيث كان بمهده وبداية ظهوره، وفي أول مراحل التعريف بأركانه وأفكاره وأسسه، ومقارنتها بما كان عليه العرب في العصر الجاهلي.

وفي حلقة اليوم، نقلب في صفحات التاريخ، مع تجاوز الإسلام لحدود شبه الجزيرة العربية إلى أن تُوفي رسول الله ﷺ، لم يكن الإسلام قد تعداها، وبدأت سلسلة الفتوحات مع عهد خلافة أبي بكر.

• امتزاج بالحضارات

ومن أبرز نتائج تلك الفتوحات، كان الامتزاج بأمم أخرى، فبعد الفتح صارت البلاد مسكونة بالفاتحين والمفتوحين جميعًا، واشتركوا في الحركة الاجتماعية والاقتصادية؛ ونقل الكاتب أحمد أمين عن وِلْهَوْسِن، فيلسوف ألماني وعالم متخصص في الأديان، قوله: «إن أكثر من نصف سكان الكوفة كانوا من الموالي، وكان هؤلاء الموالي يحتكرون الحِرَف والصناعة والتجارة، وكان أكثرهم فرْسًا في جنسهم وفي لغتهم، جاءوا الكوفة أسرى حرب ثم دخلوا في الإسلام ثم أعتقهم مالكوهم العرب، فكانوا موالي لهم، وبذلك صاروا أحرارًا، ولكنهم ظلوا في حاجة إلى حماية سادتهم، فهم حاشية العرب وأتباعهم في السلم والحرب».

• المدينة مركز الدولة

وكذلك سائر البلاد أصبح فيها العنصر العربي والعنصر الأجنبي ممتزجين تمام الامتزاج، في فارس والشام ومصر والمغرب، حتى جزيرة العرب نفسها لم تعد جزيرة العرب، بل صارت جزيرة المسلمين جميعًا؛ فقد كانت «المدينة» مقر الخلافة في عهد الفتوح الكبرى، عهد عمر، فكان يقصدها الرسل وذوو الحاجات من الأمم الأخرى، ويأتي إليها الأسرى؛ لأن تعاليم عمر كانت تقضي ألا تُوزع الغنائم والسبي في البلاد المفتوحة، إنما يُأتى بها إلى مقر الخلافة ثم تُوزع، فامتلأت المدينة وما حولها بالعناصر غير العربية؛ وكانت مكيدة قتل عمر مدبرة من بعض سكانها من الفرس، ومنفِّذها أبو لؤلؤة الفارسي، أضف إلى هذا أن مكة والمدينة كانتا مقصد الحُجاج والزائرين من الداخلين في الإسلام من بقاع الأرض، وهكذا جعل جزيرة العرب شائعة بين المسلمين، تختلط فيها العناصر المختلفة، وشأنها في ذلك شأن الممالك الأخرى المفتوحة، ليس من فارق إلا أن العنصر العربي في جزيرة العرب أكثر، والعنصر الأجنبي في الممالك المفتوحة أعظم.

• انعكاسات إيجابية

كل هذه العوامل التي ذكرناها كان لها أثرها في الامتزاج، فالعادات الفارسية والرومانية امتزجت بالعادات العربية، وقانون الفرس والقانون الروماني امتزجا بالأحكام التي أوضحها القرآن والسنة، وحِكَمُ الفرس وفلسفة الروم امتزجت بِحكم العرب، ونمط الحُكم الفارسي ونمط الحُكم الروماني امتزجا بنمط الحُكم العربي؛ وبالإجمال كل مرافق الحياة والنظم السياسية والاجتماعية والطبائع العقلية تأثرت تأثرًا كبيرًا بهذا الامتزاج.

• أمة أكثر مدنية

وإذا كانت هذه الأمم المفتوحة أرقى من العرب مدنية وحضارة وأقوى نظمًا اجتماعية كان من الطبيعي أن تسود مدنيتهم وحضارتهم ونظمهم؛ وإذا كان العرب هم العنصر القوي الفاتح عدَّلوا هذه النظم بما يتفق وعقليتهم، فسادت في البلاد المفتوحة النظم التي كانت متبعة من قبل الفتح، كنظام الدواوين ونحوه، وأقِر على ما كان عليه.

وغدا نلتقي في حلقة جديدة..



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك