تُجْمِع المصادر التاريخية، والباحثون وعلماء المصريات، على أن "شم النسيم" هو عيد مصري قديم تعود جذوره لآلاف السنين، وأن شعوبا وحضارات إنسانية أخرى نقلت تفاصيل هذا العيد عن قدماء المصريين.
وتربط المصادر والدراسات بين عيد شم النسيم والعقيدة المصرية القديمة، حيث ارتبط ذلك العيد في مصر القديمة، بفصل الحصاد "شمو" والذي يرمز للبعث وتجدد الحياة، وذلك وفقا للفلسفة الآزورية التي عرفها المصري القديم.
ويقول الباحث المصري عصام ستاتي، الباحث في التراث واللغة المصرية القديمة، في كتابه: "شم النسيم.. أساطير وتاريخ وعادات وطقوس" والصادر ضمن مطبوعات الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، إن شم النسيم، وعيد الربيع، والنيروز، والفصح، وعيد أدونيس، ورأس السنة البابلية، جميعها أسماء لعيد واحد.
ويلفت إلى أن "شم النسيم" بقي لليوم، على الرغم من اختفاء أعياد أخرى عرفتها مصر القديمة، مثل "وفاء النيل"، واندماج أعياد أخرى في نسيج الديانات السماوية، وأصبحت أعيادا دينية خالصة، وبقي شم النسيم دون صهره أو دمجه في داخل المنظومة العقائدية، وصار على مر الزمان وحتى اليوم عيدا لكل المصريين من مسلمين ومسيحيين.
ووفقا لكتاب "شم النسيم.. أساطير وتاريخ وعادات وطقوس"، فقد انتقل عيد شم النسيم من مصر إلى ممالك العالم القديم بنفس الفلسفة الآزورية التي تعبر عن البعث وتجدد الحياة، حيث أخذت الأسطورة أشكالاً مـخـتـلـفـة للتعبير عن الحـصـاد، (إله يموت ثم يعيش فـتنتعش الدنيـا وتزدهر).
وانتقلت الاحتفالات بعيد شم النسيم ، "شمـو" المصري القديم، بنفس الوظيفة الدينية ذات الصلة بالعبادة، إذ كانت الديانة في مصر القديمة وظيفية، لكل إله وظيفة وغرض من تقديسه ، وانتقل هذا العيد للممالك والحضارات الأخرى باسماء مختلفة وعـادات قـد تـتـشـابـه أحـيـانا وتختلف أحيانا أخرى.
واتخذت الحضارات القديمة هذا العيد رأسا لسنتهم كما فعل المصريون القدماء، بأن اتخذوه رأسا لسنتهم غير الزراعية (سنتهم المدنية)، واعتبروه أيضاً بداية الخلق وأول الزمان، وأقاموا الاحتفالات والطقوس كما فعل المصريون، ومن بين تلك الحضارات التي انتقل إليها عيد شم النسيم البابلية، والفينقية، والفارسية.
وبحسب الباحث المصري، عصام ستاتي، فقد انتقل عيد شم النسيم بعد ذلك إلى المسيحية، لأنه وافق مصادفة عيد القيامة، ولما دخلت المسيحية مـصـر، أصبح عـيـدهـم يلازم عيـد المصريين القدماء، ولذلك يقع شم النسيم دائما يوم الاثنين أي اليوم التالي لعيد الفصح، أو عيد القـيـامـة.
ويقع شم النسيم وسط مـجـمـوعـة من الأعيـاد القبطية المسيحية ، فهو يقع مع أربعاء أيوب، وخميس العهد، والجمعة الكبيرة، وسبت النور وعيد القيامة.
وكان الآوز والبط من الأطعمة التي يتناولها قدماء المصريين في يوم احتفالهم بشم النسيم، وذلك بجانب الخماسية المقدسة، وهي البيض والفسيخ والبصل الأخضر والخس والملانة.
يُذكر أن عيد شم النسيم، هو عيد من أعياد الطبيعة، وقد سمي في اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) باسم "شمو" وهي تسمية كانت تطلق على أحد فصول السنة المصرية القديمة، وبمرور الزمن تغير هذا الاسم من "شمو" إلى "شم"، خاصة في العصر القبطي، ثم أضيفت إليه كلمة "النسيم" فأصبح "شم النسيم".
وتعني كلمة شمو في الهيروغليفية "فصل الحصاد"، حيث قسم المصرى القديم السنة إلى ثلاثة فصول هي أخت (فصل الفيضان)، ويبدأ من شهر يوليو إلى شهر أكتوبر، ثم برث (فصل بذر البذور)، ويبدأ في نوفمبر، ثم شمو (فصل الحصاد)، ويبدأ في مارس.
وكما كان "شم النسيم" في مصر القديمة، مناسبة لإقامة احتفالات ضخمة، وتبادل الورود، والتجمعات وولائم أكل السمك المملح "الفسيخ"، وغيره من الأطعمة التي ارتبطت بتلك المناسبة، فقد توارث المصريون الكثير من تلك المظاهر التي عرفتها مصر القديمة في الاحتفال بـ"شم النسيم".
وبقيت تلك المظاهر باقية حتى اليوم، وفي مقدمتها الخروج للحدائق العامة، وشواطئ نهر النيل، وأكل "الفسيخ" وغير ذلك من الأطعمة والطقوس التي تشهدها مصر خلال الاحتفال بـ"شم النسيم" في كل عام منذ عهود الفراعنة وحتى اليوم.