ثروت عكاشة.. البناء العظيم للثقافة في مصر - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:37 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثروت عكاشة.. البناء العظيم للثقافة في مصر

ثروت عكاشة
ثروت عكاشة
شيماء شناوي
نشر في: الجمعة 26 فبراير 2021 - 7:52 م | آخر تحديث: الأحد 28 فبراير 2021 - 12:44 ص

ــ يعده كثيرون واحدا من أهم مؤرخى الفنون حول العالم
ــ اهتم بشكل خاص بالفلسفة والموسيقى والأدب..
ــ من أشهر أعماله «الفن الهندسى» و«الفن والحياة» وترجمة «النبى» لجبران

حين قال الرئيس جمال عبدالناصر لثروت عكاشة: «لم أدعك لشغل وظيفة شرفية، بل لأننى أعرف أنك ستحمل عبئا لا يجرؤ على التصدّى لحمله إلا قلة من الذين حملوا فى قلوبهم وهج الثورة حتى أشعلوها. وعلينا أن نعزق تربتها ونقلبها ونسويها ونغرس فيها بذورا جديدة لتنبت لنا أجيالا تؤمن بحقّها فى الحياة والحرية والمساواة».. وكان يعلم أن مشروع الرجل سيواجه حربًا ضروسًا، وقدم له الدعم الذى يستحقه، لكن شخصية عكاشة التى تبغض الصراعات من أجل المصالح الشخصية، وتميل إلى الإنجاز فى سلام سئمت الحرب المستمرة على مشروعه الثقافى، ما جعله يتقدم باستقالته للرئيس أكثر من مرة. لكن ناصر المؤمن بمشروع وحلم عكاشة ويرى دأبه ومثابرته على تحقيق الحلم رفض الاستقالة، وقال للمشير عامر: «أبلغ ثروت عكاشة أن حكومة الثورة لا تقبل استقالة أى من أعضائها»، حسبما قال الدكتور صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، خلال ندوة سابقة فى معرض القاهرة للكتاب 2020.

«مُنقذ آثار النوبة ومعبدأبو سمبل»
وخارج الثكنات العسكرية كان لعكاشة دور وطنى بارز آخر، بعد تصديه إلى معركة الحفاظ على الآثار المصرية، المهددة بالغرق إثر إنشاء السد العالى، ونجاحه الباهر فى إقناع المؤسسات الدولية بالعمل على إنقاذ معبدى فيلة وأبوسمبل وغيرها من الآثار المصرية فى بلاد النوبة الزاخرة.

وقد أولى عكاشة للفلسفة والموسيقى والأدب والفنون اهتمامًا خاصًا، وكان متذوقًا للموسيقى وتناول فى مؤلفاته الفروق بين الموسيقى ذات الإيقاع البسيط، والإيقاع المركب، باعتبار أن الإيقاع هو الوسيط بين الموسيقى والفكر. ومكانة عكاشة الذى يُعد واحدا من أهم مؤرخى الفنون حول العالم، فهو الذى أرخ للفنون فى الحضارات المختلفة، وناقش أسباب تتطور الفن فى مختلف العصور من كل الجوانب الأدبية والفنية والثقافية، ومن ترجم الأعمال الشعرية المرتبطة بالقطع الموسيقية، فضلًا عن اهتمامه بقضية وحدة الفنون واعتبار أن الفنون متكاملة ولا تتجزأ، وأن على الفنان أن يكون عارفًا بفروع الفنون المختلفة.

«قديس فى محراب الفن»
يروى الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، والشقيق الأصغر لدكتور ثروت عكاشة، أنه حين دعا أخيه ليلقى محاضرة بعنوان «التطهُّر النفسى من خلال الفن»، فإذا بشقيقه يرفض فى البداية، وعندما أصر الشقيق الأصغر رضخ له، لكنه قال: «أحتاج إلى ستة شهور لإعداد هذه المحاضرة». وهو الموقف الذى يؤكد أن ثروت عكاشة كان يعمل كقديس فى محراب الفن بحسب تصريح أحمد عكاشة لبرنامج «حصة قراءة»، مشيرًا إلى أن أخاه الأكبر ظل حتى الأيام الأخيرة من حياته: «يعمل لأكثر من 15 ساعة فى اليوم، يقرأ ويطالع المراجع ويكتب دون مساعدة أحد، وأنه كان حريصًا على وقته وألا يضيعه فيما لا يفيد فنه».

ويحكى الدكتور أحمد عكاشة أنه لم يعزف على آلة موسيقية لكنه تذوق الموسيقى من خلال ثروت، ولم يكتب الشعر لكنه استمتع به من خلال ثروت، ولم يرسم فى حياته لوحة، لكن الفن التشكيلى كان متعة بالنسبة له عبر ثروت، مشيرًا إلى أن أخاه كان يعقد معه صفقات تحفزه على التأمل ودراسة الفن والتعلم من جميع فنون الحياة، ليصبح الشقيق الأكبر هو الصديق والأستاذ والأب، وليستحق هذا الفارس النبيل ما قاله فى رثائه الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالى والبحث العلمى السابق: «إذا كان الدكتور طه حسين هو عميد الأدب العربى، فإن الدكتور ثروت عكاشة هو بلا شك عميد الثقافة المصرية».

«بين التأليف والترجمة والعمل العام»
.. هذه الساعات الطويلة كانت وراء الإنجاز الأدبى والثقافى والفنى للدكتور ثروت عكاشة، الذى لم يتوقف عن الكتابة والترجمة طوال حياته، ولم يعطله عمله وزير للثقافة أن ينجز مشروعاته الخاصة فى العمل الثقافى، فهو من كتب عن التاريخ الإسلامى، والفن العراقى والفارسى والتركى والإغريقى والرومانى والبيزنطى والإسلامى والوصفى، وغيره من مؤلفات كاملة حول القيم الجمالية فى العمارة المصرية، وأصدر كتبا فى فن النحت والتصوير، والفن المصرى القديم السكندرى والقبطى.
إسهامات عكاشة فى الثقافة لم تقتصر على التأليف فقط، بل شملت الترجمة، فهو صاحب ترجمات مجموعة من أهم المؤلفات العالمية منها كتابات الشاعر والأديب اللبنانى جبران خليل جبران، «النبى، حديقة النبى، عيسى أبن الإنسان، رمل وزبد، أرباب الأرض، وغيرها» ومؤلفات فاجنر، واتيين دريوتون، وكتاب المعارف لأبن قتيبة وغير ذلك.

«عكاشة مع النبى جبران وحديقته»
فى ترجمته لكتاب النبى قدم الدكتور ثروت عكاشة دراسة وافية لسيرة الكاتب والأديب اللبنانى جبران خليل جبران، تناول خلالها أدق تفاصيل حياة جبران الأسريّة والدينيّة وفسر تأثير حياته على مؤلفاته واختياره لأدواته الإبداعيّة من رسم وتصوير وشعر وكتابة نثرية،
كما يتعرّض لمرحلة هامة جدا من حياة جبران وهى حياته فى المهجر وعلاقاته النسائية، وتبنِّى إحداهن له إبداعيّا خلال إقامته بباريس لدراسة الفنون، مستشهدًا بمقتطفات من كتاب «النبى» وغيرها من أعمال أخرى.
وهو الأمر ذاته الذى قام به فى ترجمة «حديقة النبي»، مستعرضًا بلغة ومفردات غاية فى الثراء تاريخ الحدائق فى الأدب، فضلًا عن قدرة كبيرة على ترجمة فلسفة وأفكار جبران بلغة هى أقرب لروح النص المنقولة عنه، إذ حرصت دار الشروق على عهدها مع الأعمال الجبرانية أن تضع النص العربى فى مقابل الإنجليزى الأصلى، وكذلك ترجمته لـ«أرباب الأرض» لجبران، إذ قدم النصوص بلغة أقرب إلى التأليف على الرغم من صعوبة ترجمة الأشعار بشكل عام.

«فلسفة الفنون وتاريخ الحضارات»
بتناغم وفلسفة خاصة حلق الدكتور ثروت عكاشة فى فضاءات خصبة ومتكاملة للفن، حول العالم فكتب ووثّق عبر ثمانية وعشرين كتابا، اختار لهم عنوان «العين تسمع والأذن ترى» لفنون عالميّة مختلفة، وهى الكتب التى باتت تشكّل مرجعا مهما للباحثين والدارسين والمثقفين والفنانين التشكيليين وطلبة الفنون الجميلة.

«الفن الصينى»
وفى كتابه «الفن الصينى»، عن دار الشروق، قدم الباحث الدكتور ثروت عكاشة الفن الصينى وتاريخه واختلاف مذاهبه منذ أقدم العصور وحتى الوقت الحاضر عبر حقائق ولوحات وصُوَر ملونة، كما عرض لملامح الصين التاريخية والعقائدية والفكرية والفنية. والعمارة الصينية؛ مسيرتها وتطوّرها عَبْرَ العصور التاريخية المختلفة، وموضحًا أهم سماتها وعناصرها. تبع ذلك فن النحت ثم فنون التصوير، بادئًا بفن الكتابة الخطية، ثم بفلسفة التصوير الصينى وقوانينه، قبل أن يختتم الكتاب بقراءة فى تاريخ وتطور الدراما الصينية وأهم قواعدها وموضوعاتها.
فى هذا الكتاب وهو الجزء الثانى من ثلاثية «فنون الشرق الأقصى» بعد كتاب «الفن الهندى»، والجزء الحادى والثلاثون من سلسلة «العين تسمع والأذن ترى»، بذل عكاشة جهدًا كبيرًا لجَمْع صُوَر كتابه من مصادر شَتَّى تتنوع بين المتاحف، والكتالوجات، والمجموعات الخاصة.. فانتقى أفضلَها وأبرزَها مما يبين أدق أسرار الفن الصينى ومزاياه.

♦ «حول الفن الهندى»
فى الحلقة التى خصصها برنامج «حصة قراءة» للحديث عن مؤلفات الدكتور ثروت عكاشة، يحكى الدكتور أحمد عكاشة أن شقيقه عندما شرع فى تأليف كتاب «الفن الهندى»، كان يتردد على السفارة الهندية بالقاهرة بين مرتين لثلاث مرات أسبوعيًا للحديث حول ما يحتاجه من معلومات، وطلب صور بعينها دافعًا مقابلها، ومنتظرًا وصولها ليستقبلها كما يستقبل المحب لمحبوبته، مشيرًا إلى أنه كان يقضى وقتًا طويلًا فى المطابع للتأكد من جودة الصورة قبل طبعها فى الكتب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك