مصر.. هل أصبحت جرائم القتل الزوجي ظاهرة يجب أن نخشاها؟ - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:42 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر.. هل أصبحت جرائم القتل الزوجي ظاهرة يجب أن نخشاها؟

تعبيرية
تعبيرية
ياسمين سعد
نشر في: الثلاثاء 27 يوليه 2021 - 10:49 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 27 يوليه 2021 - 10:49 ص

• آمنة نصير: يجب أن يتبنى الأهالي زواج أبنائهم لعام كامل
• محمد هاني: أطالب الرئيس بإطلاق 100 مليون صحة نفسية
• انتصار السعيد: جرائم القتل الزوجي تكثر في المواسم بسبب الأعباء الاقتصادية
4 أيام عيد، و3 جرائم قتل زوجي، هذا ما عشناه خلال موسم عيد الأضحى، الذي أريقت فيه دماء بعض الأسر المصرية بجانب الأضاحي على التوازي، فهل أصبحت جرائم القتل الزوجي ظاهرة يجب أن نخشاها؟ وهل دافع القتل هو أن "الناس مبقاش عندها دين؟"، كما يشاع من قبل البعض، أم أن القتل الزوجي نابع من أزمات اقتصادية وعدم المساواة بين الجنسين؟ وهل أصبحنا بحاجة إلى حملة قومية تحت عنوان "100 مليون صحة نفسية" لتأهيل المواطنين نفسيا ومنع هذه الجرائم العنيفة من التكرار؟.

تقدم "الشروق" إجابات تلك الأسئلة خلال التقرير التالي، لكن في البداية نستعرض، ماذا حدث خلال عيد الأضحى؟

• 3 جرائم قتل زوجي

في القليوبية، انتهت حياة محاسب يدعى "محمد"، على يد زوجته "ريهام" في قرية طنط الجزيرة التابعة لمركز شرطة طوخ، بعد أن أقدمت الزوجة على طعن زوجها يوم وقفة عيد الأضحى المبارك؛ بسبب خلاف وقع بينهما على شحن عداد الكهرباء بشقتهما في القرية.

أما فى بنى سويف، أدلى محمود، 37 سنة، باعترافات تفصيلية أمام نيابة إهناسيا، تفيد بقتل زوجته بعد أن طعنها في رقبتها وصدرها وبطنها؛ لتركها المنزل ورفعها قضية خلع، بسبب مشاجراتهما المتكررة، وبعدها قام بقطع شرايين يده بقصد الانتحار، لكنه فشل في ذلك.

وفى الدقهلية، شهدت قرية شاوة التابعة لمركز المنصورة، جريمة قتل راحت ضحيتها طبيبة على يد زوجها الطبيب، الذي سدد لها 11 طعنة، بسبب مشادة كلامية بينهما، وفر هاربا عقب ارتكاب جريمته، ولم يتم القبض عليه حتى هذه اللحظة.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز، "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"، صدق الله العظيم، فلماذا اختفت المودة والرحمة التي حثنا عليها الله تعالى من المنازل التي وقعت بها جرائم القتل الزوجي؟

• القتل الزوجي ظاهرة مرضية

أكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن "القتل الزوجي" ظاهرة مرضية رهيبة، لأن الشعب المصري لم يكن بهذه القسوة من قبل في العموم، فما بال هذه القسوة تخرج الآن من البيت الذي أمر الله سبحانه وتعالى ببناؤه على المودة والرحمة.

وقالت: "أشعر بحالة من الحزن والرعب على الأسرة المصرية، فما نراه الآن من جرائم قتل بين الأزواج، سببه غياب المودة والرحمة التي أمرنا بها الله تعالى في بناء البيوت، بجانب تغليب الأمور المادية على المعنوية للأسرة، وللأسف لا يدرك الكثير من بناتنا وأولادنا، الفرق بين الحب الرومانسي وبين الحياة الزوجية داخل منزل يحل عليه جميع الأوقات، الرضا وعدم الرضا، فهم لا يعلمون كيف يتعايشون مع هذه التقلبات اليومية".

وأضافت أن الظاهرة الإجرامية التي نشهدها حاليا هي وصول الكراهية بين الأزواج إلى حد القتل، وأن الأسرة عليها عامل في الوصول لهذه الظاهرة، لأنه قديما كانت الزوجة تغضب وتذهب لمنزل أهلها، ثم يتم إجراء حوار مع جميع الأطراف لتقريب وجهات النظر، ورفع الأذى بين الزوجين، فكان تدخل الأب والأم هاما جدا لمحاولة ربط البيت المتكسر برباط قوي، لكن للأسف غاب الأب والأم عن مساندة ابنتهما ومحاولة إصلاح المنازل، مؤكدة أنه من هنا بدأ الشقاق في المنازل المعنّفة.

وعما إذا كان سبب جرائم القتل هو كما انتشر من تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي "الناس مبقاش عندها دين"، أشارت إلى أن "(ناس معندهاش دين)، جملة يريد أن يختصر من خلالها الأشخاص القضية كلها، لكن هذه الجرائم تحدث ليس فقط لانعدام الدين، ولكن أيضا لانعدام التربية النفسية والاجتماعية والأخلاقية".

أما عن إطلاق رواد السوشيال ميديا لأحكامهم الخاصة على جرائم القتل، لفتت إلى ضرورة توقف الناس عن إصدار الأحكام على الأشياء التي لا تخصهم، وعن التحدث فيما يعنيهم وما لا يعنيهم، موضحة أن رواد التواصل الاجتماعي ليسوا جهة تحقيق أو جهة قضائية، فبأي حق يتحدثون ويطلقون الأحكام؟، مشيرة إلى أنه يجب أن يترك الناس إصدار الأحكام لأهل التخصص فقط.

وترى الدكتورة آمنة أن حل هذه الأزمة يكمن في التقويم المنزلي، مشيرة إلى أنه لابد وأن تربي الأسرة أبناءها على معنى الزواج الحقيقي، وأنه ليس مجرد شعر ورومانسية فقط، بل هو الحياة بكل مصاعبها، مؤكدة أنه إذا تم تربية الفتيات والأولاد على هذا المعنى من الصغر، سيكبرون وهم يفهمون ما هم مقبلون عليه، ولن يتفاجئوا بعد الزواج.

كما طالبت، آئمة المساجد، بأن يتبنى كل منهم قضية عن أسس النفس والتربية، وبناء الحياة الأسرية المستقيمة، وأن يناقشوها في خطبة كل يوم جمعة للمواطنين، كما طالبت الأسر بأن تتبنى منازل أبنائهم المتزوجين بشكل إيجابي وتربوي، على الأقل خلال السنة الأولى من الزواج؛ لتعليم الأبناء كيف يعيشون داخل هذه المؤسسة الإنسانية بنجاح.

• علاج نفسي لحماية عشرة العمر

وعندما تصل مشكلات الزواج إلى ذروتها، يستعين بعض الأزواج بالعلاج النفسي للحفاظ على ما تبقى من عِشرة العمر، أو لإكمال الزواج من أجل الأبناء، فهل يوجد حاليا المزيد من المشكلات الزوجية التي تدق أبواب الأطباء النفسيين، لإنقاذها من الوصول إلى حالة الانفجار التي قد تفضي إلى القتل؟

• ليست ظاهرة ولكن حالة متطورة

يجيب عن هذا التساؤل الاستشاري النفسي، الدكتور محمد هاني، الذي أعرب عن استياؤه من استخدام كلمة "ظاهرة" على حالات القتل الزوجي، موضحا أنه إذا أخذ الشعب المصري في الاعتبار أن القتل الزوجي ظاهرة، فستبدأ الأسرة المصرية في الانهيار، خاصة في ظل الارتفاع المتزايد لنسب تأخر الزواج والطلاق، فلن يقبل أحد على الزواج بعد الآن، وسيحاول المتزوجون الانفصال، خوفا من الزوج أو الزوجة الذين سيتحولون إلى قتلة في أي لحظة.

وقال الدكتور هاني: "القتل الزوجي ليس ظاهرة، ولكني أفضل تسميته بالحالة المتطورة، فهو ما زال في حيز الجرائم الفردية، وأستقبل أزواجا أصف لهم الطلاق كعلاج، لأنني أرى أن خلافاتهم من الممكن أن تحولهم إلى قتلة في المستقبل، فأقول لهم (لو عشتوا مع بعض أكتر من كده، حد فيكم هيموت التاني.. الطلاق ليكم رحمة)، فالطلاق في بعض الأحيان أفضل علاج للطرفين، خاصة إذا كانت الحياة بينهما مستحيلة".

وعن سبب حدوث جرائم القتل الزوجي الأخيرة، أكد أن سببها هو عدم السوية النفسية، لأنه ليس من المعقول أن أي شجار بين شخصين، ينتهي بقتل أحد منهما، موضحا أن الإنسان السوي نفسيا يكون قادرا على التحكم في انفعالاته وقت غضبه، أما من لا يستطع السيطرة على نفسه وقت الغضب ويرتكب فعل القتل، يكون وصل إلى مرحلة عدم السواء، ولا يشعر بما يفعله وقت الغضب، كما قالت قاتلة زوجها "مكنش قصدي".

وأشار إلى أن الصحافة تزيد من الضغط النفسي للناس، وذلك من خلال التركيز على نشر قضايا القتل الزوجي باستمرار للحفاظ على "التريند"، وهذا ما يشعر المواطنين بأن القتل الزوجي أصبح ظاهرة، معربا عن استياؤه من إجراء حوارات مع أهل الضحايا والجناة قبل صدور أي بيانات رسمية من التحقيقات، مما يخلق حالة من التوتر في المجتمع.

وأضاف أن إجراء مثل هذه الحوارات مع أهالي الضحايا والجناة، يشجع رواد مواقع التواصل الاجتماعي على إصدار الأحكام على الآخرين، مثل انتشار الحديث عن والدة قتيل طوخ، مناشدا الإعلام بعدم تسليط الضوء على هذا النوع تحديدا من القضايا، كما طالب، القضاء المصري، بمعاقبة أي شخص يجري حوارات أو يصور مشاهد خارج نطاق نشر التحقيقات الصادرة من الجهات الرسمية، وذلك لعدم إثارة البلبلة.

وعن تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي وإصدارهم للأحكام على قضايا القتل الزوجي، بالإضافة لتصميم الكوميكس للسخرية من جرائم القتل الزوجي، قال: "السوشيال ميديا كشفت مدى التشوهات النفسية الموجودة في المجتمع المصري، فعلى سبيل المثال، الناس توصلت إلى أن الجاني في قضية طوخ، هو والدة الضحية، واقتنعوا بذلك، وانقسموا إلى فريقين، أحدهما يدافع عن الزوجة، والآخر يهاجمها، وده (هري بطريقة مرعبة)، وعدم سواء نفسي، كما أن نشر الكوميكس عن جرائم القتل يعتبر نوعا من البلادة وعدم الإحساس بالآخرين؛ مما ستحول جرائم القتل لشيء عادي، ربما يصل إلى أن يرتكب شخص جريمة قتل جديدة، لأنه تعوّد أن يضحك عليها".

وأكد أن التوعية بمفهوم الزواج هام جدا هذه الأيام، كما أن التوعية بأهمية الطلاق في بعض الأحيان هامة أيضا، موضحا أنه لا يمكن إجبار أحد على البقاء مع شخص آخر من أجل أي هدف، كما أشار إلى أن الرجل والمرأة المقبلين على الزواج، يجب أن يشعرا بالاقتناع التام عن شريكهما، ولا يتزوجا لمجرد إرضاء الأهل تحقيقا لجملة "عاوزين نفرح بيك"، لأن تلك الأسباب الواهية تدمر الزواج، بما فيهم الزوجين.

وطالب، الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإطلاق حملة "100 مليون صحة نفسية"؛ لأن الشعب المصري أصبح بحاجة إليها في ظل جرائم العنف المنتشرة حاليا، على أن تعمل كل وزارة على التأهيل النفسي للشعب للقضاء على التشوهات النفسية التي شاهدناها مؤخرا، فعلى سبيل المثال، تقوم وزارة الشباب والرياضة بتأهيل الشباب نفسيا، كما تقوم وزارة الأوقاف بنشر التوعية الدينية والقيم في المجتمع، في حين يقوم المركز القومي للأمومة والطفولة بدعم الأمهات والأطفال نفسيا، وهكذا، متابعا: "لازم نشتغل دلوقتي على أرض الواقع مع الناس، ولازم نأهلهم نفسيا للتعامل مع الحياة".

• هل الحركات النسوية سبب القتل الزوجي؟

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تدعم نظرية أن الحركات النسوية هي السبب في قتل الزوجة لزوجها، وأن معدلات قتل الزوجات لأزواجهن في ازدياد مستمر، فهل هذا هو ما يحدث بالفعل على أرض الواقع؟

"ده كلام فارغ"، هكذا تقول انتصار السعيد، المحامية ورئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، موضحة: "الحركات النسوية تعمل على مناهضة العنف ضد المرأة، وعدم التمييز بينها وبين الرجل، ولكن لا تشجع على القتل، فالقتل هو مشاعر وحشية تنتاب الإنسان في لحظة من اللحظات، وهناك أزواج كثر يقتلون زوجاتهم، هل تقوم الحركات النسوية بتحريضهم على القتل أيضا؟".

وأوضحت أن القتل الزوجي ظاهرة موجودة بالفعل في المجتمع المصري، وأن أعداد جرائم القتل الزوجي تزيد في المواسم بسبب الأعباء الاقتصادية، مشيرة إلى أن الزوجات هن الأكثر عرضة للقتل، وذلك لانعدام ثقافة المساواة بين الجنسين، مؤكدة أن هذا هو الواقع الذي تراه بعينيها بحكم عملها كمحامية.

وأرجعت تركيز الناس على مواقع التواصل الاجتماعي على الحديث عن جريمة قتل الزوجة لزوجها أكثر من جريمتين قتل فيهما الزوج زوجته، إلى طبيعة المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه، موضحة أنه وبالرغم من أن بيان النائب العام أوضح بالأدلة أن الزوجة قتلت زوجها دفاعا عن النفس، وأن هناك آثار خنق واضحة على رقبتها، على عكس مثلا الزوج الذي قتل زوجته وفر هاربا، مازال يتحدث المجتمع عن الزوجة القاتلة بسبب طبيعته الذكورية.

وأشارت إلى أنه ساعد على ذلك أيضا، حديث الزوج عن زوجته على موقع فيسبوك، مما أثار تساؤلات الناس: "إزاي اتنين بيحبوا بعض يوصلوا لكده؟"، وهذا جعل الزوجة الحلقة الأضعف في القضية من وجهة نظر السوشيال ميديا.

ولفتت إلى أن حل هذه الأزمة يكمن في وجود برامج لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج، موضحة أن جرائم القتل الزوجي الأخيرة، تم ارتكابها على يد أشخاص حاصلين على مؤهلات عليا، مشيرة إلى أن الرجل الذي قتل زوجته، يعمل كطبيب، ولذلك يجب أن يخضع للتأهيل جميع طوائف الشعب بمختلف ثقافاتهم، منوهة بأنه يجب أن يتعلم الأطفال في مناهج المدارس أهمية المساواة بين الجنسين، وأن يكون هناك قانون لتجريم العنف ضد المرأة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك