نبيل فهمي يكتب: محطتان ونصف - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 4:39 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمي يكتب: محطتان ونصف

تصوير سلمى خضر
تصوير سلمى خضر

نشر في: الأربعاء 27 يوليه 2022 - 11:51 م | آخر تحديث: الأربعاء 27 يوليه 2022 - 11:51 م

قام الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي بزيارة للشرق الأوسط شملت محطتين ونصف ،في إسرائيل وبيت لحم والمملكة السعودية، ورغم غرابة هذا الوصف وما يبدو عليه من تبسيط للأمور، فاعتقد أنه يعكس ترتيبات الزيارة بدقة شكلًا، بعدما بات في كل من إسرائيل والمملكة وقضي جزء من يوم عمل مع السلطات الفلسطينية، والأهم من ذلك أنه عكس أيضًا الأولويات الأمريكية من الزيارة وأهم مضامينها للأطراف المضيفة والمشاركة.
وذلك لاحتياج بايدن وإسرائيل التحاور حول مدى اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط والتزامها بأمن إسرائيل ومصالحها الإقليمية، وكذلك إدارة وتنسيق ردود الفعل للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران من عدمه، مع اختلاف الرؤى في هذا الخصوص، وهي زيارة شملت تنسيق المواقف حول العديد من القضايا التكنولوجية والعلمية، واستثمار إسرائيل لها في علاقاتها الخارجية، كان ذلك مع العرب أو مع غيرهم مثل الصين، والولايات المتحدة في ذلك بالغة الحساسية والتمسك بحقوق الملكية الفكرية والأمنية.

وصدر عن هذه المحطة "إعلان القدس"، والذي لم يراعي الحساسيات الدولية أو العربية على الإطلاق، فعنوانه يقر ضمنيًا بالسيادة الإسرائيلية على القدس، خاصة ولم يتضمن الإعلان أي إشارة أو إيحاء بتوافر تحفظ أمريكي في هذا الشأن، ولم ينوه النص بأي التزام إسرائيلي تجاه حل الدولتين أو أُسسه، أو حتي مطالبة أمريكية لإسرائيل بوقف الإجراءات المعرقلة للسلام مثل التوسع الاستيطاني والجارية حاليًا في الضفة الغربية والساحات المحيطة بالقدس، وأكد البيان مجددًا على استجابة أمريكا لاحتياجات إسرائيل الأمنية، وخطورة السياسات الإيرانية النووية، ودون مطالبة إسرائيل بالتشاور المسبق قبل أي عمل أحادي، وتلى الزيارة مباشرة تصريحًا من رئيس الأركان الإسرائيلي بأنهم يعدون لعمل عسكري شامل ضد إيران إذا لزم الأمر، وهو أمر أثق أنه أزعج الجانب الأمريكي الذي لايزال يسعي للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.

ومن ثم فمع تحفظي شكلًا وموضوعًا على إعلان القدس لا يسعني إلا الاعتراف أنه يعكس التوازن الغريب القائم بين أمريكا وإسرائيل في الوقت الحالي، فلم يعد يعطي بايدن القضية الفلسطينية الاهتمام الواجب، وخلا البيان عن اشارة إلى التزام اسرائيل بحل الدولتين، ولم يشمل حتي اكتراث كلاهما بالقدر الكاف بالمواقف والمطالب الفلسطينية، وجاءت الالتزامات جميعا وحصريا من قبل أمريكا لإسرائيل

وأبرز إيجابيات نصف اليوم الأمريكي في الساحة الفلسطينية كانت أن بايدن قرر تناول ولو قليلًا هذا الموضوع، كجزء مما يسمى بالمواقف الأمريكية التقليدية، استجابة للتيار اليساري داخل حزبه المتمسك بحل الدولتين، خاصة بعدما تراجع عن تصحيح عدد من القرارات "الترامبية" مثل إغلاق القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية، وإغلاق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن، واكتفي باستئناف المساعدات الأمريكية، وقد أكد بايدن أنه يدعم الفلسطينيين اقتصاديًا وإنسانيًا، مع التنويه أنه يؤيد حل الدولتين، مع التنويه أن ذلك لن يتحقق في المستقبل المنظور، وإذ أشار إلى معاناة الشعب الفلسطيني، فكان من الأجدى والأوقع سياسيًا أن يعبر عن كل ذلك علنيًا في إسرائيل كرسالة سياسية للمنطقة وللعالم، وليس في بيت لحم كرسالة إنسانية، يلاحظ أنه طالب السلطة بدعم المؤسسات والتعامل مع الفساد، في حين يطالب إسرائيل بوقف أيًا من ممارساتها اليومية غير المشروعة ضد الفلسطينيين، أي أن ايجابيات المحطة النصفية كانت في رمزيتها وجوانبها الإنسانية، وسلبياتها كانت في رعونة جوانبها السياسية.

أما المحطة الثانية في الجولة فكانت في السعودية، وأجدها الأكثر حساسية والأقوى من حيث النتائج للجانب العربي، وأعني بذلك الرسالة الأعمق والاستراتيجية وبما يتجاوز قرارات محددة حول قضايا بعينها، كان يمكن تحقيقها عبر اتصالات دبلوماسية مكثفة، فلقد مرت العلاقات الأمريكية العربية بقدر غير قليل من الاضطراب عقب انتخاب بايدن والمواقف التي اتخذها قبل وبعد انتخابه مباشرة، وعلى وجه الخصوص مع السعودية والإمارات ومصر، وها بايدن يحضر إلى جزء من العالم العربي ويزور المملكة ويلتقي مع قادة هذه الدول وغيرهم، وهناك دلالة هامة لكونه الضيف المبادر والملح الذي اهتم بالتوقف عربيًا، و قبل بأغلب ترتيبات المضيف، قبل بكل ذلك حسب قوله لاعادة مركزة العلاقات الأمريكية السعودية الممتدة، والتواصل الاستراتيجي مع مصر، وتكثيف الاتصالات مع الإمارات وصيانة المصالح الأمريكية في العالم العربي، في ظل المنافسة المستجدة والقادمة من روسيا والصين، رغم أن الدافع الرئيسي كان محاولة ضبط أسعار الطاقة العالمية وتداعياتها الاقتصادية وأثرها السلبي على فرص الإدارة والحزب الديمقراطي في انتخابات الكونجرس القادمة، فضلًا عن السعي التقليدي لخطوات محددة وإنما محدودة تجاه إسرائيل، بعد ما روجته إسرائيل عن خلق حلفًا عربيًا إسرائيليًا ضد إيران.

وأرى في القمة الأمريكية مع عدد من القادة العرب أهمية كبيرة، ليس لحداثة أسلوب السلام والتحية بالقبضة و الذي ركز عليها الإعلام، أو نتيجة للتوصل إلى بعض الاتفاقات المحددة، وإنما باعتبارها مؤشر بيقين أمريكي أنها تحتاج المنطقة وعليها مراعاة الحساسيات والمواقف العربية بجدية أكبر،كما عكست أيضا أن العرب أيقنوا أنهم يستطيعوا التمسك بمواقفهم شكلًا وموضوعًا حتى مع الولايات المتحدة، وكانت فرصة لمراجعة المدى الحقيقي والواقعي للدعم الأمريكي، والدور الذي ستلعبه في المنطقة مستقبلًا، وهي أهم انجازات المحطة العربية، انجاز سيكون له توابع إيجابية كثيرة إذا استمرت الدول العربية على هذا السبيل، وللمملكة السعودية الدولة المضيفة دورًا هامًا ومميزًا في هذا الصدد، علمًا أنني كنت أفضل أن ينظم الاجتماع في السعودية على يومين أحدهما للدولة المضيفة كما شهدنا، والآخر برئاسة مشتركة للسعودية ورئيس القمة العربية مقابل الجانب الأمريكي، حتى يكون اللقاء عربيًا بشكل كامل، ولا يصور على أنه مرتبط في المقام الاول بمجلس التعاون الخليجي مع أهميته.

والخلاصة أعتقد أن الزيارة كانت مفيدة عربيًا وخاصة للسعودية ومصر والإمارات، لأنها فتحت المجال لإعادة العلاقات إلى صلتها الطبيعية، وجاءت مفيدة لهؤلاء وكافة الأطراف العربية الحاضرة لأنها وفرت فرصة مباشرة للعرب للتقييم الموضوعي للقدرات والنوايا الأمريكية، وبعد هؤلاء اجد أن إسرائيل انتهزت الفرصة لتثبيت وتأكيد الدعم الأمريكي لها مع زيادة الأصوات الناقدة لتعنتها تجاه الفلسطينيين، وجاء الجانبان الفلسطيني والأمريكي في المرتبة الثالثة، حيث تم تسليط الأضواء ولو لحظيًا على القضية الفلسطينية والمعاناة الإنسانية، وكانت فرصة أمريكية للعودة لتبني سياسات واقعية، وهي الدولة الكبرى الداعمة، وإنما التائهة سياسيًا بين السعي لإعادة تاريخ وأمجاد الدولة العظمى والخشية والتردد من تحمل مسؤوليات ذلك في ظل بروز توجه انعزالي مجتمعي، بعد اخطاء فادحة ومكلفة نتيجة لغزوات حربية غير مشروعة وغير مدروسة، لا يزال لها صدى داخلي واسع، وهو ما جعل بايدن يشير إلى أنه أول رئيس أمريكي يزور المنطقة دون أن تكون بلاده مشتركة في نزاع عسكري.

وزير خارجية مصر الأسبق



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك