«بهاء طاهر كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته.. جديد في رؤيته ومتفرد في نوع أدائه.. الصدق هو النبرة الأولى التي تصافحك في سطوره، والتوازن الموضوعي هو العلامة الواضحة التي يقيم عليها بناء نصوصه».. هكذا وصف الكاتب علاء الديب رواية "الحب في المنفى" للأديب الراحل بهاء طاهر.
وتعتبر رواية الحب في المنفى من العلامات المميزة في المسيرة الأدبية للروائي والقاص والمترجم مصري الكبير بهاء طاهر، فقد جسد مشاعر حقيقة قد مر بها بالفعل، مشابها بما مر به الراوي، ويعالج طاهر خلال هذه الرواية أنواع الاغتراب، سواء کان داخل مصرأم خارجها، وعكس الأزمة التي يعيشها جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وإحساسهم بالاغتراب في الزمن الحالي المتناقض مع زمنهم الذي عاصروه.
خلال 314 صفحة يؤكد بهاء طاهر أننا بصدد رواية استثنائية، انحاز خلالها طاهر للخيال ولكنه نجح في أن يعكس الواقع بين ثنايا الأحداث بأسلوب فريد ولغة متميزة، حيث تدور أحداث الحب في المنفى في بداية الثمانينيات، قبل وبعد الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، وتحكي بلسان صحفي مصري ناصري في الخمسين من عمره، صدم في ما آلت إليه بلاده بعد رحيل عبد الناصر نفسه، وانتقال البلاد من زعيم إلى قائد.
مر بعدة اضطرابات في حياته الزوجية انتهت إلى الطلاق من زوجته منار، سافر بعدها إلى سويسرا حيث عمل مراسلا لصحيفة لم تعد تنشر له أي شيء، لأنه لا يزال مواليا لعبد الناصر!.
رواية «الحب في المنفى»، تتكون من 11 فصلا من بينهم: ماضٍ بعيد، ماضٍ ميت، هشة كفراشة، كم أنت جميل، طبول لوركا لدم الشاعر، كل أطفال العالم، صعود الجبل.
يقول بهاء طاهر في الرواية: "في ساعة الظهيرة، في فسحة الغداء التي تتخلل يوم العمل الطويل لمن يعملون كنا نجلس معًا، نشرب القهوة، تحدثني عن نفسها وأحدثها عن نفسي، ويقربنا الصمت أكثر عندما نتطلع عبر زجاج المقهى إلى ذلك الجبل المستطيل المتعرج، الرابض على ضفة النهر الأخرى كتمساح طويل الذيل، ولكني لما بدأت أشتهيها أصبحت ثرثارًا. كنت أتحصن وراء جدار الكلمات لكي لا أفتضح، تتدافع كلماتي الفارغة جرارة ومسلية ومتتابعة، مثل شرنقة دودة عراها جنون الغزل فلا تستطيع أن تكف".
ويضيف: "أعرف أنك منذ مدة كففت عن أن تقرأ ماكبث أو غيرها، لم تعد تقرأ غير الكتب التي تثبت لك أنك على حق وأن كل الآخرين على خطأ، ولكن احذر يا خالد! احذر لأن كل الشرور التي عرفتها في الدنيا خرجت من هذا الكهف المعتم، تبدأ فكرة وتنتهي شرًا: أنا على حق ورأيي هو الأفضل، أنا الأفضل إذن فالآخرون على ضلال، أنا الأفضل لأني شعب الله المختار والآخرون أغيار، الأفضل لأني من أبناء الرب المغفورة خطاياهم والآخرون هراطقة، الأفضل لأني شيعي والآخرون سنة أو لأني سني والآخرون شيعة، الأفضل لأني أبيض والآخرون ملونون أو لأني تقدمي والآخرون رجعيون، وهكذا إلي ما لا نهاية".
ويتابع: "انظر يا خالد إلي ما يدور في الدنيا الآن، انظر إلى تلك الحرب التي لا تريد أن تنتهي بين العراق وإيران وكل طرف فيها على حق ومفاتيح الجنة تُوزع دون حساب والدم ينزف دون حساب، انظر إلى تلك المجزرة في لبنان وشعب الله المختار يستأصل شعبًا غير مختار ويقول قائد جيشه “العربي الجيد هو العربي الميت” كل ذلك القتل لأن القاتل دائمًا هو الأفضل، هو الأرقى، وعجلة المجازر تدور طوال الوقت لتستأصل الآخرين، الأغيار، أعداء الرب، أعداء العقيدة الصحيحة، أعداء الجنس الأبيض، أعداء التقدم، الأعداء دائمًا وإلي ما لا نهاية، مع أنه لا توجد في العالم حرب شريفة غير تلك التي تدافع فيها عن بيتك أو عن أهلك أو عن أرضك وكل حرب غيرها فهي قتل جبان".
ورحل عن عالمنا اليوم الكاتب الكبير الأديب بهاء طاهر، عن عمر يناهز الـ87عاما، وهو يعد من أعلام الأدب العربي، وواحدا من أبرز كتّاب جيل الستينيات، وصاحب مسيرة إبداعية حافلة بالأعمال المتفردة في عالم القصة والرواية والترجمة.
الروائي والكاتب بهاء طاهر يعد «أيقونة مميزة» فى الأدب العربى الحديث، حيث امتلك قدرة مذهلة على التعبير عن نصوصه بمستويات متعددة من السرد واللغة، وله من القومات الهائلة التى يتمتع بها بهاء طاهر وأدبه ونصوصه وإبداعه، لن تغيب أعمال بهاء طاهر الادبية والإبداعية عن أذهان محبينه وستظل حية في قلوب قرائه.
ولد بهاء طاهر في الجيزة، مصر سنة 1935، وحصل خلال مشواره الأدبي على عدة جوائز حيث منح الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008 عن روايته واحة الغروب، حصل على الشهادة الجامعية من كلية الآداب قسم التاريخ، عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973.