أكد الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، عمق وخصوصية العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن مسار تعزيز التعاون المشترك يشهد تقدماً ملحوظاً، خاصة في القضايا الإقليمية والإنسانية، وعلى رأسها الأوضاع الكارثية في قطاع غزة والسودان، إلى جانب ملف الهجرة غير الشرعية.
جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده وزير الخارجية، اليوم الخميس، مع حاجة لحبيب المفوضة الأوروبية للمساواة والاستعداد وإدارة الأزمات.
وردًّا على سؤال "الشروق"، حول رؤية مصر لفرص نجاح الدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي لوقف التصعيد بالسودان، قال وزير الخارجية: "إننا نرحب ترحيباً كاملاً بانخراط الرئيس ترامب بشكل مباشر في الأزمة السودانية"، مشيراً إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سبق أن طلب من الرئيس ترامب شخصياً - خلال اللقاء الذي تم في مدينة السلام بشرم الشيخ - أن ينخرط في هذه الأزمة.
وتابع: "ورحبنا بإعلان الرئيس ترامب في هذا الشأن بعد لقائه مع الأمير سلمان، وبالتالي نأمل في أن يؤدي هذا الانخراط المباشر إلى وضع حد لهذه الكارثة التي تحدث في السودان".
* أزمة منسية
وأعرب عن الأسف أن هذه الأزمة أصبحت تُطلق عليها “الأزمة المنسية”، مضيفًا: "لأن لا أحد في المجتمع الدولي يهتم بها رغم أنها أكبر كارثة إنسانية موجودة الآن على وجه البسيطة"، معرباً عن الأمل في أن يؤدي هذا الاهتمام والانخراط الأمريكي المباشر إلى وضع كل الأطراف المعنية أمام مسئولياتها.
وأشار إلى أن يتم وضع حد لهذه الجرائم والأعمال التي تُرتكب بحق المدنيين، وأن يؤشر ذلك إلى توفير البيئة المناسبة لتنفيذ إعلان الرباعية الصادر في 12 سبتمبر من هذا العام، متابعًا: "بحيث نتحرك في اتجاه الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية الشاملة التي لا تُقصي أحداً".
ورحب الوزير في مستهل المؤتمر بالمسئولة الأوروبية، والوفد المرافق خلال زيارتهم الحالية إلى مصر.
* مباحثات بناءة مع المفوضة الأوروبية
ووصف الوزير، المباحثات التي عقدت اليوم مع المفوضة الأوروبية بأنها "بناءة"، مشيراً إلى أن المباحثات عكست خصوصية العلاقات التي تجمع بين مصر والاتحاد الأوروبي والتي تم ترفيعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة.
ولفت في هذا الصدد إلى القمة الأولى بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتي عقدت قبل أسابيع بالعاصمة البلجيكية بروكسل، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأضاف أنه حرص اليوم على مناقشة العديد من الملفات حول العديد من القضايا، خاصة في المجالات الإنسانية، وعلى رأسها الأوضاع الإنسانية الكارثية في غزة، وكذا الأوضاع في السودان، بالإضافة إلى الأزمات الأخرى في سوريا والمنطقة العربية والأفريقية.
وأكد وزير الخارجية أن مسار تعزيز العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي يمضي بشكل متميز، منوها بالأعباء الجسيمة التي تتحملها مصر نتيجة للأزمات الجيوسياسية بالمنطقة، إذ تمثل ظاهرة الهجرة غير الشرعية تحدياً مشتركاً للجانبين المصري والأوروبي.
ونوه بالمقاربة التي تتبناها مصر على هذا الصعيد، والتي تنطلق من ضرورة التعامل مع تلك الظاهرة من منظور شامل وبما يؤكد أهمية معالجة هذه القضايا والأزمات من جذورها.
* دور مصر في مواجهة الهجرة غير الشرعية
وأشار إلى أهمية الدور المصري، خاصة أنه لم يخرج قارب واحد يحمل على متنه مهاجرين غير شرعيين من الموانئ المصرية منذ شهر سبتمبر 2016.
وأوضح أنه تم الاتفاق في هذا الصدد على أهمية تعزيز التعاون خلال الفترة القادمة لفتح مسارات قانونية للهجرة النظامية.
وقال وزير الخارجية، إنه أحاط المفوضة الأوروبية علماً بكل الأعباء التي تتحملها مصر نتيجة لاستضافة أكثر من 10 ملايين لاجئ، وأهمية التعاون مع الاتحاد الأوروبي والشركاء الدوليين في تقاسم وتخفيف هذه الأعباء.
وأشار الوزير عبدالعاطي، إلى أن المباحثات تطرقت إلى الأوضاع الإقليمية وعلى رأسها الوضع في فلسطين المحتلة، لافتًا إلى أهمية الزيارة التي من المقرر أن تقوم بها المفوضة الأوروبية غداً إلى محافظة شمال سيناء بما يعكس حرص المفوضية الأوروبية على الاطلاع على الأوضاع على الأرض في الجانب المصري من معبر رفح، ونقل صورة حقيقية وواقعية عن معاناة المدنيين في قطاع غزة إلى باقي المسئولين الأوروبيين، وإبراز الحقائق حول جهود مصر في دعم الأشقاء في قطاع غزة سواء من خلال الدعم الإنساني أو الطبي.
* حجم المساعدات الإنسانية المصرية إلى قطاع غزة
ولفت إلى أن مصر قدّمت أكثر من 70% من حجم المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى القطاع منذ اندلاع الحرب الغاشمة على قطاع غزة في أكتوبر 2023، فضلاً عن الرعاية الطبية التي تم تقديمها لأعداد كبيرة من المرضى والجرحى الفلسطينيين بالمستشفيات المصرية.
وأضاف أن المفوضة الأوروبية ستطلع على الأرض على المركز اللوجستي ومقر الهلال الأحمر المصري، وكل ما تقدمه مصر من دعم إنساني ولوجستي للأشقاء في قطاع غزة، خاصة أن معبر رفح يعمل على مدار الساعة من الجانب المصري، متابعًا: "لكن للأسف لا يزال مغلقاً من الجانب الآخر بسبب التعنت الإسرائيلي".
وأوضح أنه تم أيضاً مناقشة آخر المستجدات على الأرض في قطاع غزة وجهود تثبيت وقف إطلاق النار منذ التوقيع على اتفاق شرم الشيخ، منوهاً إلى الإعداد الجاري لمؤتمر القاهرة للتعافي المبكر وإعادة الإعمار وتنمية غزة.
وأكد وزير الخارجية، الأهمية البالغة للبدء الفوري في تنفيذ مشروعات للتعافي المبكر وإعادة تأسيس البنية التحتية بالقطاع وتوفير المأوى الملائم لسكانه وضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية بشكل آمن وسريع ودون عوائق، وهو ما يتطلب بطبيعة الحال فتح جميع المعابر التي تربط إسرائيل بقطاع غزة باعتبار أن هذه مسؤولية قانونية يفرضها القانون الدولي على إسرائيل باعتبارها قوة الاحتلال.
وأضاف أنه رحّب في هذا الصدد بعقد الاجتماع الأول لمجموعة مانحي فلسطين، والذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل يوم 20 نوفمبر الجاري، مؤكداً أهمية المشاركة الفعالة والمساهمة الملائمة من الاتحاد الأوروبي ومن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للأشقاء في قطاع غزة، وأيضاً في الضفة الغربية سواء فيما يتعلق بتوفير المساعدات أو جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار.
* الأوضاع الكارثية في السودان
وقال وزير الخارجية، إنه تناول مع المسئولة الأوروبية أيضاً الأوضاع المأساوية والكارثية في السودان وتداعياتها على دول الجوار، والجهود المخلصة التي تقوم بها مصر لوضع حد لهذه الحرب المدمرة لمقدرات الشعب السوداني، وما نبذله من جهود في إطار الرباعية الدولية في هذا الشأن.
وأضاف أنه حرص على إحاطة المفوضة الأوروبية علماً بكل هذه التطورات، والأهمية البالغة للحفاظ على المؤسسات الوطنية للدولة السودانية، وفي القلب منها المؤسسة العسكرية السودانية، مشدداً على ضرورة معالجة الأوضاع الكارثية في دارفور على ضوء الجرائم التي ارتُكبت عقب سقوط الفاشر.
وأضاف أنه تم أيضاً الحديث عن الأهمية البالغة لإنشاء ملاذات آمنة في غرب السودان في دارفور حتى تكون ملاذاً آمناً ومؤمناً للأشقاء السودانيين الذين هربوا من ويلات المجازر التي ارتُكبت في حقهم عند سقوط الفاشر، لافتاً إلى أنه تم مناقشة الأهمية البالغة لتعزيز نفاذ المساعدات من خلال ممرات إنسانية آمنة في السودان مع الاحترام الكامل لسلامة السودان وسيادته الكاملة.
وأضاف أنه تم إدانة الفظائع التي ارتُكبت في الفاشر، مشيداً باهتمام مفوضة الاتحاد الأوروبي حاجة لحبيب بمستجدات الأزمة السودانية.
* بحث الأزمات الإنسانية في المنطقة
وذكر أنه تم بحث العديد من الأزمات الإنسانية في المنطقة، وبصفة خاصة الأوضاع في سوريا ولبنان، والأزمات التي تمر بها القارة الأفريقية.
من جانبها، قالت مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساواة والاستعداد وإدارة الأزمات، حاجة لحبيب، إن المباحثات ركزت على العديد من الموضوعات وعلى رأسها الأوضاع في غزة والسودان، مشيرة إلى أن "هناك الملايين ممن فقدوا أرواحهم ونُزحوا من أراضيهم".
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي أكبر مانح في مجال المساعدات الإنسانية، متابعة أن مصر فتحت ذراعيها لآلاف الفلسطينيين الذين تأثروا بالحرب الضروس وقدمت لهم الإغاثة والعلاج، من بينهم 30 ألف طفل، مؤكدة أن مصر صاحبة الدور الرائد في المساعدات الإنسانية.
وأعربت عن شكرها وتقديرها لمصر على تقديم المساعدات للفلسطينيين منذ اندلاع الحرب، مشيرة إلى أن مكتب الاتحاد الأوروبي في غزة تم إغلاقه على وقع الحرب، وهناك ضرورة لتوفير الدعم للشعب الفلسطيني.
وأوضحت أنها ستقوم بزيارة إلى الجانب المصري من معبر رفح لمتابعة جهود إدخال المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن إدخال المساعدات.
وشددت على أنه بعد انتهاء الحرب يجب أن تكون هناك عملية للتعافي المبكر وإعادة الإعمار؛ مؤكدة ضرورة تضافر الجهود الدولية لذلك.
* انخراط الاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم للفلسطينيين
وقالت إن عملية إعادة الإعمار تمهد الطريق لتطبيق حل الدولتين، مشيرة إلى انخراط الاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم لـ600 ألف فلسطيني يحتاجون الإغاثة، حيث خصص 220 مليون يورو لدعم الشعب الفلسطيني.
وشددت على أن الأمر الأكثر أهمية هو إنفاذ الإغاثة دون عوائق عبر معبر رفح، خاصة أن وصول المساعدات منصوص عليه في خطة السلام.
وفي شأن الوضع السوداني، قالت لحبيب، إن ما يحدث في السودان أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يعاني نصف الشعب السوداني من أزمة إنسانية حادة، مضيفة أن ما يقوم به الدعم السريع في الفاشر "مذبحة وليس حرباً وقد أدنّا هذه الجرائم"، مشددة على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار.
وأكدت أن مصر تعمل منذ بداية الأزمة السودانية على وقف إطلاق النار وتقديم الدعم الإنساني للسودانيين، مشيرة إلى أن نصف اللاجئين في مصر سودانيون، من بينهم أطفال ونساء.
وأثنت على الجهد المصري لتوفير المأوى والمساعدات الإنسانية والطبية لملايين السودانيين، متابعة أن مصر تعول على الاتحاد الأوروبي، وكذلك الاتحاد يعول على مصر في إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.