- سفير مصر الأسبق فى واشنطن: العلاقات المصرية الأمريكية تدخل محطة جديدة.. وتطورها يعتمد على قدر استثمار الجانب المصرى فى إنجاحها
- الرئيسان السيسى وترامب قادران على إذابة الجليد الذى صبغ العلاقات فى عهد أوباما.. والأخير تبنى فكر الإخوان دون تجنٍ عليه
- الإخوان نجحوا فى اختراق المؤسسات الأمريكية فى السنوات الأخيرة.. وروجوا لمشروعهم كبديل للتطرف.. ومواجهة ذلك يتطلب رؤية مصرية كاملة لا تعتمد فقط على الاستعانة بشركات الدعايا
- هناك أهمية خاصة جدا للدور الشخصى فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى المرحلة المقبلة.. والكيميا المشتركة بين ترامب والسيسى يمكنها إذابة الكثير من نقاط التباعد
- الدولة المصرية تمر بأخطر مراحلها منذ نشأة الدولة الحديثة على يد محمد على.. وإقامة علاقات قوية مع أقطاب الكونجرس يسهِّل من الحفاظ على مصالحنا.. وتحركنا يجب أن ينطلق من مفاهيم الدولة المدنية والمواطنة ومكافحة الإرهاب والتطرف
اعتبر السفير عبدالرءوف الريدى سفير مصر الأسبق فى الولايات المتحدة، زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى المرتقبة إلى واشنطن تشكل فرصة مهمة للترويج للرؤية المصرية بشأن الصعيدين الداخلى والإقليمى لاسيما وأنها تأتى بعد سنوات من برود علاقات البلدين، تمكنت خلالها جماعة الإخوان من اختراق مراكز الفكر التى وصفها بأنها «مفرخة السياسيين» فى الولايات المتحدة. وأكد الريدى فى حواره مع «الشروق» ضرورة استغلال «الكيميا» الموجودة بين السيسى وترامب فى هذا الإطار، فضلا عن العمل على تعميق التواصل مع قيادات الكونجرس لما له من صقل فى عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية. وإلى نص الحوار:
* كيف تقرأ زيارة الرئيس السيسى لواشنطن فى هذا التوقيت؟
ــ بالتأكيد تدخل العلاقات المصرية الأمريكية فى هذه الفترة مرحلة جديدة، واعتقد أن نجاح الزيارة وما سيبنى عليها من تطور فى العلاقات بين البلدين على جميع المستويات، سيكون أبرز الإنجازات التى حققها الرئيس السيسى خلال فترة حكمه على الصعيد الخارجى، لا سيما أنها تأتى فى أول عهد الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، وبعد فترة من التوتر والبرود فى علاقة البلدين خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
* البعض يعول بشكل متزايد على دور ترامب فى تحقيق نقلة نوعية فى العلاقات مع القاهرة، ما هى رؤيتك؟
ــ توجد نقطة فى غاية الأهمية يجب التأكيد عليها فى هذا السياق، هى أن السياسة الخارجية الأمريكية محددها الرئيسى هو تحقيق المصلحة الوطنية، لكن رؤية الرئيس ومساعديه وبالأخص الأول تحدد توجه الدولة الأمريكية، وقطعا يأتى ذلك بجانب المؤسسات الرسمية الأخرى مثل الكونجرس والإعلام ووزارة الدفاع والخارجية ومراكز الأبحاث، بل حتى هناك بعض الولايات التى تمتلك التأثير فى صياغة المصلحة الوطنية. فضلا عن الموازنات التى يقيمها الرئيس مع القوى الداخلية لصياغة المصلحة الوطنية، ولعل أبرزها الجالية اليهودية النشطة فى أمريكا.
ومن ثم فإن ترامب والمؤسسات الرسمية الأمريكية بتوجهها المنفتح القاهرة والرغبة فى طى صفة الماضى، بالتأكيد يمكن البناء عليها من أجل تطوير علاقات وإعادة الدفء لها.
* لكن مواقف ترامب تتسم كثيرا بالتناقض.. كيف ترى دوره فى الفترة المقبلة؟
ــ لا شك أننا بصدد مرحلة جديدة تعيشها الولايات المتحدة، فلم يكن أحد يتوقع أن دونالد ترامب قطب العقارات ورجل الأعمال الثرى أن يكون رئيسا للولايات المتحدة، لكنه قائد شعبوى تمكن من قراءة جيدة لمشاعر المواطنين غير الراضين عن سياسات الرئيس السابق باراك أوباما، رافعا شعارات تروق إليهم، ومنها «استعادة أمريكا مجددا» و«وجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».
وأرى أن ترامب رئيس بفكر جديد، من أبرز ما يميزه قدرته على طرح أفكاره بإصرار وشجاعة، فمثلا رغم ما تتسم به علاقة واشنطن مع موسكو من حساسية فى الأوساط السياسية الأمريكية، غير أن هذا لم يثنيه عن طرحه الخاص بإمكانية التقارب مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وحتى مشروعات التجارة وخروج الشركات الأمريكية فهو يركز على أمريكا وعودة الاستثمار إليها بغض النظر عن حلفاء بلاده التقليديين ومصالحهم.
وأرى أن هناك أهمية للدور الشخصى فى العلاقات بين الرئيسين السيسى وترامب، بالنظر إلى التقارب فى رؤيتهما والكيمياء المشتركة بينهما، وهى نقطة فى غاية الأهمية.
* هل ترى أن التوتر فى العلاقات فى عهد الرئيس السابق أوباما يعود فى جانب كبير لغياب ذلك التوافق؟
ــ بكل تأكيد، فالرئيس أوباما كان يتبنى بشكل فعلى فكر جماعة الإخوان، وهذا ليس تجنيا عليه. حيث نجحت الجماعة فى اختراق مراكز الأبحاث الأمريكية، وهذه المراكز فى غاية الأهمية لأنها هى من تصوغ عقول السياسيين داخل الولايات المتحدة. كما أن الإخوان نجحوا فى فهم العالم وانتقلت بصقلهم من لندن إلى واشنطن.
دعنى اوضح لك بمثال تأثير مراكز الأبحاث على صانع القرار الأمريكى، فالفكرة الأساسية لاتفاقية كامب ديفيد خرجت من رحم مؤسسة بروكنجز، عقب دراسة أجراها وليام بيل كوانت، مساعد الرئيس أنذاك لشئون الشرق الأوسط، وكان له تأثير فى رؤية الرئيس.
والإخوان نجحوا فى اختراق مراكز أبحاث انتجت أفكارا وأشخاصا، التحقوا بالعمل فى مجلس الأمن القومى، وهناك تمكنوا من الترويج لفكرة يمكن تسويقها جيدا بأنهم يقدمون نموذج للإسلام المعتدل فى مواجهة خطر الإرهاب والمنظمات الإرهابية المتطرفة، وهى فكرة لاقت رواجا فى الداخل الأمريكى.
* وماذا عن التحرك المطلوب لمواجهة تلك الاستراتيجية الإخوانية؟
ــ التحرك يجب أن يقوم على الترويج لفكرة الدولة المدنية والمواطنة بعيدة عن الحديث عن الاممية الإسلامية، أى دولة وطنية مؤمنة بالديمقراطية، دولة متعلمة متحضرة لا تؤمن بالفكر المتطرف، وتفصل بين الدين والدولة.
* وهل تروج لها الدولة المصرية بكفاءة الآن؟
ــ برغم أهمية هذا الطرح، فإنه للأسف لم يحدث ترويج بالشكل الكافى للرؤية المصرية فى صياغة الدولة المدنية داخل الولايات المتحدة ومؤسساتها الرئيسية المؤثرة فى صناعة القرار، ولم تسوق الفكرة كما يجب.
فبعد أن نجحت الدولة المصرية فى تسويق فكرة استعادة الشعب للدولة من أيدى المتطرفين والعنف، تركت مؤسسات الدولة عملية التسويق لمشروعها اللاحق لشخصية الرئيس السيسى، ولم تقم المؤسسات بواجبها، إذ لا بد أن تعمل الأخيرة على اختراق الإعلام ومختلف الأوساط الفكرية والبحثية الأمريكية من أجل التسويق لفكرة الدولة المدنية المصرية المتحضرة.
وأرى أن الحل ليس أسناد مهمة الترويج والتسويق لشركات العلاقات العامة، بل من الضرورى العمل على إيضاح الصورة إلى الأمريكان بشكل متكامل بين المؤسسات المصرية.
* هل ترى أننا فقدنا الفرصة الآن للترويج للرؤية المصرية؟
ــ لا لم نفقدها، ولكن لا بد أن تعمل على التواصل ثم فى مرحلة تالية تعمل على الصورة ذاتها، فقد تكون بحاجة لمراجعة بعض الجوانب، كأوضاع سجناء أو تعرض مواطنين لتعامل بشكل غير لائق، ومتابعة تلك الامور باستمرار يؤدى إلى تجنب أى نقاط قد تؤثر بالسلب على الترويج للرؤية المصرية.
* عودة إلى زيارة الرئيس السيسى للبيت الأبيض، ماهى نقاط القوة التى تعول عليها مصر فى المحادثات؟
ــ كما سبق وأشرت الزيارة محطة مهمة جدا لتطور العلاقات بين البلدين، فمصر يجب أن تنطلق مما تمتلكه من مقومات فهى الدولة الكبيرة فى الإقليم التى تتحدث باسم العرب، وأن تطرح رؤيتها للمخاطر التى تتعرض إليها المنطقة مثل الإرهاب، وضرورة التعامل على نحو مباشر مع جذوره الفكرية.
* وهل ترى أن هناك توافقا أمريكيا مصريا فى اللحظة الراهنة بشأن ملفات المنطقة الرئيسية؟
ــ رغم أن الرئيس ترامب جاء إلى البيت الأبيض بأفكار صادمة أثارت مخاوف الكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة، فإنه سيضطر للوصول إلى نقطة توازن، إذا أراد أن يستمر فى الحكم لولاية أخرى.
وأفكاره الآن هى بمثابة ردود فعل لمرحلة سابقة، وأمريكا فى الفترات الأولى لحكم رؤسائها تعمل كالبندول تذهب يمينا ويسارا، وحاليا واشنطن تمر بالمرحلة التى تتشكل فيها الرؤية. إذ توجد مواقف أعلنها ترامب خلال حملته الانتخابية وبعد تنصيبه رئيسا المؤسسات المحيطة به أكدت أنها مواقف غير قابلة للتحقق واقعيا.
فمثلا رغم تجاوز ترامب لمبدأ الصين الواحدة عقب فوزه بالرئاسة، فى أوائل حكمه خلال تعامله مع بكين فرض الواقع نفسه عليه، ورضخ لرؤية المؤسسات الأمريكية كوزارة الدفاع «البنتاجون» ووكالة المخابرات المركزية «سى آى إيه» والكونجرس، ولاشك أن الأخير هو أهم المؤسسات وأكثرها تأثيرا.
وأرى أنه على الرئيس السيسى بالتوازى مع الثقة القائمة بينه وبين الرئيس ترامب والكيميا المشتركة بينهما، أن يقيم علاقة قوية تتسم بنفس الدفء مع أقطاب الكونجرس بمختلف توجهاتهم. لذا أود التأكيد على أننى اعتبر أن الكونجرس ساحة معركة رئيسية لتطوير وتشكيل العلاقات بين البلدين. والرئيس السيسى يمتلك القدرة على أن يتحدث وجها لوجه بصراحة.. ليؤكد أن مصر تواجه تحديات اقتصادية وأمنية وتحديات أيضا فى مجال العلم والتكنولوجيا، ونريد أن نفتح صفحة تشمل كل هذه المجالات.
* وهل تعتقد أن الأرضية مهيأة لمثل هذا الانفتاح والتطور؟
ــ نعم الأرضية مهيأة، وهناك عزم متبادل لفتح صفحة جديدة، ومايميز الساحة الأمريكية أن الحديث فيها يتطرق لجميع الأصعدة. وفى الولايات المتحدة يجب أن تتجه حيث توجد القوى، والتى تكمن فى الكونجرس، فمثلا حين يتم توطيد العلاقة برئيس لجنة الاعتمادات العسكرية تحديدا فى الكونجرس، فهذا أمر مهم جدا لخدمة المصالح المصرية.
وأعتقد أن أهم شىء يمكن أن يحققه الرئيس السيسى فى واشنطن أن يقيم علاقة قوية وحوار صريح مع ترامب وأعتقد أن زيارته ايضا مهمة لمحاربة الإرهاب، يساند ذلك قيامه بعدد من الزيارات تشمل الكونجرس ويلتقى برئيس لجنة الشئون الخارجية ورئيس مجلس الشيوخ. وهذا ما يفعله الإسرائيليون بشكل أكبر وهم ناجحون فيه جدا.
كما أن تواصل الرئيس مع الكونجرس فرصة للتأكيد على أن مصر هى القوى القادرة على اقامة نظام اقليمى ناجح، فالآن يوجد سلام مع اسرائيل وانتهت فترة الحروب، لكن الخطر الحالى هو الإرهاب وهو خطر على جميع دول العالم، ومن ثم لا بد أن تقوم الرؤية على التأكيد على مساعدة مصر فى حربها ضد الإرهاب والوقوف بجانبها.
أرى أن مصر تمر الآن بمرحلة من أخطر المراحل فى تاريخها، منذ نشأة الدولة الحديثة فى عهد محمد على قبل أكثر من 200 عام. و من المهم أن تستوعب أبعاد وخطورة وقيمة المرحلة الحالية فى مصر، والشق الآخر لذلك يتصل بعلاقات مصر الخارجية وهى جزء أساس لانعكاس نجاحها فى الداخل