** باريس سان جيرمان وإنتر ميلان.. كرة قدم شابة مفعمة بالحيوية، وكرة قدم قديمة، تقليدية. على مسرح ملعب أليانز أرينا فى ميونيخ، كانت الحفلة الفنية قبل المباراة، مثل مقدمة لعزف كروى ممتع يقدمه باريس سان جيرمان. قبل الحفل قدم فريق لينكين بارك، عرضًا موسيقيًا راقصا وحماسيًا قبل المباراة، ثم عزف عازف كمانٍ لحن «جيش الأمم السبعة»، وحين بدأ باريس المباراة فإنه لم يمنح منافسه إنتر ميلان أى فرصة لالتقاط الأنفاس أو تنظيم صفوفه، ولكنه باغته بهجوم مسلح بمهارات الشباب والسرعة، والضغط العالى بلا توقف، وتكتيك جماعى، لفريق أكثر حيوية، فكان مينديزوفيتينا، محور خط الوسط، مديرى حركة باريس سان جيرمان الماهرين.
** ونجح يان سومر حارس مرمى إنتر ميلان فى التصدى لتسديدتين من دوى وعثمان ديمبلى فى الدقيقتين 10 و11.. فكان الإنذار مبكرا، والقصة خالية من دراما كرة القدم للفارق الهائل بين الفريقين. فريق شاب هو أصغر ثانى فريق فى معدل الأعمار يصل لنهائى أوروبا بعد أياكس أمستردام عام 1995 كما قال ناصر الخليفى قائد مشروع باريس سان جيرمان.
** المباراة كانت عرضا صاخبا ومرحا من باريس سان جيرمان مثل رقصة «الكان كان» الفرنسية. بينما كان الأمر بالنسبة لإنتر ميلان مثل مجزرة كروية مهينة. والنتيجة 5/صفر عكست الفجوة الهائلة بين الفريقين. حتى إن حكم اللقاء امتنع عن إضافة وقت بدل ضائع من شدة الفارق، وكأنها قمة الإهانة فى كرة القدم. وهكذا توج الفريق الباريسى بلقبه الأول فى أبطال أوروبا، بدون مبابى، وميسى، ونيمار. وفاز بثلاثية، دورى وكاس فرنسا مع اللقب الأوروبى، أما إنتر ميلان، فقد خرج بموسم صفرى بعد خسارة ألقاب الدورى وكأس إيطاليا وكأس السوبر الإيطالى، وخسر نهائى دورى أبطال أوروبا للمرة الثانية بعد السقوط، بهدف أمام مانشستر سيتى الإنجليزى قبل عامين!
** لمدة 12 دقيقة، كان باريس يمارس ضغطا خانقا. ثم تحول إلى أداء بطول الملعب، بقيادة دوى. وجاء الهدف الأول من تمريرة رائعة، بخطوط واضحة ودقيقة، لتنتهى الهجمة عند أشرف حكيمى الظهير الأيمن وهو فى قلب منطقة الست ياردات الخاصة بإنتر ميلان ليودع الكرة بقدمه اليسرى فى المرمى الخالى. وجاء الهدف الثانى بعد ثمانى دقائق، بواسطه لاعبه الشاب دوى (19 عاما). وهنا انتهت المباراة، فعلى مدى 20 دقيقة كان باريس سان جيرمان مسيطرا مهاجما، بينما إنتر ميلان عاجزا وحائرا يطارد لاعبى الفريق الباريسى ويطارد الكرة باحثا عنها ولا يجدها؟
** أحيانا يظل الإعلام أسيرا للنجوم اللامعة مثل مبابى، ونيمار، وميسى، وقد ظل كذلك وهم يظللون قميص باريس سان جيرمان. وهذا جزء مهم من الترويج الإعلامى المنطقى لكنه لا يجوز أبدا بالنسبة لإدارة تعمل على صناعة فريق قوى ولا يجوز أيضا لمدرب يعمل على صناعة فريق يحمل مقومات مهارات الكرة الجديدة. يملك السرعات، والمهارات الفردية، ويتكون من شباب حالم، متعطش، وواعد. ففى باريس سان جيرمان العديد من اللاعبين صغار السن. وهذا ما صنعته إدارة الفريق الباريسى والمدرب الإسبانى لويس إنريكى بإسلوب كتالونى.
** دوى نموذج، هو مهاجم مبتدئ من طرازٍ فريد، يتميز بدقة فنية فائقة فى حركاته السريعة فى المواجهات القريبة، واحد ضد واحد، ودائمًا ما يُقدم خدعة وضربة بكعبيه، ودائمًا ما يكون هادفًا، ولا يُقدم أبدًا على أى شىء غير مُبرر. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع دوى بتلك الميزة التى يتمتع بها أفضل اللاعبين، وهى الرؤية المُركّبة، والقدرة على التوقف للحظة والتجميد، والرجوع، وتقدير المساحة والزوايا من حوله فى ومضةٍ من الوقت. كيف له أن يصل إلى هذه المرحلة، وهو فى التاسعة عشرة من عمره، ويسجل هدفًا ويصنع آخر فى أول 20 دقيقة من نهائى دورى أبطال أوروبا، مع فريق لم يفز باللقب قط، والذى انضم إليه الصيف الماضى فقط.. ومثله سينى مايولو، البالغ من العمر 19 عاما أيضا، والذى دخل بديلا، ليُحرز الهدف الأخير (وهذا درس آخر لمن لا يتعلم الدرس ويعتبر صاحب الخمسة وعشرين عاما لاعبا شابا لا يملك خبرة).
** باريس سان جيرمان هو حاليًا أفضل فريق فى العالم. وبعد خسارته مباراتين نهائيتين فى ثلاثة مواسم، أبكى إنتر ميلان المتقدم فى السن جماهيره. فما هو شعور خسارة نهائى دورى أبطال أوروبا بنتيجة 5/صفر الآن؟ كان العديد من مشجعيه يبكون بشدة فى المدرجات، فهم الذين عبروا جبال الألب وهم مفعمون بالأحلام، ولكن الحلم كان كابوسا على مسرح أليانز إرينا.
** أصبح إنريكى سادس مدرب يتوج بلقب دورى أبطال أوروبا مع فريقين مختلفين عقب أنشيلوتى ومورينيو وجوارديولا وهاينكس وهاتسيفيلد..