نحو نقد ذاتى للثورة - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو نقد ذاتى للثورة

نشر فى : الخميس 2 فبراير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الخميس 2 فبراير 2012 - 9:15 ص

فى الذكرى الأولى لثورة يناير العظيمة تكرر المشهد المهيب الذى يليق بها. كان أبطال المشهد فى يناير2012 هم أنفسهم فى يناير2011، وتدفقت جموعهم إلى بؤرة الثورة فى التحرير على النحو ذاته الذى تدفقت به منذ عام. كانت الرسالة واضحة. وهى استمرار قدرة الثوار على الحشد ووضوح رؤيتهم، وهى رسالة موجهة إلى كل من يعنيه الأمر فى هذا الوطن: أن هذا الشعب قد استيقظ، ولن يُهان أو يُستعبَد بعد اليوم، وأنه الضامن الحقيقى للديمقراطية ومستقبلها فى مصر. لكننى اخترت أن أكتب فى هذه المناسبة نقدا ذاتيا للثورة، فكل من له صوت مسموع أو كلمة مكتوبة يهلل لما يفعله الثوار دون تحفظ، بينما يحتاج كثير من الأمور إلى إمعان نظر من أجل هذا الوطن ومستقبله، وأعلم أن السطور التالية قد تكون موضعا لسخط البعض أو حتى الكثيرين، لكن مشكلتى أننى لا أستطيع أن أخط حرفا واحدا ما لم أكن مؤمنا بالفكرة التى يحملها.

 

●●●

 

لاحظت بداية أن هتافات الثوار وشعاراتهم قد انصبت أساسا على المجلس العسكرى تنادى بسقوط «حكم العسكر» ومحاكمتهم على ما بدر منهم من أخطاء فادحة سقط بسببها مزيد من الشهداء، وانتُهِكَ مزيدٌ من الحقوق، وتسليم السلطة فورا إلى سلطة مدنية، وهى مواقف بُنيت على ما حدث فى إدارة المرحلة الانتقالية من أخطاء فادحة، أو ما لم يفعله المجلس مثل اجتثاث النظام السابق من جذوره، والتحرك بوتيرة سريعة فى محاكمات قتلة الثوار، واتخاذ إجراءات عاجلة فى مجال العدل الاجتماعى. لكن اللافت أن المجلس العسكرى قد أصبح لدى الثوار «شيطان الثورة» الذى لم يرتكب ما سبق من أخطاء جسيمة فحسب، ولم يكتفْ بالتقاعس عن القيام بأعمال كانت مسئوليته تحتم عليه القيام بها، وإنما أصبح الثوار ينسبون إليه ما لم يفعله، وما ليس بمقدوره أن يفعله حتى وإن أراد، مثل الامتناع عن تسليم السلطة للمدنيين فى الموعد المحدد، وتوجيه عملية كتابة الدستور الجديد بحيث يؤتى محملا بالمزايا والحصانات للقوات المسلحة، والتواطؤ فى انتخابات رئاسة الجمهورية بحيث يفوز فيها مرشح يأتى على هوى المجلس، وغير ذلك الكثير.

 

لكن هذا كله شىء ودرجة البذاءة التى استخدمها بعض المحسوبين على الثورة فى هتافاتهم وشعاراتهم شىء آخر، وربما يكون البعض قد رأى عددا من الشعارات كُتِبَت بخط قبيح على جدران المتحف المصرى مما يعف أى قلم عن ذكره، أو سمع بأذنيه ما كان يردده ذلك البعض من هتافات لا يمكن أن يرددها ثائر حقيقى بحق المجلس العسكرى ورئيسه، وهذه كلها أمور لابد وأنها سوف تنعكس بالسلب على القوات المسلحة المصرية التى ستعود خلال شهور قليلة إلى مهمتها الأصلية، وفى حلوقها غصة مهما قيل من أن هذه البذاءات موجهة إلى المجلس العسكرى وليس إلى الجيش المصرى، وبأى منطق نتصور أن تحافظ هذه القوات على تماسكها وانضباطها وهى تتابع هذا التنكيل البذئ بقياداتها؟

 

●●●

 

وبعيدا عن المجلس العسكرى وأوزاره شارك الثوار فى ذكرى ثورتهم وفى قلوبهم وعقولهم رفض واضح أو خفى لما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية. صحيح أن هذا الرفض لم يُترجم فى شعارات مكتوبة (وإن كان بيان قد وُزع فى التحرير منسوبا لحزب الوفد يطالب بحل البرلمان ونفى الوفد علاقته به) ولكنه كان لسان حال الكثيرين. والمنطق هنا أن فصيلا من فصائل الثورة ــ اتُهم بأنه لم يشارك فيها إلا عندما اطمأن إلى أن النصر حليفها ــ قد حصل على نصيب الأسد فى تلك الانتخابات، وهو ما يجعله وإن كان ممثلا لإرادة شعبية لا شك فيها غير معبر عن الثورة ككل، ولا يلوم الثوار فى هذا إلا أنفسهم، فقد انفرط عقدهم على نحو مذهل بعد النجاح فى الإطاحة بمبارك مباشرة، وتكاثرت ائتلافاتهم حتى كادت أن تبلغ المائتين، وقد سُئل المفكر القومى العربى الراحل ساطع الحصرى عقب الهزيمة من إسرائيل 1948 كيف تُهزَم الدول العربية وهى سبع أمام إسرائيل؟ فأجاب بأنها هزمت لأنها سبعة.

 

لقد انشغل الثوار بعد أن بددوا وحدتهم بالشارع السياسى، ودعوا إلى عشرات المليونيات التى نجحت حينا وتضاءل عدد المشاركين فيها إلى مئات حينا آخر، فأضعفت قضيتهم بدلا من أن تفرض مواقفهم، وانشغلت نخبتهم بالفضائيات وليس بهموم المواطن العادى، فيما اهتم غيرهم بهذا المواطن ووفر الخدمات له ناهيك عن الدعم الذى لقيه من استخدام الدين والمساجد فى دعايته السياسية، وهكذا كانت نتيجة الانتخابات متوقعة، وها هم الثوار يكررون الخطأ نفسه فى الانتخابات الرئاسية القادمة التى تخرج بشأنها من صفوفهم مقترحات لا يمكن المرور عليها مر الكرام. لقد بدا وكأن الثوار يتصرفون بغير حسابات سياسية، وقد سبق أن ألمحت فى هذه الصفحة منذ أسابيع إلى أن بنية القوى السياسية ومصالحها قد تغيرت فى العام المنصرم، وأن هناك منها من هو راضٍ عما تحقق، وقصدت بذلك تيار «الإسلام السياسى»، ولذلك فمن البديهى ألا يقبل بفكرة الثورة الثانية وهو المستفيد حتى الآن من الأولى، وقد ترتبت على هذا سلوكيات معينة سواء فى مواقف النخبة القيادية للإخوان المسلمين أو المنتمين للجماعة أفضت إلى حد الاشتباك بينهم وبين الثوار فى التحرير، وهى مســـألة لا تطمئن خاصـــــة وأن الاشـــــتباكات امتـــــــــدت إلى أكثر من محافظة.

 

●●●

 

أختم بالنقد الذاتى لمطالب الثوار، فأبدأ بالقول بأنها كلها بديهية ومشروعة، لكنها تعددت بحيث تبدو فى مجملها خطة سياسية للثورة وليست مطالب ثورية لها، مع الاعتراف بأن عددا من هذه المطالب يمكن الشروع فى تنفيذه فورا، لكن الشطط قد بلغ ببعض المقترحات المتعلقة بتسليم السلطة ما يمكن أن يهدد استقرار الوطن. من المطالب التى يمكن الشروع فورا فى تنفيذها ما يتعلق بالقصاص من قتلة الثوار، وفى هذا الإطار شكل مجلس الشعب لجنة تقصى حقائق ترصد كل ما جرى منذ نشوب الثورة وحتى الآن من أخطاء فادحة تستوجب المحاسبة، وإن كان الحديث عن «محاكم ثورة» يحتاج تغييراَ فى نهج ثورة يناير، كما أن مزاج «الإعدام» المسيطر على الرأى العام يهدد معنى العدالة، فضلا عن أن أحد المقترحات قد اشتط بالحديث عن لجنة تتكون من مجلس الشعب يكون لها حق «الضبطية القضائية»!. من المطالب الفورية أيضا ما يتعلق بحقوق المصابين والشهداء، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة محاكمة الذين صدرت بحقهم أحكام عسكرية، وتطهير مؤسسات الدولة من رموز النظام القديم، ومراعاة أن تكون لجنة صياغة الدستور معبرة عن كل التيارات السياسية، ووضع حدين أدنى وأعلى للأجور وتثبيت العمالة المؤقتة (تردد على استحياء فى هذا السياق الحديث عن تأميم الشركات الاحتكارية)، وإلغاء حالة الطوارئ دون أية استثناءات. أما المطالب التى تحتاج بعض الوقت فتتعلق بقضايا مثل استقلال القضاء (وأحيانا يدخل هذا المطلب فى المنطقة الوعرة المتعلقة بالحديث عن تطهير القضاء) واستقلال الجامعات، وإلغاء وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة وتشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الإعلام.

 

أما مقترحات التسليم الفورى أو العاجل للسلطة فمعظمها ينتمى إلى عالم اللامعقول، فمن قائل بتسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب، ولا أدرى كيف تُبنى ديمقراطية ابتداء بالجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلى مطالب برئيس انتقالى يختاره مجلس الشعب ومن هنا نكون قد حكمنا بأن نظامنا برلمانى، وهذا المقترح ليس ببعيد عن المقترحات التى فاجأنا بها الدكتور البرادعى، وفى كل الأحوال سنكون إزاء رئيس غير محددة سلطاته دستوريا، وهناك من طالب بتفعيل دستور 1971 مؤقتا لانتخاب الرئيس ناسيا السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية فى هذا الدستور، أو طالب بأن تساير إجراءات انتخابات الرئيس عملية وضع الدستور، ولا أدرى على أى أساس سوف يبنى المرشحون للرئاسة حملاتهم، ويتحدثون عن برامجهم، وهم لا يعرفون سلطاتهم، وشغل البعض نفسه كثيرا بتقصير الفترة الانتقالية شهرا أو نصف شهر ! غير أن أعجب المقترحات كان يقضى بقيام الثوار (لا أدرى أى ثوار) بانتخاب مجلس رئاسى من حوالى خمسة وخمسين عضوا يتسلم السلطة، وهو ما لم أسمع به فى حياتى.

 

●●●

 

لقد أصبحت من أشد المتحمسين للإسراع بتسليم السلطة ليس للأخطاء المنسوبة للمجلس العسكرى فى إدارته المرحلة الانتقالية فحسب، ولكن خوفا من استمرار سياسة الأيدى المرتعشة التى يترك بها المجلس البلطجية يحطمون منشآت الحلم النووى المصرى فى الضبعة، ويتغافل عن عمليات قطع الطرق فى طول مصر وعرضها بسبب وبدون سبب، ويرى الدولة وهى تتآكل شيئا فشيئا دون أن يحرك ساكنا، غير أن هذا كله شىء والشطط فى مقترحات تسليم السلطة شىء آخر. 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية