السياسة الخارجية المصرية فى أوقات عصيبة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة الخارجية المصرية فى أوقات عصيبة

نشر فى : الأربعاء 2 فبراير 2022 - 9:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 فبراير 2022 - 9:55 م
تحتاج مصر إلى نظرة جديدة لسياستها الخارجية، فلسفتها وأولوياتها، تجدد حيويتها وقدرتها على المبادرة فى أوقات عصيبة تومئ بتحولات عاصفة فى العلاقات الدولية والإقليمية على السواء.
بصيغة أخرى، فإن هناك حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية حتى لا تداهمنا التحولات المحتملة بأخطارها دون تحسب، أو تفلت الفرص المتاحة وسط العواصف المنتظرة.
هناك نظام عالمى جديد يوشك أن يعلن عن نفسه عقب الأزمة الأوكرانية يطوى حسابات دولية ويؤسس لأخرى، إذا لم نكن متأهبين بما يكفى لما هو مقبل فإننا قد نكون إحدى ضحاياه.
وهناك تطور إقليمى جوهرى يطل من العاصمة النمساوية فيينا بالتوصل المحتمل لاتفاق بشأن المشروع النووى الإيرانى، إذا لم نكن مدركين بما هو ضرورى أنه يترتب عليه تحولات استراتيجية وأمنية فى بنية الإقليم كله فإن الفرص المتاحة للتمركز فيه قد تتبدد بأسرع من أى توقع.
نحن أمام اختبار حقيقى للإرادات والتحالفات والمصالح قرب انهيار نظام عالمى استنفد زمنه وقدرته على البقاء وبمواجهة انقلابات إقليمية تطل علينا مشاهدها الأولى.
الأزمة الأوكرانية تكاد تضاهى من حيث الأجواء المشحونة الأزمة الكوبية عام (1962)، التى لاحت خلالها سيناريوهات حربا نووية مدمرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى السابق.
أسست الأزمة الكوبية للحرب الباردة، التى استندت على توازن الرعب النووى وكرست بالوقت نفسه للانقسام الحاد فى النظام العالمى بين معسكرين متضادين أيديولوجيا واستراتيجيا وعسكريا واقتصاديا.
بأى نظر على قدر من التبصر فإنه يصعب توقع حرب باردة جديدة.
هذا عالم انقضى، لا الولايات المتحدة تملك مقومات القوة العظمى على النحو الذى فرض قيادتها للتحالف الغربى أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، نموذجها الديمقراطى تحيطه تساؤلات وشكوك، أزماتها الداخلية تنذر بانفجارات عرقية محتملة، الشروخ تضرب بنية التحالف نفسه والشكوك فى مستقبل حلف «الناتو» حاضرة.
جرت محاولات دءوبة لإضفاء شىء من التماسك على الأداء الغربى العام فى الأزمة الأوكرانية، لكنها لم تخف عمق التناقضات الداخلية فى ترتيب المصالح والأولويات والتحالفات كما تبدى ذلك واضحا فى أزمة الغواصات، التى اعتبرتها فرنسا «طعنة فى الظهر» عندما فسخت استراليا، بتحريض أمريكى مباشر ومعلن، عقد شراء (12) غواصة فرنسية.
لم تكن تلك محض خسارة تجارية بقدر ما كانت تعبيرا عن عملية تهميش متعمدة للدور الفرنسى باستراتيجية المحيطين الهندى والهادى والمواجهة مع الصين.
بنفس النظر فإن روسيا ليست الاتحاد السوفييتى السابق بنموذجه الأيديولوجى واتساع نفوذه الدولى.
هذه روسيا جديدة تحركها بالأساس مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية دون اعتبار كبير لأى معايير أيديولوجية أو أخلاقية فى بناء سياساتها الخارجية.
بتقدير عام فإن اللاعب الروسى أقرب إلى كسب الجولة الأوكرانية بالنقاط، يلوح بالحشد العسكرى كأنه على وشك الغزو دون أن يكون قد قرر ذلك فعلا، ما يريده بالضبط منع «حلف الناتو» من التمركز عند محيطة الأمنى الاستراتيجى.
اكسبت سرعة الحركة والتصرف والمناورة اللاعب الروسى نفسا إضافيا ومكنته من أن يكون فى وضع تفاوضى أفضل رغم أحاديث العقوبات الأمريكية والأوروبية.
بصورة أو أخرى سوف تطوى صفحة الأزمة الأوكرانية بتسوية سياسية يتأكد فيها الطلب الأمنى الروسى قرب حدودها والنفوذ السياسى الغربى على أوكرانيا.
فى مثل هذا السيناريو المتوقع فإن روسيا بوسعها، إذا ما مضت خطوات أوسع وأكبر بالتحالف مع الصين بقوتها الاقتصادية والعسكرية، أن تمثل قطبا موازيا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، دون أن يكون القطبان بديلين للقوتين العظمتين السابقتين.
نحن فى عصر القوى الكبرى، لا القوى العظمى.
هذه حقيقة سوف تؤكد نفسها بالمدى المنظور.
من حق مصر وواجبها أن تمد الجسور مع الأطراف كافة، تحدد مواقفها وفق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية دون أوهام أن تحالفا استراتيجيا يضمها إلى الولايات المتحدة ودون افتعال مشاحنات بقصد أو بغير قصد مع روسيا أو الصين.
فى المراجعات الضرورية لابد أن نجيب على سؤال: لماذا زادت الفجوات مع الصينيين والروس فى أزمة السد الإثيوبى؟
أحيانا نعطى إشارة للحركة فى اتجاه قبل أن نمضى فى اتجاه آخر دون تحسب لردات فعل الحلفاء المفترضين.
وفى المراجعات الضرورية تتبدى خشية أن تتصور الدولة العبرية بالمناورات العسكرية المشتركة مع عدد من الدول العربية أن الفرصة قد حانت للمضى قدما فى التطبيع دون أدنى اعتبار للقضية الفلسطينية.
كان مأساويا أن تحتفل السفارة الأمريكية بذكرى الهولوكست فى أحد فنادق القاهرة، فيما يعانى الفلسطينيون من أبشع أنواع التنكيل والتمييز العنصرى، دون أن يعترض أحد، أو أن يتساءل عن موقف المحتفلين من الجرائم التى ترتكب بحق الإنسانية فى فلسطين المحتلة.
لا يمكن لأية دولة أن تتطلع لدور قيادى فى الإقليم دون أن تكون القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها.
وفيما يستحق المراجعة والضبط طبيعة العلاقات مع الصين، الحليف الاستراتيجى السابق خمسينيات وستينيات القرن الماضى، إذا لم ندرك أن القوى الكبرى ليست مولات تجارية للبيع والشراء وتبادل المنافع العابرة، فإننا لن نستوعب أسباب واعتبارات بكين الذى دعاها أثناء اجتماع مجلس الأمن إلى دعم إثيوبيا على حساب مصر رغم عدالة قضيتها فى أزمة سد النهضة.
إعادة هيكلة السياسة الخارجية يعنى بالضبط المراجعة وتصحيح السياسات وإطلاق المبادرات وتجديد شباب المؤسسة الدبلوماسية العريقة.
بصياغة أخرى، فإنها إعادة بناء للهيبة فى زمن جديد ومختلف.
لا يعنى ذلك أن نغادر معسكرا لننضم إلى آخر.
العالم الجديد لا يعرف المعسكرات المغلقة، الانفتاح على القوى الدولية المتعددة مسألة أساسية فى أى نقاش أو مراجعة.
بقدر تحسين الصورة فى الداخل تتأكد هيبة قضاياك فى الخارج.
الصورة مسألة سياسات لا دعايات، إذا ما تحسنت أوضاع الحريات العامة وحقوق الإنسان فإنه يمكن لمصر أن تتطلع للالتحاق بالعالم الجديد من موقع قوة نسبى بلا ثغرات يمكن توظيفها بمقتضى المصالح المتعارضة.
أخطر ما يمكن أن يعترض مصر، فيما العالم يتغير، التحديات التى تداهم أمنها ومصالحها عند حدودها المباشرة أو فى محيطها العربى بأثر إعادة بناء النظام الإقليمى إثر مباحثات فيينا.
جرت مفاوضات معلنة سعودية إيرانية فى أربع جولات على الأقل بالعاصمة العراقية بغداد، توصلت إلى تفاهمات، لكنها لم تأخذ الطريق إلى نهايته بانتظار ما قد يحدث فى فيينا.
فى المسافة ما بين التفاهم الممكن والتصعيد الحالى، لم تتقدم مصر بأخذ زمام المبادرة، لا حاورت إيران فى العلن الدبلوماسى كما فعلت مع تركيا لتخفيض منسوب التوتر بالحوار الصريح حول المخاوف المتبادلة، ولا أخذت خطوة حاسمة فى إعادة دمج سوريا بعالمها العربى قبل قمة الجزائر، رغم أن أطرافا عربية عديدة تفتح نوافذ العلاقات مع دمشق.
بأى نظر تاريخى فإن سوريا مسألة أمن قومى مصرى.
فى غياب المبادرات بالملفات الملغمة تعطلت لغة الكلام بين اللاعبين الإقليميين.
راوحت الأزمة الليبية مكانها رغم المبادرات الدولية على الحدود الغربية.
وتفاقمت الأزمة السودانية بالوقت نفسه على الحدود الجنوبية.
لا يبدو فى الأفق حلا لمعاناة غزة رغم فتح معبر رفح بصورة أكثر انتظاما.
الملف اليمنى معطل حتى تتضح نتائج مباحثات فيينا وما يجرى بعدها من توافقات وتفاهمات تحتاج باليقين دورا مصريا أكبر وأكثر فاعلية.
الملف اللبنانى يكاد أن يذهب بالبلد إلى المجهول فعلا لا مجازا، وبقوة الأمر الواقع معطل هو الآخر.
أين المبادرات؟ هناك تعطيل عمدى من دول يفترض أنها حليفة لأية أدوار مصرية.
هذا وضع لا بد أن ينتهى.
إعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية وتجديد شبابها وتوسيع قدرتها على إطلاق المبادرات فى جميع قضايا وأزمات الإقليم المتفاقمة مسألة تكاد أن تكون وجودية.