العلم والأدب - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلم والأدب

نشر فى : السبت 2 أبريل 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : السبت 2 أبريل 2016 - 9:45 م
في السابع من مايو من عام 1959 وفي قاعة مجلس الشيوخ بجامعة كمبريدج أعطى السير تشارلز بيرسي سنو محاضرة مثيرة للغاية عن الفرق بين ثقافة الأدباء وثقافة العلماء، أثارت هذه المحاضرة المسماه "الثقافتان" جدلا شديدا في الأوساط العلمية والأدبية حتى الآن لأنه من الصعب تصور شخص يجمع تلك الثقافتين بشكل متوازن ويبدع في كلتيهما.

يحضرني هنا مثالان: أولهما هو السير تشارلز سنو نفسه الذي كان عالما في الكيمياء الفيزيائية وروائي في نفس الوقت، أما المثال الثاني فهو عالم رياضيات لا يشق له غبار ويكتب في النقد الأدبي كتابة رفيعة المستوى، يقول عنه الدكتور جلال أمين في كتابه الصغير حجما والكبير قيمة "شخصيات مصرية فذة" أنه يتمتع بدرجة من التقدير والمحبة من المثقفين المصريين يندر أن يتمتع بها مفكر معاصر آخر. إنه الدكتور عبدالعظيم أنيس.

ولد في يوليوعام 1923 بحي الأزهر والتحق بعد انتهاء دراسته الثانوية بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا). تخرج فيها عام 1944 وتم تعيينه معيدا بجامعة الإسكندرية، وكما سنرى فقد أتيح للدكتور عبدالعظيم أنيس أن يعمل بالجامعات الثلاث الكبرى في مصر (القاهرة والإسكندرية وعين شمس)، ثم سافر في بعثة إلى المملكة المتحدة عام 1950 وحصل على درجة الدكتوراه في الإحصاء الرياضي في سبتمبر من عام 1952 (!!) من الكلية الملكية للرياضيات الإحصائية الإمبريال كولدج بجامعة لندن، عاد إلى مصر وجاءه عرض بالتعيين مدرسا بقسم الرياضيات البحتة بكلة العلوم بجامعة القاهرة فقبل، في عام 1954 فصل من الجامعة بقرار من مجلس قيادة الثورة لأنه كان من الموقعين على وثيقة تطالب بعودة الجيش إلى ثكناته، فعاد إلى إنجلترا وعمل محاضرا للرياضيات بجامعة لندن في الفترة من‏ 1955 إلى 1956 (ترك العمل هناك وعاد إلى مصر نتيجة للعدوان الثلاثي).

لنقفز بالزمن إلى العام 1966 ونجد الدكتور عبدالعظيم أنيس قد عين أستاذا للرياضة البحتة في جامعة عين شمس، كما عمل أستاذا زائرا للرياضيات بجامعة لندن خلال حقبة السبعينات.

كانت هذه نظرة سريعة على المشوار العلمى للدكتورأنيس، ولكن حياته متعددة الجوانب ولكي نفهم عظمة هذا الرجل الفذ يجب أن نرى جانبين آخرين من حياته: الجانب الأدبي والجانب السياسي.

في الجانب الأدبي والثقافي يمكننا أن نقول الكثير والكثير، فالدكتور أنيس كتب في جريدة المصري ثم روزاليوسف الكثير من المقالات في قضايا الأدب والفكر أثناء عمله بجامعة القاهرة عام 1952، ثم عمل صحفيا في فترة من حياته في جريدة المساء من العام 1956 حين عاد من لندن وحتى العام 1959، لا يجب أن نغفل كتابه الشهير "في الثقافة المصرية" مع صديق عمره محمود أمين العالم والذي خاضا فيه صراعا ثقافيا شرسا مع عباس محمود العقاد وطه حسين (حول وظيفة الأدب والفن) امتد خارج نطاق الكتاب إلى صفحات الصحف ليبرز الثقافة الغزيرة والتفكير المنظم الجدير بعالم رياضيات بالإضافة إلى حماسة الشباب، وله كتاب آخر بعنوان "علماء وأدباء ومفكرون" نشر عام 1983 يعتبر آية في الجمع بين العلم والأدب في التعريف بكبار العلماء والأدباء الشرقيين والغربيين، وكتابه "رسائل الحب والحزن والثورة" والذي يحتوي على الرسائل المتبادلة بينه وبين زوجته السيدة عايدة ثابت الصحفية حين كان في المعتقل يعتبر آية في جزالة اللفظ ورهافة الحس، وهذه فقط أمثلة على بعض كتبه، وحيث إننا ذكرنا المعتقل فلنحدث عن نشاط عالمنا الفذ السياسي.

على المستوى السياسي كان الدكتور أنيس مناضلا يساريا وقد تعرف على الفكر اليساري عن طريق حلقات ماركسية أنشئت أثناء دراسته بجامعة القاهرة، اعتقل فترة في عهد الملك فاروق لاشتراكه في المظاهرات ضد معاهدة 1936 ثم أفرج عنه لصغر سنه واعتقل مجددا عام 1948 لاشتراكه في مظاهرات ما بعد حرب 1948، واعتقل لمدة خمس سنوات (1959-1964) في حملة اعتقال الشيوعيين في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر.

رحل الدكتور عبدالعظيم أنيس عند دنيانا ظهر الخميس 15 يناير 2009، قبل أقل من أسبوع على وفاة صديق عمره محمود أمين العالم، وقد رُوي عن ابنته منى أنيس مديرة تحرير مجلة "الأهرام ويكلي" آنذاك أنها قالت إن والدها رحل "بعد أن أمضى حياته بالطريقة التي أحبها وعبر من خلالها عن حبه لبلاده ولشعبها".

هذا المقال أعطى لمحة سريعة عن الدكتور عبدالعظيم أنيس وأنصحك أن تقرأ كتابه "ذكريات من حياتي" لتتعرف أكثر عن هذه الشخصية الفذة وتقرأ عن ذكرياته مع الدكتور طه حسين والدكتور علي مصطفى مشرفة وغيرهما بالإضافة إلى لقائه مع جيفارا في منزل إحسان عبدالقدوس، كما ستعرف أكثر عن عطائه العلمي وذكرياته في لندن. كتاب أكثر من رائع أعتقد أنه كان سيثير إعجاب السير تشارلز بيرسي سنو!
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات