هيكلة الداخلية قبل إقالة الوزير - محمد عصمت - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هيكلة الداخلية قبل إقالة الوزير

نشر فى : الإثنين 2 مايو 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الإثنين 2 مايو 2016 - 9:45 م

إذا كنت من معارضى السيسى، فلن تحتاج إلى أى دليل إضافى لتثبت أن اقتحام الشرطة لمقر نقابة الصحفيين للقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، ماهو إلا خطوة جديدة لبناء الدولة البوليسية فى مصر، كما أنك لن تحتاج لمجهود ذهنى كبير لكى تقتنع بما تقوله فصائل سياسية متعددة بأن ثورة يونيو لم تكن أكثر من «انقلاب» على حكم الإخوان المسلمين، وأنها أعادت من جديد الممارسات القمعية لدولة مبارك، حتى لو لم تكن أنت نفسك إخوانيا، أو حتى كنت تعارضهم طوال حياتك، وتقول فيهم ما قال مالك فى الخمر.
أما إذا كنت من مؤيدى الرئيس، فأمامك تفسيرات متعددة ومتضاربة لفهم انتهاك الداخلية الفاضح للقانون، يأتى فى مقدمتها أن غريزة الانتقام البدائى من ثورة يناير، وراء إقدام الداخلية على هذه الخطوة، باعتبارها الوجه الآخر لحالات القتل «الفردية»، التى يرتكبها أمناء الشرطة أخيرا فى شوارعنا.
ولو حاولت فهم الأمر على خلفية ما يتردد عن صراع الأجهزة الأمنية فى مصر، الذى تخطى الخطوط الحمراء، فلن تجد أى دليل عقلانى يثبت هذه الفرضية، فالداخلية هى التى ورطت نفسها بنفسها فى هذه العملية، دون أن ينافسها فيه أى جهاز أمنى آخر.
أما إذا كنت ترى أن بعض قيادات الوزارة أرادت إحراج النظام، فإنهم سيكونون أول ضحايا الفشل المتوقع لهذا الاقتحام، وأن ردود الأفعال الغاضبة المتوقعة ستطالب برؤسهم، ثم إن هذا الرأى يفترض بالضرورة تورط الوزير شخصيا معهم، وهو أمر غير معقول بالمرة، اللهم إلا إذا كان يريد أن ينتحر سياسيا، أو أن وراءه شخصية أكبر منه وافقت على هذه الخطوة، وهو أيضا أمر مستبعد حتى الآن!
قد يرى البعض أن قلة الحيلة، وانعدام الكفاءة، وغياب أى حس سياسى، وراء هذا القرار الغشيم باقتحام النقابة، خاصة أن هذا الاقتحام سبب حرجا بالغا النظام، وأثار غضبا واسعا داخل مصر، كما قدم للدول الغربية مبررا مجانيا لتوجيه المزيد من الانتقادات للنظام المصرى، باعتباره معاديا للقيم الديمقراطية، فى وقت يواجه فيه شبح عقوبات غربية على خلفية حادث مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، أو على الأقل يزيد من مصداقية المطالب بفرض هذه العقوبات عليه
إلا أن حقيقة الأمرأن هذا الاقتحام جاء متسقا تماما مع اتجاه السلطة المتصاعد لتضييق مجال الحريات العامة، وإطلاق يد الأمن فى السيطرة على مؤساتنا المختلفة وأولها البرلمان، وشن حرب شعواء ضد منظمات المجتمع المدنى، وتجريم الحق الدستورى فى التظاهر بقوانين قمعية، والزج بعشرات إن لم يكن مئات الشباب فى السجون، كما يتسق تماما مع اتجاه السلطة لاتخاذ قرارات مصيرية، كالتنازل عن تيران وصنافير للسعودية، بدون إعطاء أى وزن للاعتراضات الشعبية، أو حتى التفكير فى طرح القضية لمناقشة مجتمعية ديمقراطية.
قد تكون إقالة وزير الداخلية هى الحل السريع لوقف التدهور المستمر فى سمعة النظام الديمقراطية، لكن قبل ذلك لابد من اتخاذ اجراءات فعلية تستهدف هيكلة الداخلية تشارك فيها الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع والشخصيات العامة، بحيث ألا تقتصر هذه الهيكلة على حركة تنقلات أو حتى إقالات لبعض ضباطها الكبار، ولكن لتشمل إعادة النظر فى المناهج التى يدرسها طلاب الشرطة، ووضع آليات صارمة لتوقيع عقوبات مشددة لأى خرق للقانون أو انتهاك للحريات، وقبل ذلك كله الشروع فى بناء نظام ديمقراطى حقيقى، بعيدا عن المفاهيم البالية حول الاصطفاف الوطنى، والزعامة الأبوية التى تعرف أكثر مما نعرف.
اقتحام النقابة يأكل من شرعية النظام، وهو اختبار حقيقى لقدرته وايضا لرغبته فى الابتعاد عن توجهاته السياسية والاجتماعية الحالية، والانعطاف نحو تحقيق أهداف ثورة يناير فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. وبقدر مصداقيته فى هذا الانعطاف يمكننا توقع احتمالات نجاحه أو سقوطه!

محمد عصمت كاتب صحفي