«اصطياد أشباح» - خالد محمود - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«اصطياد أشباح»

نشر فى : السبت 2 ديسمبر 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 2 ديسمبر 2017 - 8:40 م

يقدم المخرج الفلسطينى رائد أنضونى فيلمه الجديد «اصطياد أشباح» الفائز بجائزة سعدالدين وهبة بالقاهرة السينمائى وأفضل وثائقى بمهرجان برلين فى دورته الاخيرة، إعادة تركيب للواقع، واقع السجناء والذاكرة المؤلمة للمخرج نفسه الذى أمضى فى سجن المسكوبية الشهير بقسوة المعاملة بداخله، ثلاث سنوات. وهو يصور طريقة التحقيقات التى يقوم بها الإسرائيليون مع السجناء الفلسطينيين فى هذا السجن.
فى الفيلم يضع المخرج رائد أنضونى إعلانا بصحيفة فى رام الله. أنه يبحث عن السجناء السابقين من مركز الاستجواب المسكوبية فى القدس حيث قضوا مرحلة من حياتهم، فى إعلانه يطلب أنه يجب أن يكون لدى هؤلاء الرجال أيضا خبرة الحرفيين والمهندسين المعماريين. لأنه سيشارك من يقع عليهم الاختيار ليس فقط فى تجسيد أدوارهم بالسجن، وما تعرضوا له بداخله، ولكن ليساهموا ببناء ديكور لنسخة طبق الأصل من غرف الاستجواب بالمركز كما شاهدوه فى الواقع، حيث ستكون القاعات تحت إشراف دقيق من السجناء السابقين وبناء على ذاكرتهم. ثم بعد ذلك يقومون بإعادة تمثيل عمليات الاستجواب، وهذا هو ما يجرى بالفعل داخل أحداث الفيلم، فالمخرج والمساجين يدخلون طوال الوقت فى مناقشة تفاصيل صغيرة حول مشاهد العنف وعن الإهانة التى واجهوها أثناء احتجازهم. باستخدام تقنيات تشبه ما يسمى «مسرح المضطهدين».. يعملون معا لتهويل تجارب الحياة الحقيقية. وأجمل لحظات الفيلم هى ان تلك الذكريات المؤلمة أعادت مشاهد الصدمة إلى الواجهة من جديد لتترك تأثيرها الكبير على الرجال جسديا وعقليا على حد سواء لاندماجهم الكامل فى تجسيد المأساة التى يعيشونها.
فطوال الوقت يهيم حولك السؤال: أنت أمام سجناء سابقين أم ممثلين يجسدون شخصيات اعتقلت بالسجون الإسرائيلية.. إنهم بلا شك الاثنان معا، فالكادر يطوف طوال الوقت بين صرخات أوقات مؤلمة، وأحلام تسكن حريتها الجدران.. لقد أراد رائد أنضونى ان يتجاوز كل أشباح ومآسى تجربته الشخصية، بل ويهزمها بداخله بعمل يجسد فيه شخصيته الحقيقية كمخرج ذاق الاعتقال، وهو يصور حاضره وحاضر أبطاله، فى لغة سرد طازجة تلمس معها بسخرية الذكريات والتشوهات النفسية احيانا.
مع تتابع المشاهد تكتشف أن الآلام لا تزال حية بآهاتها داخل شخصيات أنضونى، وهو ما يعبر عنها حديثهم عنها طوال الوقت، ليضفى حميمية واقعية، فالكثير من مشاهد الانهيار والدموع والآلام نتابعها فى رحلة بناء السجن، ويبدو أن المخرج نجح فى أن يضبط انفعالات شخصيات الفيلم والتعامل معها دون إيذاء مشاعرهم وخاصة فى لحظات الحكى الشخصية لفترات الاعتقال وفقدان النفس والجسد والتى تجعل من الخيال المهرب الوحيد، لنرى تنوع مواهبهم بين الشعر والرسم التى مزجت بين التسجيلى والروائى وهو القالب الذى منحه التميز.
حقق المخرج الفلسطينى «رائد أنضونى» انتصارا مزدوجا عبر فيلمه «اصطياد أشباح» الذى عرض فى ختام مهرجان «أيام بيروت السينمائية»، فهو أولا أحيا الذاكرة الدموية للممارسات الإسرائيلية غير الإنسانية فى سجون الاحتلال من خلال قصص واقعية رواها سجناء «المسكوبية» فى القدس، وثانيا فوز الفيلم بالجائزة الفضية من مهرجان برلين السينمائى الدولى الـ 67.
الأداء الفطرى والمؤثر للابطال كان ملفتا، صحيح أن هناك بعضهم محترفون (رمزى مقدسى) إلاّ أن عددا كبيرا من السجناء السابقين شاركوا بواقعية شديدة وأعادوا تجسيد المعاناة التى عاشوها، ما أعطى فرصة أكبر للتنفيس عن آثار الممارسات القاسية التى واجهوها بعزيمة؛ ليتحرروا مرة أخرى بدفء «العائلة والأرض والوطن».

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات